دراسة علمية: الإنسان يتحمل المسؤولية عن تعرضه لهجمات الدببة

البني منها مهدد بالانقراض بسبب المواجهات العدوانية

 الدببة تتجه إلى المناطق الحضرية
الدببة تتجه إلى المناطق الحضرية
TT

دراسة علمية: الإنسان يتحمل المسؤولية عن تعرضه لهجمات الدببة

 الدببة تتجه إلى المناطق الحضرية
الدببة تتجه إلى المناطق الحضرية

الإنسان هو المسؤول الأول عن تعرضه لهجوم من دب بني، هذا ما خلصت إليه دراسة موسعة أعدها فريق علمي دولي، بعد مراجعة لتفاصيل مئات الهجمات خلال السنوات الماضية. ووضع العلماء مجموعة توصيات في خلاصة دراستهم، تهدف أولاً إلى تجنب التعرض لهجوم من الدببة، وثانياً إلى حماية هذا النوع منها المهدد بالانقراض، إذ يضطر الإنسان إلى مواجهة عدوانية الدببة بإطلاق النار عليها، أو قتلها، بأي وسيلة أخرى متوفرة، خشية من أن تقتله هي. ويأمل علماء شاركوا في إعداد الدراسة في أن تساهم توصياتهم في تراجع حوادث مهاجمة الدببة للإنسان، ومن جانب آخر حماية الدببة من نتائج تلك المواجهة، التي تؤدي إلى تراجع أعدادها، في وقت الذي باتت فيه مهددة بالانقراض، حيث لا يزيد عددها حالياً عن 200 ألف دب بني، في مختلف أرجاء العالم، نصفها يعيش في مناطق شمال روسيا ووسطها.
وفي الدراسة التي نشرها «مركز سيبيريا العلمي» التابع لأكاديمية العلوم الروسية، على موقعه الرسمي، عمل العلماء على تحديد الظروف التي تؤدي إلى المواجهة بين الدب والإنسان، وطبيعة تلك المواجهة. وبحثوا في الأسباب التي تدفع الدب لمهاجمة الإنسان، وفي أي فترة من السنة، وأي وقت من النهار تقع تلك الهجمات غالباً. لذلك عكفوا على دراسة تفاصيل 664 حالة تعرض فيها أشخاص لهجوم من دببة بنية خلال الفترة منذ عام 2000 وحتى عام 2015. ووجدوا أن نصف تلك الهجمات وقعت، بينما كانت الدبة برفقة صغارها، وقالوا إنها تكون في هذه المرحلة أكثر عدائية لأنها تقوم غريزياً بمهمة حمايتهم من أي تهديد. فضلاً عن ذلك فإن الدببة التي تتجه إلى المناطق الحضرية، حيث يعيش الإنسان، تكون غالباً أماً تبحث عن طعام لصغارها، وهذا أحد أسباب زيادة الهجمات على الإنسان في هذه المرحلة من دورة حياتها.
ووفق نتيجة دراسة تلك الهجمات، فإن 17 في المائة منها وقع خلال «لقاء مفاجئ» بين الدب والإنسان، حيث يصاب كل منهما بالذعر، ويسارع الدب لمهاجمة الإنسان، دفاعاً عن نفسه، لأنه يرى في الظهور المفاجئ للإنسان مصدر تهديد له. وكانت الكلاب التي ترافق الإنسان خلال تجواله في المحميات والغابات التي تعيش فيها الدببة، سبب 17 في المائة من الهجمات. أما 10 في المائة منها فسببها إطلاق الإنسان النار على الدب وإصابته بجروح، وهذا يرفع عدائيته بشكل كبير، والسبب دوماً حاجته للدفاع عن نفسه. وتم تسجيل 5 في المائة من الهجمات فقط بسبب حاجة الدب للطعام. وبالطبع هناك هجمات كان سببها مجموعة من تلك العوامل في آن واحد. وتنتهي 90 في المائة من الهجمات بإصابة الإنسان بأضرار جسدية متنوعة، و10 في المائة منها تنتهي بقتل الدب للإنسان.
خلاصة تلك المعطيات، يرى الفريق العلمي أن الدب البني لا يتحمل المسؤولية عن مهاجمته الإنسان، وأن السلوك البشري الاستفزازي والمحفوف بالمخاطر يكون غالباً سبب تلك الهجمات، لذلك قدمت الدراسة جملة توصيات للتقليل من حالات الصدام الخطير مع هذا الحيوان المفترس الضخم، وعلى سبيل المثال تدعو إلى فرض حظر مشدد على التجوال في المحميات الطبيعية ومناطق انتشار هذا النوع من الدببة برفقة كلاب، لأن الكلب غالباً يستفز الدب ويلاحقه، ما يؤدي إلى رد فعل من جانبه لا تحمد عقباه. فضلاً عن ذلك يُستحسن عدم التجول في تلك المناطق، بشكل فردي، دون رفقة آخرين، ومحاولة إصدار أصوات مرتفعة أثناء السير في الغابة، لأنها تشكل تحذيراً للدب بوجود إنسان، وتحول دون لقاء مفاجئ يثير غضبه.
ويوضح العالم الروسي ألكسندر شيشكين، أن «الدب واحد من أذكى وأخطر الحيوانات. وعادة لا يهاجم دون استفزاز من جانب الإنسان»، وينصح أي شخص يجد نفسه وجهاً لوجه أمام دب بني بـ«عدم الفرار منه، لأن هذا سيثير غريزته كحيوان مفترس صياد»، والأفضل «الاستمرار بإصدار أصوات مرتفعة ومرعبة لترهيبه، وفي الوقت ذاته التراجع خطوة تلو الخطوة دون إدارة الظهر للدب، حتى بلوغ مسافة آمنة». الحالة الوحيدة التي يفترض فيها قتل الدب، هي عندما يلاحظ في سلوكه أنه يحاول متخفياً الاقتراب من الإنسان، ويراقبه وكأنه يستعد لاصطياده. وهناك حالياً حظر على اصطياد الدببة البنية، وذلك في إطار جهود حمايتها وزيادة أعدادها مجدداً حتى المستوى الطبيعي في مناطق انتشارها التقليدية.


مقالات ذات صلة

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

يوميات الشرق السمكة المجدافية كما أعلن عنها معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

جرف البحر سمكة نادرة تعيش في أعماق البحار، إلى أحد شواطئ جنوب كاليفورنيا، بالولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
يوميات الشرق ولادة بمنزلة أمل (غيتي)

طائر فلامنغو نادر يولَد من رحم الحياة

نجحت حديقة الحياة البرية بجزيرة مان، الواقعة في البحر الآيرلندي بين بريطانيا العظمى وآيرلندا بتوليد فرخ لطائر الفلامنغو النادر للمرّة الأولى منذ 18 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تعرف على أفضل 10 دول في العالم من حيث جودة الحياة (رويترز)

الدنمارك رقم 1 في جودة الحياة... تعرف على ترتيب أفضل 10 دول

أصدرت مجلة «U.S. News and World Report» مؤخراً تصنيفها لأفضل الدول في العالم بناءً على جودة الحياة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق العمر الطويل خلفه حكاية (غيتي)

ما سرّ عيش أقدم شجرة صنوبر في العالم لـ4800 سنة؟

تحتضن ولاية كاليفورنيا الأميركية أقدم شجرة صنوبر مخروطية، يبلغ عمرها أكثر من 4800 عام، وتُعرَف باسم «ميثوسيلا».

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
يوميات الشرق السعودية تواصل جهودها المكثّفة للحفاظ على الفهد الصياد من خلال توظيف البحث العلمي (الشرق الأوسط)

«الحياة الفطرية السعودية» تعلن ولادة 4 أشبال للفهد الصياد

أعلنت السعودية إحراز تقدم في برنامج إعادة توطين الفهد، بولادة أربعة أشبال من الفهد الصياد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)