كيانو ريفز لـ«الشرق الأوسط»: لست مديناً لأحد... ولا أحد مدين لي

لا يتذكر بيروت ولم يعتمد إلا على نفسه

يرتدي البذلة في الصحراء
يرتدي البذلة في الصحراء
TT

كيانو ريفز لـ«الشرق الأوسط»: لست مديناً لأحد... ولا أحد مدين لي

يرتدي البذلة في الصحراء
يرتدي البذلة في الصحراء

يشبه الممثل الأميركي كيانو ريفز، شخصية مايكل لاينياررد بطل روايات «الذئب الوحيد»Lone Wolf) )، التي ابتكرها المؤلف لويس جوزف فانس، لأول مرة سنة 1914. لاينياررد بطل يعمل لصالح نفسه، وقد يتحوّل إلى مشاكس للقانون، لكنه يعمل لصالحه في كل مرّة. بطل وحيد لا صديق له ولا صاحب ولا يثق بأحد ولا أحد يثق به.
بقياس تلك الملامح على كيانو ريفز كشخص فعلي، نجده يشبه تلك الشخصية الخيالية. فهو من نجوم السينما الحاليين الذين لا نراهم يعملون مع سواهم من الممثلين المعروفين إلا في مرات قليلة ومتباعدة. لا تدر أفلامه حالياً ما تدره أفلام من بطولة روبرت داوني جونيور أو توم كروز، لكن ذلك لا يؤثر عليه أو يضيره. هو ممثل ناجح في مقام منفصل ووضع مستقل.
على الشاشة يتجسد ذلك أكثر وأكثر. جل أفلامه تصوّره بطلاً وحيداً لا يمكن له أن يعتمد إلا على نفسه، ولا أحد يستطيع الاعتماد عليه. اذكر اسمه تتراءى لك شخصيته في سلسلة أفلام «ذا ماتريكس»، الثلاثية التي لا تزال، منذ أن قدم الفيلم الأول منها سنة 1999، واحدة من أكثر مسلسلات السينما إثارة، لا بحسب المعارك التي تقع فقط، والتي أجاد فيها ريفز القتال ضد عدد لا ينقطع من الرجال كلهم يشبهون بعضهم البعض، بل بحسبان قدراته البدنية التي طوّرها للمناسبة.
البحث عن أسباب دفينة لتميّزه قد يؤدي بنا إلى نبش بعض التاريخ: وُلد ريفز في بيروت، لبنان سنة 1964، والدته بريطانية، ووالده أميركي من هاواي من أصل صيني وجدته صينية بالكامل. كيف لا يمكن إذن أن يشعر الصبي بالاختلاف، خصوصاً إذا ما عرفنا أن حياته قد خلت من رعاية الأب منذ أن كان في الثالثة من العمر؟
لا يفيد بعد ذلك أن والدته تزوّجت مرّة ثانية (من المخرج الكندي بول آرون)، ثم تطلقت منه سنة 1971، بينما كان كيانو ما زال في السابعة من عمره. ولا يفيد أن والدته تزوّجت مرتين بعد ذلك، وأن كيانو وجد نفسه ينتقل للعيش في تورونتو حيناً وهاواي حيناً آخر. هذا كله يشبه الحال الذي نراه عليه في معظم أفلامه، بما فيها فيلمه الجديد «جون وِك - 3»: مستقل، منفرد ولا يستطيع أن يعتمد على أحد. بكلمتين: ذئب منفرد.
-- الشعور بالاستقلال
سلسلة «جون وِك» ذاتها انطلقت أول مرّة في عام 2014، ونجاح الفيلم أدّى إلى جزء ثانٍ سنة 2017، ثم إلى هذا الجزء الجديد الذي نراه فيه يحمل على أعدائه غير المحصورين. هو نفسه، كما يقول في هذا اللقاء، لا يعرف عددهم ولا حتى عدد من قتل منهم.
هو يضرب ليقتل، لكنه ليس «سوبر هيرو»، بحيث إنه لا يُصاب بسوء. ونقرأ معاناته عندما يبذل أقصى جهده للبقاء حياً. في المقابل، ولتوضيح الفكرة، فإن ستيفن سيغال (الذي يكبره باثنتي عشرة سنة) ما زال يقاتل أعداءه كمن يخبز البيتزا، بلا عناء يذكر.
وهذا نص الحوار:
> هل تثير اهتمامك شخصية البطل المنفرد؟ ما الملامح التي تجدها فيها وتثير حبك لها؟
- تثير اهتمامي كثيراً، لكن في الأساس هي هناك لكي تثير الاهتمام، ولا يمكن تمثيلها إلا إذا كانت أثارت اهتمام الممثل بصرف النظر عمن هو. في الحقيقة معظم الأفلام تقدّم أبطالاً من هذا النوع، ولو لم يكن وحيداً بالفعل. أقصد أن ظهور الممثل الذي يقود الفيلم عليه أن يكون مميزاً على نحو أو آخر.
> لكن هل هناك تطابق فعلي بين هذه الشخصية وبين منوال حياتك؟
- لا أستطيع الجواب على ذلك من دون أن أتحدث عن حياتي، وأنا لا أريد ذلك. أعتقد أن هناك ملامح مشتركة، لكني لن أضيع وقتي ووقتك في الحديث عنها.
> هل من بين التميّز عن باقي الممثلين أنك تفضل استخدام الدراجة النارية في تنقلاتك عوض السيارة؟
- (يضحك) ربما.
> ما الذي يمنحه لك ركوب الدراجة؟
- كل شيء. هناك شعائر خاصة. حين تركب السيارة لا تقوم بما تقوم به عندما تستخدم الدراجة النارية. ثيابك تختلف، وأساساً ليس المطلوب منك أن تضع خوذة أمان. لكن هناك ترتيبات أساسية لا بد منها. أحب أن أمشي إلى دراجتي. أحب الاهتزازات التي تقع. الحركة. ثم هناك شعور كبير بالاستقلالية. أحب حقيقة أني أستطيع أن أجوب العالم فوقها. الدراجة تمثل فعلاً مثيراً للغاية. إثارة بدنية ومكان لكي تفكر وتشعر، أو لا تفكر ولا تشعر. هل جربتها؟
> مرّة واحدة في لبنان. هل تذكر الكثير من طفولتك في بيروت؟
- تقريباً لا شيء. تركنا لبنان عندما كنت ما زلت طفلاً.
> هل تعرضت لحادثة خلال قيادتك الدراجة؟
- نعم مرّة واحدة. كان الوقت ليلاً وسقطت نتيجة اصطدام. كانت المرّة الوحيدة التي أصرخ فيها طالباً النجدة.
-- شخصيات يحبها
> هل اعتمدت على أحد خلال مسيرتك كممثل؟ أو في حياتك الشخصية؟
- كل منا لا بد أن يعتمد على جزء ما من المساعدة. لكني لست من النوع الذي يطلب. أعتقد أنني لست مديناً لأحد ولا أحد مدين لي. أعتمد على نفسي في كل شيء ومنذ سنوات بعيدة.
> من دون الدخول في التفاصيل، أعرف أنه كان عليك الاعتماد على نفسك منذ أن كنت فتى صغيراً. هل هناك رابط بين أدوارك الحالية كبطل منفرد وبين ذلك الشعور بالانفراد الناتج عن تلك الفترة؟
- السؤال أعمق مما أود البحث فيه. أعتقد أننا جميعاً نحمل ما نمر به من أحداث ومواقف وأحاسيس طوال حياتنا. نحملها في داخلنا. لكن عندما مثلت أول أدواري البطولية لم أشعر بأنني أبني شخصيتي السينمائية على غرار شخصيتي الحقيقية.
> في عام 1994 توليت بطولة أول فيلم نقلك سريعاً إلى الشهرة وهو «سرعة». لكن هذا جاء في أعقاب أدوار بارزة في أفلام درامية أخرى مثل «دراكولا» لفرنسيس فورد كوبولا و«لغط كبير حول لا شيء» لكينيث براناه. هل كنت تبحث عن دور مختلف آنذاك؟
- لا أعتقد أنني كنت أبحث عن شيء محدد. دوري في «سرعة» كان مهمّاً لدي لكني لم أكن المرشح الأول له. السيناريو دار على عدد كبير من الممثلين قبلي، ميكي رورك وتوم هانكس وجوني دب وسيلفستر ستالون وبروس ويليس وعدد كبير آخر. لكن المخرج (جون دي بونت) رشحني للدور في مواجهة شركة «فوكس» التي أرادت نجماً أكبر.
> في حديث سابق بيننا قبل عدة سنوات، ذكرت لي أنك بدورك رفضت الدور بادئ الأمر؟
- لم أرفض الدور مطلقاً. عملياً كانت عندي ملاحظات أساسية على السيناريو. بدا لي شبيهاً بسيناريو فيلم «داي هارد». دي بونت جلب كاتباً آخر أعاد الكتابة، وهي التي شكلت الفيلم الفعلي.
> ما هي الشخصية التي تحبها أكثر من سواها من بين الشخصيات العديدة التي مثلتها؟
- ألتقي مع شخصيات عديدة في مراحل مختلفة. لو سألتني هذا السؤال قبل عشرين سنة كنت سأجيب بشكل مختلف. اليوم هو مختلف وغداً قد يختلف. هذا لأنني أضع في الشخصية جهداً كبيراً ثم أنتظر النتيجة حين أشاهد نفسي على الشاشة. حتى عندما تعجبني أريد لشخصيتي التالية أن تضاهيها.
> في فيلم «جون وِك - 3» تجد نفسك مطارداً من قبل جيش من الذين يريدون قتلك للفوز بالجائزة المالية الكبيرة. والمعارك تدور والقتلى يتزايدون… هل أحصيت كم شخصاً قتلت؟
- (يضحك)، لا لكني أستطيع أن أحصي كم شخصاً بقي على قيد الحياة.
> جزء من الفيلم تم تصويره في المغرب. لماذا؟
- عندما بدأنا البحث عن قصة للجزء الثالث تداولنا الكثير من الأفكار، قبل أن نختار هذه الفكرة التي تشاهدها اليوم. أحداث هذا المسلسل قد تأخذك في أي اتجاه، وكانت عندي دائماً صورة خيالية لي، وأنا أمشي في الصحراء ببدلة كاملة. اقترحتها وتم ضمها للفيلم، خصوصاً أننا كنا نبحث عن تدويل مناسب للحبكة.
> أعتقد أنها كانت المرّة الأولى التي نشاهدك فيها في الصحراء.
- فعلاً. لم أزر الصحراء في حياتي.
-- خلطة فنون
> أي نوع من فنون القتال النوع الذي نراك تمارسه في هذا الفيلم؟
- لا أمارس نوعاً محدداً. ليست لدي خلفية في هذا النوع من الفنون. ما أقوم به هو ما يسمى بـ«قتال أفلام» وهو مزيج من القتال اليدوي الذي لا ينتمي لمدرسة واحدة، بل تحتمه تصاميم المشاهد. المدربون جعلوا جون وِك يمارس أنواعاً مختلفة بسبب تمارينه مع المدربين، وليس بسبب دراسته لنوع محدد.
> في «سرعة» قمت بنحو 90 في المائة من مشاهد الخطر. هل ما زلت تقوم بذلك؟
- نعم. ليس بالنسبة ذاتها لكن بنسبة كبيرة.
> بعض المشاهد، خصوصاً تلك التي مثلتها أمام مارك دكاسكوس، المجرم الرئيسي في الفيلم، كانت رائعة التنفيذ. وهذه أول مرّة أشاهد فيها هذا الممثل في دور رئيسي من هذا النوع. كيف تم تصميم المعركة بينكما؟
- أي تصميم أو خطة لتصوير مشهد من هذا النوع لا ينجح إلا إذا كان الممثل يتمتع باللياقة البدنية وبالتوقيت الصحيح والاستعداد النفسي. حتى ينجح المشهد لا يجب أن يكون الممثل الرئيسي هو الذي يتمتع فقط بهذه المزايا، بل كذلك الممثل المناوئ. مارك رائع كفنان وأعجبني حماسه إذ تقدم وطرح الكثير من الأفكار حول شخصيته. كان ممثلاً رائعاً. يد يمنى رائعة. ودائماً ما هو رائع من يساعدك على الظهور جيداً.
> تقصد بقدر ما عدوّك ماهر بقدر ما تبدو أنت قوياً ومتمكناً؟
- بالطبع.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».