«استراتيجية الاستنزاف»... عمليات شكلية لـ«خلايا داعش»

عبر التخفي وزرع العبوات الناسفة والهجمات الخاطفة

عناصر «داعش» (من أحد المواقع التابعة للتنظيم)
عناصر «داعش» (من أحد المواقع التابعة للتنظيم)
TT

«استراتيجية الاستنزاف»... عمليات شكلية لـ«خلايا داعش»

عناصر «داعش» (من أحد المواقع التابعة للتنظيم)
عناصر «داعش» (من أحد المواقع التابعة للتنظيم)

هزائم «داعش» الإرهابي، هل ستدفعه لـ«استراتيجية الاستنزاف» كرهان على العمليات الخاطفة؟ سؤال ما زال يطرحه المشهد مع ازدياد تهاوي أركان التنظيم. فملامح الإجابة عن هذا التساؤل بدأت تظهر في أعقاب ما أعلنته مؤسسة «البتار» الإعلامية التابعة للتنظيم، عن انطلاق ما يعرف بـ«غزوات الاستنزاف» في الأول من يونيو (حزيران) الجاري، وهو ما يعد ترجمة لحديث أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، الأخير، حينما دعا عناصره عبر شبكة «الفرقان» لمواصلة القتال، وإضعاف الدول، عبر استنزاف قواتها الأمنية.
واعتبر مراقبون أن تحريض البغدادي بداية مرحلة تحول جديدة في التنظيم، ترتكز على منهجية «الخلايا النائمة»، يتصدر مشهدها «الذئاب المنفردة»، بعيداً عن الوجود الميداني على الأرض.
مختصون وباحثون مصريون أكدوا أن «هزائم التنظيم سوف تدفعه إلى (ضربات خاطفة) قد تكون غير مؤثرة؛ لكنها ستؤكد أنه موجود». وقال الباحثون والمختصون لـ«الشرق الأوسط»، إن «(استراتيجية الاستنزاف) تشبه استراتيجية (النكاية والإنهاك) التي نفذها التنظيم من قبل خلال فترات نفوذه، معتمداً على الهجمات الخاطفة»، لافتين إلى أن «التنظيم يُحاول الانتشار في ساحات أخرى جديدة، ليس فقط لتنفيذ عمليات إرهابية؛ بل لتجنيد مُقاتلين جُدد، وهو الأمر الذي دفعه إلى (حرب العصابات) المتعددة الأشكال».
ما قاله المختصون اتسق مع دراسة لـ«مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة»، التابع لدار الإفتاء المصرية، حذرت من أن «(داعش) لجأ في الآونة الأخيرة إلى استراتيجية تسمى (غزوات الاستنزاف)». وقالت إن التنظيم بات عاجزاً، مما أدى إلى دخوله في مرحلة من الارتباك وعدم القدرة على التماسك، وهو الأمر الذي دفعه لتبني «استراتيجية الاستنزاف»؛ خصوصاً في مواجهة القوات الأمنية للدول.

حيل قديمة

وذكرت دراسة «الإفتاء» التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، أن «داعش» نفذ هجومي العريش المصرية ودرنة الليبية بالاعتماد على هذه الاستراتيجية؛ حيث استهدف القوات الأمنية، بالإضافة إلى الهجمات الأخرى التي ضربت مواقع عسكرية في سوريا والعراق.
وتبنى «داعش» مطلع يونيو الجاري، هجوماً استهدف حاجزاً أمنياً تابعاً لقوات الشرطة في مصر، يُعرف باسم حاجز (14 بطل) في العريش بسيناء، ما أسفر عن مقتل 8 أفراد من الشرطة، تبع ذلك مقتل أكثر من 27 من منفذي الهجوم الإرهابي. كما أعلن التنظيم مطلع هذا الشهر أيضاً مسؤوليته عن تفجير سيارتين ملغومتين في وحدة عسكرية تابعة لقوات الجيش الوطني الليبي في درنة، ما أدى إلى إصابة 18 شخصاً.
وأوضحت دراسة «الإفتاء» أن استراتيجية «غزوات الاستنزاف» ليست بجديدة، فقد سبق للتنظيم اتباعها تحت اسم «النكاية والإنهاك» في المناطق التي لا يستطيع التنظيم أن يُسيطر فيها على الأرض بشكل كامل، نظراً لوجود قوات مُسلحة قوية وقادرة على إلحاق الهزيمة بعناصره. فعوضاً عن السيطرة على الأرض، يقوم التنظيم بعمليات متنوعة باستهداف قطاعات مختلفة على مساحات واسعة، معتمداً على أسلوب الهجمات الخاطفة، والاختفاء في الصحراء؛ الأمر الذي يُنهك قوى الجيوش والدول التي تتعرض لتلك الأساليب.
وتعتمد استراتيجية «غزوات الاستنزاف» لدى التنظيم، بحسب الدراسة المصرية، على عدة وسائل، أهمها، تسلل «الانتحاريين» بين صفوف القوات النظامية، وزرع العبوات الناسفة على الطرق وبالقرب من المناطق المستهدفة، فضلاً عن الهجمات الخاطفة على نقاط أمنية محددة، ثم الانسحاب والتخفي بين المدنيين، أو في الظهير الصحراوي والجبلي، لافتة إلى أنه «يقوم بتلك الأعمال (خلايا عنقودية) صغيرة يرأسها أحد عناصر التنظيم، ويكون على اتصال مباشر بقادة التنظيم، لتحديد الأهداف المتوقعة والطرق الملائمة للهجوم عليها».

تجنيد عناصر

وأضافت دراسة مرصد «الإفتاء»، أن «جزءاً من تطبيق استراتيجية (غزوات الاستنزاف) يقوم على أساس التشتيت، من خلال تنفيذ عمليات شكلية على مواقع متعددة، في حين يقوم الفريق الأكبر بالهجوم على الموقع المُستهدف، وهو ما أفصح عنه التنظيم في صحيفته الناطقة باسمه (النبأ)، وهو تكتيك يكشف خطورة (الخلايا النائمة)».
وقال الدكتور إبراهيم نجم، مدير «مرصد دار الإفتاء» في مصر، إن «(داعش) عمل على استراتيجية الانسحاب الممنهج من أماكن مُعينة لصالح مُحاولة التمدد في مناطق أخرى، وتبنى أنماطاً جديدة من الأساليب الإرهابية، ويسعى للانتشار في مساحات أخرى، ليس فقط لتنفيذ عمليات إرهابية؛ بل لتجنيد مُقاتلين جُدد، وهو الأمر الذي دفعه إلى أساليب (حرب العصابات) المتعددة الأشكال، والتي من بينها (استنزاف الجيوش)، ويطلق عليها (غزوات الاستنزاف)».
في حين أكد باحثون في دار الإفتاء، أنه من المعروف أن «داعش» والتنظيمات الأخرى التي على إطاره الفكري نفسه تمتلك أساليب «حرب العصابات»، وهذا النمط يُستخدم كمحاولة للتصدي للعمليات العسكرية والقدرات العالية التي تمتلكها الجيوش، خصوصاً أنه يقوم على أساليب وعمليات خاطفة تعتمد على سرعة الكر والفر.
ويرى المراقبون أن تبني استراتيجية «غزوات الاستنزاف» تقوم على مقولة مفادها أن «الجيوش إذا انتشرت فقدت الفاعلية، وإذا تمركزت فقدت السيطرة»، ولذلك تقوم التنظيمات الموالية لـ«داعش» بإنهاك الجيوش والقوات الأمنية بضربات متلاحقة بغرض التشتيت.
وعن سمات استراتيجية «غزوات الاستنزاف»، قال نجم: «تعتبر هي محور العمل بالنسبة للتنظيم؛ حيث تجمع ذلك عبر استخدام مزيج من العمليات والأساليب الإرهابية، وتقوم على المشاغلة؛ إذ تعتمد على الهجوم على مواقع عسكرية أقل أهمية في وقت واحد، بهدف إشغال القوات الأمنية عن الهدف الأساسي للهجوم، وهو ما أشارت إليه صحيفة (النبأ)، وهو تكتيك يكشف خطورة (الانتحاريين)».

دستور الإنهاك

وجدير بالذكر أن «داعش» روج لتلك الآلية في كتاب «إدارة التوحش» لأبو بكر ناجي، أحد أبرز مرجعيات التنظيم، إذ تناول الكتاب هذا الجزء تحت اسم «النكاية والإرهاب»، والتي تقوم على أساس إدخال الجيوش في معركة استنزاف طويلة المدى، عبر أساليب كالاغتيالات، وزرع المتفجرات، والعميات الانتحارية، وغيرها.
ويوضح كتاب «إدارة التوحش» في فصله السابع، بحسب المؤلف، أنه «في مرحلة شوكة (النكاية والإنهاك) نحتاج لاستقطاب الشباب، وأفضل وسيلة هي العمليات المبررة شرعاً وعقلاً... وأعلى درجات التبرير هو تبرير العملية نفسها بنفسها».
وقال خالد الزعفراني، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية في مصر، إن «(داعش) سوف يُعيد ما أخذه من كتاب (إدارة التوحش)، وهو بث الرعب في الطرف الآخر، وإحياء دستور إنهاك العالم، عبر ضربات خاطفة، قد تكون غير مؤثرة عالمياً؛ لكنها سوف تُعزز لدى عناصره أنه موجود»، مؤكداً أن «(النكاية والإنهاك) تعتمد على توسيع ساحة الصراع وفتح بؤر جديدة، وتحويل أنظار التحالفات الدولية الموجهة ضده إلى أماكن مختلفة من العالم، وسبق أن نفذ التنظيم كثيراً من العمليات في عدد من الدول العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية، وبشكل متزامن».
من جهته، قال نجم: «ازداد في الآونة الأخيرة الحديث عن انتشار (خلايا نائمة) تابعة للتنظيم في سوريا والعراق وليبيا ومناطق أخرى حول العالم، وخصوصاً تلك التي تشهد صراعات. ويرجع السبب في ذلك إلى أن التنظيم يرى في (خلاياه النائمة) أنها ستكون نقطة انطلاق نحو تنفيذ عمليات إرهابية جديدة. فقد عمل التنظيم على تقسيم عناصره إلى مجموعات قتالية تنتشر في القرى والمدن، وفقاً لطريقة قيادة غير مركزية، يكون على كل مجموعة قيادة تتولى التعليمات والتخطيط، وفقاً لقواعد متفق عليها لتنفيذ عمليات إرهابية محددة الأهداف».
وفي مايو (أيار) الماضي، نشرت صحيفة «النبأ» أساليب «الحرب غير النظامية» التي يستهدف التنظيم عبرها توسيع نطاق نشاطه. وقال مراقبون إن الصحيفة شجعت أتباع التنظيم على تبني طرق خاصة بـ«الحروب غير النظامية»، ونشرت تعليمات تفصيلية حول كيفية تنفيذ العمليات.
وأكد أحمد زغلول، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية بمصر، أن «(حرب العصابات) تحقق للتنظيم رصيد أنه موجود على أرض الواقع، فهي تحدث خلال فترة زمنية قصيرة، وتُسهل على التنظيم أن يُنفذ تفجيرات أو خطفاً أو هجمات على الأكمنة الأمنية، وغيرها من العمليات الخاطفة التي تستهدف الدول».
وقال الباحثون في «الإفتاء»: «من المُرجح أن (داعش) سيخوض معارك طويلة الأمد بالاعتماد على هذه الاستراتيجية، وغيرها من الاستراتيجيات، كـ(خلايا التماسيح)، و(حرب إسقاط المدن) التي هي جزء أساسي من استراتيجية (غزوات الاستنزاف)... فالتنظيم عبر هذه الاستراتيجية استغل الأحداث التي تمر بها ليبيا في شن حروب ضد مواقع عسكرية ومدن في الجنوب، يتبع كل هذه العمليات تغطيات إعلامية في مواقعه، لرفع معنويات عناصره و(خلاياه النائمة)».
وحول أساليب مواجهة استراتيجية «داعش»، قال الدكتور إبراهيم نجم، إن التصدي لهذه الاستراتيجية، وما يُمكن أن يفعله التنظيم من تكتيكات جديدة، يكون بدراسة الخطط المستقبلية لـ«داعش» وعلاقاتها بالآيديولوجية الفكرية للتنظيم، فالتنظيم عادة ما ينشر أفكاره أولاً، ثم يجند الأشخاص، ويرشدهم بعد ذلك نحو العمليات الإرهابية، سواء انتحارية أو ضد أهداف بعينها، أو عمليات عشوائية، مضيفاً: «فضلاً عن ضرورة تكثيف العمليات المعلوماتية للتخلص من (الخلايا النائمة) التي تعتبر هي الركيزة الأساسية في استراتيجية (غزوات الاستنزاف) التي يعتمد عليها التنظيم، فلا تزال بعض خلاياه منتشرة في دول عدة كان قد ضربها التنظيم، ومن الواضح أنه سيعتمد عليها في شن عملياته الإرهابية، وهو ما يُمكن قراءته من حديث البغدادي الأخير، الذي ازدادت بعده عمليات استهداف قوات الأمن في الدول. وأيضاً قد ينتقل التنظيم للاعتماد على أساليب تنظيم (القاعدة) الهجومية، خصوصاً أن هناك جزءاً من عناصر التنظيم، كانوا على انتماء فكري لـ(القاعدة)، وعلى دراية بأساليبه الإرهابية».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».