غضب لبناني على مارسيل خليفة بعد استبداله مقطوعة موسيقية بـ«النشيد الوطني»

عاصفة هجوم على افتتاحه المثير للجدل لمهرجانات بعلبك

مارسيل خليفة في حفله البعلبكي الذي أثار جدلاً واسعاً
مارسيل خليفة في حفله البعلبكي الذي أثار جدلاً واسعاً
TT

غضب لبناني على مارسيل خليفة بعد استبداله مقطوعة موسيقية بـ«النشيد الوطني»

مارسيل خليفة في حفله البعلبكي الذي أثار جدلاً واسعاً
مارسيل خليفة في حفله البعلبكي الذي أثار جدلاً واسعاً

لم يمض عابراً خيارُ الفنان مارسيل خليفة أن يبدأ حفله لافتتاح مهرجانات بعلبك بمقطوعة موسيقية وضعها خصيصاً لمدينة الشمس بدلاً من النشيد الوطني اللبناني. فقد أثارت فعلة خليفة عاصفة من الغضب والشتائم، وموجة من الاتهامات. هناك من طالب بمحاكمته، وثمة من رأى أنّه يتوجب سحب الجنسية اللبنانية منه. فيما لم يتراجع الفنان عن موقفه، بل على العكس ازداد صلابة، وقال لمهاجميه: «أنا موجود في عمشيت، وجاهز للاستدعاء إن شاءوا. نعم، كلّنا للوطن ولكن فليعيدوا لنا الوطن...».
وفي التفاصيل، أنّ مارسيل خليفة بدأ الحفل الذي حمل عنوان «تصبحون على وطن»، مساء الجمعة الماضي، بمقطوعة موسيقية جميلة، وحين انتهى من عزفها مع الأوركسترا السيمفونية اللبنانية المصاحبة وأداء جوقة «سيدة اللويزة»، قال معلقاً: «طلبت مني لجنة المهرجانات أن أبدأ بالنشيد الوطني اللبناني، لكنّني قلت لنعمل ما هو أحلى من النشيد، في الكلام، وفي الموسيقى أيضاً، فكانت هذه المقطوعة تحية إلى بعلبك هذا الصرح الجميل، وإلى مهرجان بعلبك وتحية لكم أيضاً». المفارقة أنّ هناك من صفق وصفر وأعجب، لكن يبدو أنّ من تذمروا كانوا كثراً.
وكان أكبر الغاضبين الفنان زين العمر الذي هاجم مارسيل خليفة، على «تويتر»، بعبارات جارحة، إلى حد يصعب معه نقلها هنا. وتوالت ردود الفعل بين متفهم لما قام به مارسيل خليفة، وبين من بدأ ينبش كل ماضي الفنان ليعيّره ببعض محطاته، من انتمائه القديم إلى «الحزب الشيوعي»، ومن ثم مواقفه السياسية المختلفة، ووصل الأمر حد الهجوم على لجنة المهرجانات، لأنّها قبلت بخيار خليفة. علماً بأن مارسيل، على الأرجح لم ينسق مع اللجنة، فمعروف عنه، كما حدث في مرة سابقة في مهرجانات جبيل، أن يفاجئ المنظمين بخيارات يقوم بها منفرداً، وليس بالضرورة أنّه يعلم الآخرين بها سلفاً.
بالتالي فإنّ الكثير مما أحيط بهذه القصة، بدأ يأخذ أحجاماً مضخمة. ولربما لو بدأ مارسيل حفله من دون النشيد الوطني، كما فعل تماماً من دون تعليق منه، لما انتبه كثيرون لما حدث، لكن كان لتعليقه لربما، وقع غير مرض على الحاضرين.
ومن جملة الحملة التي تثار على مارسيل أنّه «متعجرف» و«متكبر»، وبات «يسكن القصور»، (علماً بأنه لا يزال يعود إلى بيته في بلدته الوادعة عمشيت)، وأنّه يتنكر للفقراء والمحتاجين الذين غنى لهم في بداية رحلته الفنية. ويأتي هذا الهجوم مترافقاً مع شائعة تقول إنه رفض إقامة حفل شبه مجاني لأهالي بعلبك، كما جرت العادة. وثمة تقليد يعمل به، منذ زمن طويل، وهو تخصيص حفل لأهالي بعلبك تحية وإكراماً لهم ولاستضافتهم، وغالباً وليس بالضرورة أن تكون هي الحفلة الافتتاحية قبل تقديمها للجمهور العريض. واتهم خليفة بأنّه طلب مبلغاً يصل إلى 30 ألف دولار لإقامة هذا الحفل، ولم تتمكن اللجنة من دفعه، وبالتالي حرم الأهالي مما اعتادوه.
وهو كلام عارٍ عن الصحة، لأنّ مارسيل لم يرفض إقامة هذا الحفل، وإنّما كان الوقت ضيقاً جداً ليتمكن من التمرينات اللازمة مع الفرقة قبل موعد الحفل الرسمي. وهو نفسه كان يتمنى مزيداً من الوقت قبل لقاء جمهوره. وما حصل أنّ اللجنة، وكما فعلت العام الماضي مع حفل أم كلثوم، لم تختر الحفل الافتتاحي واختارت غيره. وهذه السنة سيكون حفل الفنانة جاهدة وهبة، وليس مارسيل، هو المخصص لتحية أهالي بعلبك لأسباب لها علاقة بضيق الوقت، وليس لأي سبب مادي.
وقال مارسيل رداً على سؤال من «الشرق الأوسط»، إن كان استبداله مقطوعته الموسيقية بالنشيد الوطني هو خيار جمالي، أم موقف احتجاجي على الوضع القائم؟ وهو ما تحدث عنه كثيراً في حفله فأجاب: «كلمتي تختصر كل شيء، لا عنوان لها سوى: كلنا للوطن».
ويقصد بذلك كلمته التي نشرها رداً على منتقديه على حسابه على «فيسبوك»، حيث جاء فيها: «شوارع الوطن تفيض بالزبالة. الكهرباء مقطوعة 24 على 24. البيئة ملوثّة: الأكل والشرب والأمراض. الناس تموت على باب المستشفيات. جبال الوطن تحولت إلى حصى ورمل. نشيدي في افتتاحية بعلبك كان لوطن عاصي ومنصور الرحباني وزكي ناصيف وتوفيق الباشا وصباح ووديع ونصري شمس الدين. وطنهم هو وطني. كيفما التفت خصومك يحاصرونك بثرثراتهم. وأعداؤك يطالبونك بأن تدعهم يحبونك. ماذا تقدر أن تفعل ضد محبتهم؟ أقاوم الإعصار بوتر العود».
وفي كلمته استبدل عبارة «سهلنا والجبل منبت للفتن» بـ«سهلنا والجبل منبت للرجال»، واستطرد قائلاً: «أمكنة دبقة ومهسترة. لم يعد من الممكن العيش فيها مع الحياة. كل شيء موسّخ. ضاق ضاق الوطن!».
ومما كتبه مارسيل: «اتسع الشعور بالفراغ: (الله) واحد. الخراب واحد. الحاكم واحد. الصفر واحد. سنحاول ألا نكون (واحد) لنواجه الواقع، وحتى لا تصرعنا الخيبة. لنا وطن الحب وليس لنا غيره. سنمسك الأمل المطل، كما يمسك الغريق خشبة الخلاص. أكثيرٌ أن نحلم بهذا القليل. فليطلع ذلك الوطن من كل الجراح. فلينبثق من الخوف. بإيمان الصغار الذين ينتظرونه».
ويعود خليفة كثيراً إلى طفولته هذه الأيام ليقول: «أتذكّر عندما كنّا صغاراً، كنّا نلوك النشيد في ملعب المدرسة قبل الصعود إلى الصفوف تحت الشتي والبرد والشمس الحارقة. (ملء عين الزمن). كيف سننهض من قهرنا في زمن القسوة. نبكي أعماراً قتلوها. أسكنوا فيها الخوف. ومتنا من القلق من الحسرة من التهديد، من الذل، من الخوف، من الظلم من القهر ومن الاغتراب. كانت تحتلنا الجيوش صارت تحتلنا الأشباح في وطن الطوائف».
وأكمل كاتباً أمنياته: «نريد وطناً لا يمنعنا ببطشه أن نكون أحراراً، بل بالعكس يساعدنا أن نمارس حرياتنا كاملة دون خوف، ودون تشويه، ودون تهديد... وطن يمهد لقيام مجتمع لا يعود في إمكانه أن يغدر بمواهب موهوبيه وأصالة أصيليه، ولا يعود محتماً عليه كي يحافظ على نفسه أن يفسد البراءة في النفس البريئة، ويخنق الصوت الصافي في حنجرته، ويقضي على كل تطلُع إلى المستقبل ويخمد نار الحماسة بقذارة اليأس. وطن البشر لا نشيد وطن الطوائف».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».