قرار منع النقاب في المؤسسات العمومية يثير جدلاً سياسياً في تونس

TT

قرار منع النقاب في المؤسسات العمومية يثير جدلاً سياسياً في تونس

لم تمض سوى ساعات قليلة على إعلان منشور الحكومة التونسية بمنع ارتداء النقاب في المؤسسات العمومية، حتى توالت ردود الفعل المتباينة، بين مؤيد بقوة ومعارض بشدة، وعاد الجدل على أشده ليشتعل مجددا بين القيادات السياسية. وبينما لقيت هذه المبادرة دعما قويا من قبل التيارات السياسية اليسارية والليبرالية، التي أكدت اعتماد العناصر الإرهابية على استخدام النقاب وسيلة للتخفي للنقاب في تنقلاتها وتنفيذ أعمال إرهابية، فإن أطرافا حقوقية وإسلامية لفتت الانتباه إلى «إمكانية تأثير هذا القرار على الحريات الفردية، ومن بينها حرية التنقل وحرية اللباس».
وكانت الحكومة التونسية قد قررت بداية من أول من أمس منع دخول كل شخص منتقب غير مكشوف الوجه إلى الإدارات والمؤسسات العمومية، ويشمل قرار المنع الموظفين والزائرين على حد سواء. غير أن أطرافا إسلامية عدة عبرت أمس عن خشيتها من انتقال هذا القرار من مرحلة منع النقاب إلى مرحلة منع الحجاب أيضا.
وفي هذا الإطار، قالت صبرين القوبنطيني، القيادية في حركة «تحيا تونس» التي يرأسها رئيس الحكومة يوسف الشاهد، إن القرار جاء في وقته اعتبارا للمخاطر الإرهابية التي تهدد البلاد. ونفت أن يمس بالحريات الفردية، مؤكدة أن هذه المسألة «مجرد مغالطات لنشر الخوف من هذا القرار الحكومي... وهذه الحريات قد يمكن الحد منها إذا تعلق الأمر بالأمن العام للبلاد»، على حد تعبيرها.
وخلافا لمواقف الأحزاب اليسارية والليبرالية، فإن حركة النهضة أبدت موقفا متفهما تجاه هذا الإجراء في ظل تنامي المخاطر الإرهابية. وفي هذا السياق، أكدت لطيفة الحباشي، النائبة الممثلة لحركة النهضة في البرلمان، أن المنشور الحكومي: «وخلافا لما تناقلته بقية القيادات السياسية، لا يشمل النقاب ولم يذكره البتة، بل أشار فقط إلى منع دخول كل شخص لا يكشف عن وجهه، أو يمتنع عن تقديم هويته الشخصية، وهذه مسائل جوهرية في حرب تونس على الإرهاب، وحزب النهضة يدعمها دون تحفظ».
مبرزة أن رئيس الحكومة «اتخذ هذا القرار إثر تشاور مع القيادات الأمنية والاستخباراتية حتى لا يقع استعمال النقاب في عمليات إرهابية، ومن الضروري الحفاظ على الحريات. لكن مراعاة الحق في الأمن وعدم المس باستقرار البلاد قضية حيوية كذلك».
من ناحيته، دعم حسونة الناصفي، القيادي في حركة مشروع تونس، قرار الحكومة بمنع النقاب داخل المؤسسات العمومية، وقال إن حزبه قدم مبادرة تشريعية إلى البرلمان حول الموضوع ذاته منذ سنة 2015، لكن المبادرة لم يقع تفعيلها، على حد تعبيره. داعيا في هذا الصدد إلى ضرورة عرض هذا المنشور الحكومي على البرلمان ليمر من مرحلة المنشور، إلى مرحلة القانون الملزم للجميع.
في السياق ذاته، عبر غازي الشواشي، قيادي حزب التيار الديمقراطي، عن «دعم مشروط» لقانون منع النقاب في المؤسسات العمومية، وأكد أن هذا القرار الحكومي «اتخذ لغايات أمنية في المقام الأول، لكن الثابت هو أنه ليس كل منتقبة تحمل فكرا متطرفا»، واقترح في المقابل توظيف نساء في مداخل المؤسسات العمومية للتعرف على النساء غير المكشوفات الوجه، والتأكد بالتالي من هويتهن بدل المنع المطلق.
وكشف الشواشي عن إمكانية تعرض هذا المنشور الحكومي للطعن والرفض من قبل المحكمة الإدارية (محكمة تنظر في قضايا تجاوز وخرق القانون)، مبرزا أنه كان يفضل إصدار منشور حكومي «ينظم عمليات الدخول للمنشآت العمومية، ويمنع الدخول بلباس غير لائق، بما فيه النقاب، وكل من يرفض الكشف عن وجهه وهويته، سواء من النساء أو الرجال»، على حد قوله.
وكانت مصادر أمنية قد أكدت أن نحو ثلاثة أرباع العمليات الإرهابية التي عرفتها تونس إثر ثورة 2011، كان النقاب حاضرا فيها كوسيلة للتمويه، وهو ما حدث في عملية هروب الإرهابي سيف الله بن حسين، المعروف باسم أبو عياض، مؤسس تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي المحظور، والذي تمكن من الفرار باستعمال النقاب. كما أكدت فرار الإرهابي التونسي كمال زروق سنة 2014 مرتديا النقاب أيضا. والشيء نفسه حدث مع الإرهابي خالد الشايب، المعروف بلقمان أبو صخر، والذي ظل يتنقل بين منطقتي القصرين وقفصة (غرب تونس) باستعمال النقاب حتى لا يتم كشف أمره أمام فرق مكافحة الإرهاب، ولذلك ترى كثير من القيادات السياسية أن هذا الإجراء سيمكن من تضييق الخناق أكثر على التنظيمات الإرهابية؛ إلى حد ما.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».