مبادرة مصرية لنقل أسرار الحرف التراثية للأجيال الجديدة

برعاية حكومية وإشراف أكاديمي

وزارة الثقافة المصرية تسعى للحفاظ على المهن التراثية من الانقراض (الشرق الأوسط)
وزارة الثقافة المصرية تسعى للحفاظ على المهن التراثية من الانقراض (الشرق الأوسط)
TT

مبادرة مصرية لنقل أسرار الحرف التراثية للأجيال الجديدة

وزارة الثقافة المصرية تسعى للحفاظ على المهن التراثية من الانقراض (الشرق الأوسط)
وزارة الثقافة المصرية تسعى للحفاظ على المهن التراثية من الانقراض (الشرق الأوسط)

مراحل التطور التي مرت بها الحرف اليدوية التراثية خلال مئات السنين حوّلتها من مهن ذات طابع خاص، إلى فنون متنوعة تُمثل أحد المكونات الرئيسية للثقافة المصرية، وساهمت طوال تاريخها في صياغة الهوية الوطنية، ومع رحيل رواد هذه الفنون في مصر، تصاعدت حدّة المخاوف من انقراضها، وهو ما دفع وزارة الثقافة إلى إطلاق مبادرة «صنايعية مصر» التي تهدف إلى نقل أسرارها إلى الأجيال الجديدة من الشباب، من خلال دورات تدريبية تختلف عن جهود سابقة اقتصرت على ورش تدريب تستضيفها مراكز الإبداع الفني المنتشرة في مصر، فالدورات التدريبية الجديدة أشبه بمدرسة فنية تستمر الدراسة فيها لنحو ثمانية أشهر، كي يتمكن الدارسون من التأهل لتسلم الراية التي حملها أجدادهم مئات السنين.
المبادرة التي أطلقها صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة المصرية، تستهدف الشباب من عمر 18 إلى 40 عاماً، لدراسة عدد من الحرف اليدوية التراثية خلال دورة دراسية كاملة تصل مدتها إلى نحو ثمانية أشهر، وحدد الصندوق عدداً من الحرف التي تتضمنها المرحلة الأولى، وهي (الخيامية والخزف، وأعمال النحاس، والحلي التراثية، والقشرة وأشغال الصدف).
وقالت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة في بيان صحافي أول من أمس: «إن الحرف التقليدية والتراثية أحد مُفْردات الإرث الثقافي، ومن الثوابت الراسخة في الذاكرة، حيث تَميز المجتمع المصري على مر العصور بعشرات الأنواع من الحرف اليدوية التي توارثتها الأجيال، وأمست مدلولاً للجمال والدقة والإتقان وعلامة للإبداع المحلي».
وقامت لجنة جمعت بين أكاديميين من أساتذة الجامعات في الكليات الفنية وحرفيين ممن لديهم تجارب عديدة في التدريب على الحرف التراثية في ورش سابقة بوضع منهاج دراسي متكامل يتضمن دراسات نظرية وتدريباً عملياً، وقامت اللجنة بوضع منهجين مُنفصلين أحدهما لدورات المبتدئين الذين ليست لديهم خبرة سابقة بالحرفة التي يتقدمون لتعلمها، والثاني للمحترفين الذي يمارسون المهنة فعلياً ويسعون إلى تطوير مهاراتهم.
إيمان عبد المحسن، مديرة المكتب الفني بصندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن المبادرة ستكون مستمرة، بمعنى أنها ليست لمرّة واحدة، بل أشبه بمدرسة تدريب فني سوف تُواصل تنظيم فصولها الدراسية تباعاً في المستقبل، وقد بدأنا فتح باب التقدم للراغبين في المشاركة، وكل الحرف مفتوحة للجنسين، فلا يوجد ربط حرفة ما بجنس واحد، فالكثير من النساء والفتيات يقبلن على تعلم حرف يَعتقد البعض أنها تقتصر على الرجال، ويُتوقع أن يبدأ الفصل الدراسي الأول في سبتمبر (أيلول) المقبل».
وتقام الدورات التدريبية في «مركز الفسطاط للحرف التقليدية»، التابع لصندوق التنمية الثقافية (جنوبي القاهرة)، ويتولى الأكاديميون من أساتذة الجامعات تدريس المنهج النظري، الذي يتضمن تاريخ الحرف التراثية ومعلومات فنية حول الحرفة والمفاهيم الفنية والجمالية المُرتبطة بها، فيما يتولى الحرفيون التدريب العملي الذي يُختتم في نهاية الفصل الدراسي بمشروع تخرج بنفس معايير مشروعات التخرج في الكليات الفنية.
ويضم الفصل الدراسي ما بين 10 إلى 15 متدرباً، وتستمر الدورة الدراسية لنحو 8 أشهر، يُشارك خلالها الدارسون لمدة 52 ساعة دراسية شهرياً، منها 16 ساعة للدراسة النظرية، و36 ساعة للدراسة العملية والتطبيقات، ويحصل المتدربون في نهاية الدورة على شهادة تخرج مُعتمدة من وزارة الثقافة.
وتشير إيمان عبد المحسن إلى أنه «تم تشكيل لجنة تضم أساتذة جامعات ومدربين حرفيين لإجراء مقابلات شخصية مع المتقدمين للدورات، حيث تم وضع معايير للقبول تتعلق بالجدية، والتأكد من استعداد المتقدم للانتظام فيما يتعلق بمدى توفر الوقت لديه لحضور المحاضرات، خاصة أن الدورات مجانية وهو ما يُغري بعض الشباب للمشاركة دون أن يكون لديهم الوقت للالتزام الدراسي، ويمكن للشباب الذين سيشاركون في الدورة المُخصصة للمبتدئين الانتقال عقب انتهاء دراستهم إلى المشاركة تلقائياً في صفوف المحترفين».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».