«المهرجان الوطني للفنون الشعبية» في مراكش... الثروة والتنوع

من العروض السابقة للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب
من العروض السابقة للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب
TT

«المهرجان الوطني للفنون الشعبية» في مراكش... الثروة والتنوع

من العروض السابقة للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب
من العروض السابقة للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب

انطلقت أمس (الثلاثاء)، فعاليات الدورة الـ50 من المهرجان الوطني للفنون الشعبية، التي تنظمها وزارة الثقافة والاتصال وجمعية الأطلس الكبير، وهي تظاهرة تُعنى بالتراث الفني غير المادي في المغرب.
وتشهد دورة هذه السنة من المهرجان، التي تنظم تحت شعار «الثروة والتنوع في التراث الثقافي الوطني»، مشاركة أجود الفرق الفنية التراثية المغربية، علاوة على فرق أجنبية من 5 دول.
وينظَّم أغلب فعاليات الدورة التي تتواصل على مدى خمسة أيام، في فضاء قصر البديع الذي يعد من أهم المعالم التاريخية بمدينة مراكش، ويعود تاريخ تأسيسه إلى القرن السادس عشر، على عهد الملك السعدي أحمد المنصور الذهبي. فيما تحتضن مواقع أخرى بالمدينة فقرات من برنامج التظاهرة، وذلك على غرار ساحة الحارثي وساحة «جامع الفنا» وواحة سيدي يوسف بن علي والمسرح الملكي.
وفضلاً عن الفرق المغربية التي تقترح فنوناً تمثل لمختلف جهات المملكة، من قبيل «أحواش» و«كناوة» و«عبيدات الرمى» و«الهواريات» و«الركادة» و«الدقة المراكشية»، تشارك في التظاهرة فرق من السنغال والجزائر وأوكرانيا والصين والولايات المتحدة.
وعلاوة على العروض الموسيقية، يقترح برنامج الدورة ندوة فكرية بمشاركة جامعيين ومتخصصين في مجال الفنون الشعبية حول موضوع «الإيماءات والنصوص والموسيقى الأفريقية المغربية: التأثيرات والالتقاءات».
ويعمل «المهرجان الوطني للفنون الشعبية»، حسب منظميه، على «توفير تظاهرة ثقافية واسعة النطاق للجمهور المراكشي وجميع المغاربة وكذلك جميع الزوار الأجانب للمدينة الحمراء، مما يضمن جاذبية للمدينة كوجهة سياحية وعاصمة للفنون والثقافات».
ويرى محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال، أن دورة هذه السنة تخلّد لخمسين سنة من الاحتفاء بالفنون الشعبية المغربية، ويأتي تنظيمها تماشياً مع التعليمات الملكية التي تؤكد ضرورة تثمين التراث الثقافي والفني للمغرب باعتباره رافداً مهماً من روافد الهوية الوطنية، وكذا تنفيذاً لاستراتيجية الوزارة الرامية إلى دعم الإبداع الفني وتثمين المبادرات التي تُعنى بالتراث، وتعد دورة استثنائية يجب أن تحظى بتنظيم محكم يلائم التجربة التي راكمها المنظمون خلال العقود السابقة، ويتماشى والجهود التي تبذلها الوزارة للرقيّ بهذا المهرجان عبر العمل على ترتيبه تراثاً وطنياً في أفق إعداد ملف شامل قصد تسجيله تراثاً عالمياً.
ويعد «المهرجان الوطني للفنون الشعبية» أقدم مهرجان فني في المغرب، والتظاهرة الفنية الوحيدة تقريباً التي تسلط الضوء على التراث الشعبي النابع من مختلف مناطق المملكة، فضلاً عن أنه يشكّل مناسبة لتثمين الموروث الثقافي المغربي، وفرصة لإنعاش القطاع السياحي بالمدينة الحمراء، إذ إنه لم يستطع، حسب عدد من الملاحظين، أن يحافظ على الإشعاع المرجوّ منه، في الوقت الذي استطاعت فيه مهرجانات أخرى أكثر جدة، على المستوى الزمني، أن تضمن لنفسها صيتاً ومكاناً على مستوى المتابعة والحضور الجماهيري والترويج الإعلامي.
وإذا كانت الفنون الشعبية، في المغرب، تشكل جزءاً من الحياة اليومية للمغاربة ومرجعية للهوية الوطنية، فإن «المهرجان الوطني للفنون الشعبية»، الذي انطلق، في دورته الأولى، سنة 1960 تحت مسمى «مهرجان فولكلور مراكش»، ظل يشكل، حسب عدد المتتبعين، شهادة للوحدة في التنوع، من خلال تقديم ثقافة تتشكل من ثلاثة مكونات أساسية، عربية وأمازيغية وأفريقية، تعتني بالموروث المتوسطي والآثار الأندلسية، فيما تنفتح باستمرار على الثقافات الأخرى، من دون أن تفقد أصالتها.
ومن المعروف أن الفنون الشعبية المغربية تتميز بالتعددية التي تتجلى في اللهجات المختلفة والإيقاعات والتعابير الجسدية والموسيقية المتنوعة، والتي لها بعدها الثقافي والميثولوجي العميق.
ويرى عدد من المتتبعين أن «المهرجان الوطني للفنون الشعبية» تعرض للتهميش لصالح الاتجاهات الفنية الجديدة، مع أنه يبقى واجهة لاستعادة الموروث اللامادي للبلد، وتقديم العروض الفنية الوطنية، الهادفة إلى توفير مساحة للتعبير عن جميع الفرق التي تعمل في حقل الفنون الشعبية، وأيضاً من أجل الحفاظ على هذه الكنوز الفنية الثمينة. غير أن الفنون الشعبية، بقدر ما هي تراث لا يقدَّر بثمن، توجد، اليوم، في وضعية تهميش. في الوقت الذي يحذر فيه المهتمون من أن هذه الفنون الشعبية تواجه، اليوم، خطر الاندثار، خصوصاً أن الخلف لم يعد مضموناً، فيما يسير المخزون الفني نحو الاندثار، كما أن غياب النساء أصبح واضحاً داخل هذه المجموعات الفنية، وصناع الآلات الموسيقية في انقراض متواصل، مع إشارتهم إلى مظاهر وتأثيرات العولمة والتمدن التي أحدثت تغييراً كبيراً على المجتمع المغربي، وأضعفت الفنون الشعبية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».