رئيس البرلمان الأوروبي الجديد يؤكد التصميم على مكافحة العنف والإرهاب

رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي
رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي
TT

رئيس البرلمان الأوروبي الجديد يؤكد التصميم على مكافحة العنف والإرهاب

رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي
رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي

أكد رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي، ضرورة الإبقاء على الحذر، وفي الوقت نفسه استمرار التصميم من أجل محاربة العنف والإرهاب. تلك كانت أول رسالة، تصدر عن الرئيس الجديد، للمؤسسة التشريعية الأعلى في الاتحاد الأوروبي، في أول ظهور علني له، عندما قام ساسولي، بتكريم ضحايا هجوم مدينة بروكسل الإرهابي في 22 مارس (آذار) 2016، واستهدف المطار الدولي وإحدى محطات مترو الأنفاق الرئيسية في المدينة. وقد تم انتخاب ساسولي (ينتمي إلى المجموعة الاشتراكية - الديمقراطية إيطاليا)، الخميس الماضي خلال أول جلسة عامة للبرلمان الجديد الناتج عن انتخابات 26 مايو (أيار) الماضي. وقد وضع الرئيس الجديد للجهاز التشريعي الأوروبي أول من أمس باقة من الزهور البيضاء أمام (حائط الذكرى، المُقام في محطة مالبيك في بروكسل التي شهدت أحد فصول الهجوم.
وقال ساسولي إن «زيارتي إشارة رمزية أولى من أجل جميع الشهداء وكل ضحايا الإرهاب، يجب ألا ننسى». وشدد ساسولي على ضرورة الإبقاء على الحذر والتصميم من أجل محاربة العنف والإرهاب.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي قال البرلمان الأوروبي في بروكسل، إنه استنادا إلى تقييم شامل، جرى وضع توصيات لمعالجة التطرف وتحسين القدرة على تبادل البيانات ودعم ضحايا الإرهاب» وجاء ذلك من خلال بيان، للتعليق على قرار غير تشريعي، جرى مناقشته والتصويت عليه، وتضمن توصيات منها، تعزيز دور وكالات الاتحاد مثل وكالة الشرطة الأوروبية يوروبول والوكالة الأوروبية للإدارة التشغيلية لأنظمة تكنولوجيا المعلومات على نطاق واسع والمعروفة باسم «ليسا».
كما عبر أعضاء البرلمان الأوروبي عن مخاوفهم، بشأن عدم كفاية تبادل البيانات بين الوكالات من جهة والدول الأعضاء وسلطات الاتحاد من جهة أخرى، وأكد الأعضاء ضرورة احترام الكامل للحقوق الأساسية بما في ذلك حماية البيانات وحرية التعبير، عند اتخاذ تدابير مكافحة الإرهاب.
ومن بين التوصيات التي تضمنها البيان الأوروبي، إنشاء قائمة أوروبية لمراقبة الخطباء المتطرفين، وإجراء مراقبة أقوى لضمان مواءمة الأمن والإجراءات القضائية للمقاتلين العائدين إلى أوروبا، ومنع مرتكبي الإرهاب المدانين من الحصول على اللجوء.
هذا، إلى جانب تدابير لمكافحة التطرف من خلال برامج تخصص للسجون، وفي التعليم، وتعزيز الحدود الخارجية للاتحاد، والفحوصات الملائمة في جميع المعابر الحدودية باستخدام جميع قواعد البيانات ذات الصلة، وأيضا ضمان الإجراءات القانونية للتحقيق في الأعمال الإرهابية وإزالة الدعاية المطبوعة أو عبر الإنترنت التي تتضمن تحريضا صريحا على العنف، وكذلك ضمان استمرار التعاون وتبادل المعلومات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. هذا إلى جانب تقييد حيازة السكاكين، وأيضا التعامل مع ملف الطائرات من دون طيار، وتشديد النظام الأوروبي لشراء المواد الأولية اللازمة لتصنيع المتفجرات، بالإضافة إلى الحاجة إلى تحديد تعريف مشترك لضحية الإرهاب على مستوى الاتحاد الأوروبي، وإنشاء مركز تنسيق أوروبي لضحايا الإرهاب، لتقديم الدعم والمساعدة في حالات الأزمات ووقوع الهجمات.
وقالت البرلمانية مونيكا هولماير، من خلال البيان إن الهجوم على سوق أعياد الميلاد في ستراسبورغ أواخر 2018 كان هجوما على المواطنين الأوروبيين وعلى القيم والمبادئ الأوروبية المشتركة، وقد أظهر الحادث مجددا أننا يجب أن نترك الشعارات الفارغة والإجراءات غير الواقعية، وأن نركز أنشطتنا على كل ما من شأنه أن يؤدي إلى أوروبا أمنه حقا. وأضافت أنه رغم كل الجهود المبذولة طوال السنوات الماضية، فلا تزال هناك فجوات وأيضا هناك طرق لجعل مكافحة الإرهاب أكثر كفاءة، وهذا يعني توسيع نطاق التعاون وتبادل المعلومات بين الدوائر الأمنية والاستخباراتية والسلطات، واتخاذ المزيد من التدابير لمنع التطرف، والصكوك القانونية الأكثر صرامة والحماية الأفضل لحقوق الضحايا.
وجاءت النقاشات والتصويت، عقب طرح التقرير النهائي لعمل أول لجنة معنية بملف مكافحة الإرهاب، وتضم 30 عضوا. وكان البرلمان الأوروبي قد أقر إنشاء هذه اللجنة في 6 يوليو (تموز) 2017 وحدد لها مدة عمل لعام واحد قابل للتجديد، وذلك رغبة من البرلمانيين الأوروبيين بالاضطلاع بدور أكبر في العمل المؤسساتي الأوروبي الرامي لمحاربة الإرهاب.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟