«كتابك لحد بابك» أسلوب تسويقي يرفع نسبة القراء

مشروع صغير ينجح في سد ثغرات التوزيع بلبنان

«كتابك لحد بابك» أسلوب تسويقي يرفع نسبة القراء
TT

«كتابك لحد بابك» أسلوب تسويقي يرفع نسبة القراء

«كتابك لحد بابك» أسلوب تسويقي يرفع نسبة القراء

من صفحة بسيطة على موقع «فيسبوك» لتسويق الكتب وتوصيلها إلى المنازل، فتحت قبل 3 سنوات فقط، تمكن الشاب اللبناني حسن باجوق (29 سنة) من الوصول إلى تلبية 50 طلب شراء في اليوم الواحد. وهو رقم لا يحلم به كثير من المكتبات التي تغلق أبوابها ويتقلص عددها. وحسن نفسه عندما وجد أن العمل يتطور من خلال العالم الافتراضي، ارتأى فتح مكتبة له بمنطقة الحمراء في بيروت لمواكبة نجاحه الافتراضي، لكنه أغلقها بعد 8 أشهر حين وجد أن الأمر غير مربح، وأن القراء يفضلون طلب كتبهم وتسلمها في منازلهم.
المشروع الذي يحمل اسم «بوك أوتليت» وانطلق في البدء عبر صفحة على «فيسبوك» وأخرى على «إنستغرام»، سيصبح له موقع إلكتروني في الأيام القليلة المقبلة، لتوسيع أعماله عربياً. لكن الشاب المؤسس يعتقد جازماً أن «الشراة سيأتوننا غالباً عبر وسائل التواصل التي باتت المكان الذي يلتقي من خلاله الناس ويكتشفون ما يحدث حولهم».
«بوك أوتليت» مشروع لا يستطيع أن ينافس «أمازون» من حيث الحجم والضخامة ولا من حيث الإمكانات، ولا أياً من المواقع العربية التي تبيع «أونلاين» وباتت معروفة للجميع، فعلى ماذا كان الرهان؟ بالنسبة لحسن باجوق التمايز جاء من أمور بسيطة لكنها كانت فعّالة؛ «حاولنا أن نقدم الكتب للقارئ بطريقة مختلفة. أولينا الصور أهمية فائقة، ونفذناها بحرفية عالية. زودنا الصفحة بإعلانات عن الكتاب الذي نريد تسويقه من خلال نشر عبارة جذابة مستلة منه، نعرف أنها تلهم القارئ. هذا مهم جداً لرواد وسائل التواصل الذين يتداولون عبارات مشاهير الكتّاب، وينشرونها على صفحاتهم، ثم يتحرك فيهم فضول لمعرفة أكبر بالكاتب وكتبه». ويستطرد باجوق: «المشكلة الكبرى بالنسبة للكتاب العربي هي سوء التوزيع، لكن حين نتمكن من توصيل الكتاب للقارئ في لبنان خلال 48 ساعة، إلى أي منطقة أو عنوان يريده، فهذا يحل مشكلة كبرى ويوفر على الشراة البحث ومشقة الانتقال، ثم إن الدفع المسبق بالبطاقة لا يزال غير مستساغ عند كثير من الناس، لهذا هم يحبون أن يدفعوا ثمن الكتاب عند وصوله إليهم، وهذا ما وفرناه لهم أيضاً. الأهم، أننا تمكنا من عقد صلات وثيقة مع دور النشر التي تتيح لنا بيع الكتاب في غالبية الأحيان بأسعار مخفضة ومغرية، هذه كلها عوامل كانت في صالحنا».
يؤكد صاحب المشروع أن عدد القراء الذين يشترون من «بوك أوتليت» أصبحوا في حدود 20 ألف قارئ، «منهم دائمون، وبينهم عابرون، والإحصاءات التي أجريت بينت أن 75 في المائة من هؤلاء هم من النساء، وعلى عكس ما يمكن أن يظن البعض، فإن الفئة العمرية الطاغية ليست مطلقاً الشبان الصغار، بل من يعملون، ويملكون قدرة شرائية، كأساتذة الجامعات ومن لهم إمكاناتهم. أما ما يتعلق بالمناطق اللبنانية؛ فإن الشمال، وتحديداً مدينة طرابلس، هي الأكثر إقبالاً على الإطلاق، يليها الجنوب، وتأتي بيروت في آخر اللائحة، ولعل ذلك بسبب قرب أبناء العاصمة من مركز التوزيع الرئيسي وعدم حاجتهم إلى وسيط للحصول على الكتاب الذي يريدونه».
دور النشر تبدي مرونة كبيرة، وتقبل غالبيتها بتخفيضات تتيح للوسيط هامشاً مقبولاً من الربح. هذا التعاون من الدور والتسهيلات التي تقدمها، مشجع جداً، لكنه يحتاج إلى تواصل مستمر معهم.
المشاريع الشبابية الصغيرة، والمبادرات التي يبدأ بها عدد صغير من الأشخاص، مثل «بوك أوتليت» حيث انطلق به 3 أصدقاء، ثم تركه اثنان ليبقى به باجوق وحده، ويشكل فريق عمل من سائق يوصل الكتب، إلى من يجيب على الهاتف، ومن يوضّب الطلبيات، لم تعد بالقليلة، لكن نجاحها يتوقف على التنظيم والدقة في العمل والمتابعة الحثيثة، لجعل القارئ يطمئن إلى أنه سينال طلبه في الوقت المناسب. وبالنتيجة؛ فإن مشروعاً مثل «بوك أوتليت» تمكن من الحصول على 7 توكيلات من خارج لبنان لتوريد الكتب إلى تلك الجهات، كما تعتمد عليه مكتبات لبنانية داخلية لتأمين حاجتها عند الضرورة.
ويبقى أن المشكلة الرئيسية التي تحاول مشاريع افتراضية صغيرة أن تحلها في لبنان، هي صعوبة الحصول على الكتاب، ورداءة التوزيع في المناطق، بحيث يتأخر وصول الكتاب الجديد الذي قد لا يصل أصلاً، مع موت دور الكتب، وضعف القدرة الشرائية. لكن التجربة تثبت تكراراً أن توفير الكتب وعرضها ولو إنترنتيّاً بطريقة جاذبة يلفت النظر إلى أهميتها وقيمة مضمونها، ووضع صور نقية وفاتحة للشهية، قد يكون سبباً في التحريض على القراءة حتى لمن لم يعتادوا التعامل مع الكتب من قبل.
صفحة «بوك أوتليت» الإنترنتية تحمل شعار «كتابك لحد بابك» وصار لها مائة ألف متابع، ولبنان في الوقت الحالي هو ساحتها الأساسية، وإن كان لها امتداد عربي، إلا إن الكلام على صغر السوق اللبنانية لا يعني أن القارئ غير موجود؛ غير أنك يجب أن تقنعه بجدوى اقتناء الكتاب، والشراء مرة أخرى، وهذه وظيفة التسويق الجيد الذي طال كل سلعة إلا الكتاب لما يعتقده البعض من أن مقامه يجب أن يكون معروفاً ومحفوظاً دون حاجة لفنون الترويج الحديثة وحبائلها. بهذا المعنى؛ فإن التسويق «أونلاين» مع مراعاة الخصوصيات المحلية في التسويق والتسليم والحاجات، يجعل من مشاريع صغيرة أكثر فاعلية من «أمازون»، في نظر المستهلكين، في بعض الحالات.


مقالات ذات صلة

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف
TT

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف

كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.

عبده خال

ثنائية الركض والزحف

ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.

يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.

البداية المُزاحة بالاستطراد

هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.

وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية

بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.

الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز

لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».

في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.

وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.

غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»

لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «النكروفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».

لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.

* ناقد وكاتب سعودي