«قمة العشرين» تختتم على وقع «تهدئة» أميركية ـ صينية

ترمب يرى «مشكلة» في شراء تركيا منظومة «إس 400» الروسية... وقمة بين بوتين وآبي تبحث «التطبيع» الروسي ـ الياباني

TT

«قمة العشرين» تختتم على وقع «تهدئة» أميركية ـ صينية

إذا كان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي حرص على لقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ وتناول العشاء معه مساء الخميس، عشية انطلاق قمة «مجموعة العشرين» في أوساكا، فإن حرصه قاده أيضاً إلى تخصيص مساء أمس للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتناول العشاء معه بعد ختام أعمال القمة.
وبين الاجتماعين مع رئيس الصين «الصاعدة» ورئيس روسيا «اليقظة»، التقى آبي جميع ضيوفه من القادة، في وقت كانت الأنظار تترقب لقاء الرئيس دونالد ترمب والرئيس الصيني خصوصاً بعد انتقادات وجهها ترمب لبكين، وليس إلى اجتماعات القمة بين ترمب وقادة دول غربية مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أو رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي ستغادر منصبها قريباً.

- ترمب - شي
ترك الصحافيون الموجودون في المركز الصحافي بأوساكا متابعة أعمال القمة والخلافات حول صياغة البيان حول الموقف من «الحمائية» و«التغيير المناخي» وإصلاح منظمة التجارة العالمية، وخصصوا الوقت لمتابعة قمة ترمب - شي لترقب نتائجها وقراءة إشاراتها.
وبعد القمة، قال ترمب: «عقدنا لقاء جيّداً جداً مع الرئيس شي، يمكن أن أقول (لقاء) ممتازاً». وأكد أنه لا ينوي «زيادة» الرسوم الجمركية على الواردات الصينية كما أنه لا ينوي إلغاءها «على الأقلّ في الوقت الراهن»، في وقت أفادت وكالة «شينخوا» الصينية الرسمية بأن المفاوضات، التي توقفت بشكل مفاجئ في مايو (أيار) الماضي، ستُستأنف.
ووافقت واشنطن على وقف تهديدها بفرض رسوم جمركية جديدة على الواردات، بعدما استهدفت سلعاً صينية تزيد قيمتها على 500 مليار دولار تشتريها الولايات المتحدة سنوياً.
وأضاف ترمب أنه سيسمح للشركات الأميركية ببيع منتجاتها لشركة «هواوي» الصينية، لكن السماح للشركة العملاقة في مجال الاتصالات بدخول الأسواق الأميركية سيتم التعامل معه في المستقبل، إذا تم إحراز تقدم في المحادثات. وأوضح ترمب في مؤتمر صحافي: «إننا نرسل ونبيع لشركة (هواوي) كمية هائلة من المنتجات. حسناً أن نواصل بيع ذلك المنتج». وأضاف أنه سيلغي تهديده بفرض رسوم إضافية على واردات صينية بقيمة 325 مليار دولار «خلال الوقت الحاضر على الأقل».
ولو أن ترمب مضى قدماً في إجراءاته، فإن ذلك كان سيعني إلحاق ضرر بكل منتج صيني تقريباً يتم توريده إلى الولايات المتحدة بسبب الرسوم التي تم تبنيها خلال الحرب التجارية المستمرة على مدار العام. وكانت الولايات المتحدة قد فرضت حتى الآن رسوماً جمركية على سلع صينية تقدر قيمتها بـ250 مليار دولار، بينما ردت الصين بفرض رسوم على سلع بقيمة 110 مليارات دولار.
وقال ترمب بعد اجتماعه مع شي: «نعود إلى المسار» من خلال المحادثات التجارية، فيما ذكر شي من خلال مترجم في مستهل الاجتماع أن «التعاون والحوار أفضل من المواجهة».
وبذلك كرّر ترمب وشي السيناريو الذي حصل في قمة «مجموعة العشرين» السابقة التي عُقدت في الأرجنتين في أواخر عام 2018، إذ علّقا نزاعهما لبضعة أشهر بهدف استئناف المفاوضات التجارية المعمّقة التي سرعان ما تعثّرت.
وأفادت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» بأن الحديث يجري حالياً عن «هدنة» لمدة ستة أشهر للوصول إلى اتفاق بين البلدين، علما بأن «قمة العشرين» السابقة في الأرجنتين أسفرت عن هدنة لثلاثة أشهر وسرعان ما انهارت.
وفيما بدا ردّاً على القمة الصينية - الأميركية، توصّل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في السوق المشتركة لدول أميركا الجنوبية (ميركوسور)، وهي البرازيل والأرجنتين وباراغواي وأوروغواي، إلى اتفاق بشأن اتفاقية تبادل حرّ، هي ثمرة عشرين عاماً من المفاوضات الصعبة.

- ترمب - كيم
وكان ترمب بدأ يومه أمس بزخم قبل لقائه شي وغداة «غزله» بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ أعلن أنه في طريقه لمغادرة اليابان إلى كوريا الجنوبية، مشيراً إلى احتمال عقد لقاء غير مسبوق مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ - أون في المنطقة المنزوعة السلاح الفاصلة بين الكوريتين الشمالية والجنوبية. وقال أيضاً إنه مستعدّ لدخول الأراضي الكورية الشمالية. ويأتي هذا الإعلان المفاجئ بعد أربعة أشهر من قمة هانوي بين ترمب وكيم والتي باءت بالفشل لعدم إحراز تقدم في ملف نزع الأسلحة النووية الكورية الشمالية. ومذاك، لا تزال المفاوضات متعثرة بين البلدين.
وكتب ترمب على «تويتر» من أوساكا: «بعد عدد من الاجتماعات المهمّة، بما في ذلك لقائي مع شي، سأغادر اليابان متوجّهاً إلى كوريا الجنوبية». وأضاف: «أثناء وجودي هناك، إذا رأى زعيم كوريا الشمالية كيم هذه الرسالة، يمكنني أن أقابله على الحدود - المنطقة المنزوعة السلاح - لمجرد مصافحة يده والقول مرحباً».
وأوضح لاحقاً أنه تصرّف من دون تفكير ولم تحصل أي تحضيرات، قائلاً: «فكّرت في ذلك هذا الصباح». ورداً على سؤال بشأن إمكانية عبوره الحدود نحو كوريا الشمالية إذا التقى كيم في المنطقة المنزوعة السلاح، قال: «بالتأكيد سأفعل. وسأشعر بالارتياح للقيام بذلك. لن تكون هناك أي مشكلة لديّ». وأكد ترمب أن كيم يتابع حسابه على موقع «تويتر» وأنه تواصل معه «بسرعة» بعد اقتراحه العفوي.
واعتبرت كوريا الشمالية أن العرض «مثير للاهتمام جداً»، غير أنها أكدت عدم تلقيها دعوة رسمية بذلك بعد. ملمحة إلى احتمال انعقاد اللقاء. ونقلت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية عن نائب وزير الخارجية شو سون هوي قوله إن انعقاد قمة في المنطقة المنزوعة السلاح سيشكل «فرصة جديدة مهمة لتعميق العلاقات الشخصية بين الزعيمين وتطوير العلاقات الثنائية».

- اليابان والمعاهدة الأمنية
في المقابل، قال ترمب إنه أبلغ آبي بأنه يتعين تعديل معاهدة أمنية أبرمت قبل عقود بين بلديهما، واصفاً المعاهدة مجدداً بأنها «جائرة»، مضيفاً: «أخبرته بأنه سيتعين علينا تعديلها».
وتوفر طوكيو قواعد عسكرية تستخدمها واشنطن لنشر قواتها في عمق آسيا، بما في ذلك أكبر تركيز لقوات البحرية الأميركية في الخارج في أوكيناوا ونشر حاملة طائرات ومجموعتها الهجومية في قاعدة يوكوسوكا قرب طوكيو.

- بوتين - آبي - ماي
وقالت مصادر دبلوماسية إن آبي وبوتين عقدا اجتماعاً مطولاً مساء أمس تضمن توقيع اتفاقات وعشاء عمل وحفلاً موسيقياً لإحياء الصداقة، في وقت يسعى الجانبان إلى تطبيع العلاقات وتجنب القضية الخلافية حول جزر الكوريل والفشل في توقيع اتفاق سلام بسبب مطالبة طوكيو بالاعتراف بالسيادة اليابانية على هذه الجزر ومطالبة موسكو لطوكيو بالاعتراف بالأمر الواقع. وعقد بوتين سلسلة لقاءات على هامش القمة أحدها مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، علما بأنه التقى أول من أمس برئيسة الوزراء البريطانية وقال إنه أراد تحسين العلاقات مع لندن بعد تدهورها بسبب تسميم جاسوس روسي سابق على أراضي بريطانيا. وأوضح الرئيس الروسي أن رئيسة الوزراء البريطانية عبّرت عن موقفها تجاه القضية بـ«أسلوب حاد». وكان مكتب تيريزا ماي قال إنها طلبت من موسكو تسليم المشتبه بهم الروس الذين تتهمهم لندن بتسميم العميل المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته بغاز الأعصاب في سالزبري في بريطانيا العام الماضي.
وعن لقائه بها على هامش قمة مجموعة العشرين، قال إن الاجتماع كان «خطوة صغيرة لكنها إيجابية في الاتجاه الصحيح. وأنا مقتنع بضرورة عودة العلاقات الكاملة» بين البلدين. إلى ذلك، قال بوتين إن قضية البحارة الأوكرانيين الذين احتجزتهم روسيا في عام 2018 تصدرت محادثاته مع ترمب أول من أمس، لكن لم يتخذ أي قرار بشأن مصير هؤلاء البحارة حتى الآن.

- ترمب: مشكلة
في غضون ذلك، أكد الرئيس ترمب لنظيره التركي رجب طيب إردوغان أن عملية شراء أنقرة لمنظومة صواريخ «إس 400» الدفاعية الروسية تعد «مشكلة»، وذلك خلال اجتماع عقد على هامش قمة «مجموعة العشرين» أمس.
وأعربت واشنطن مراراً عن معارضتها الصفقة وأمهلت تركيا حتى 31 الشهر المقبل للتخلي عنها؛ إذ اعتبرت أن شراء أنقرة للمنظومة الروسية يتعارض مع مشاركتها في برنامج مقاتلات «إف 35» الأميركية.
وشدد ترمب على هذا الموقف خلال المحادثات التي أجراها مع إردوغان. وقال ترمب «إنها مشكلة، لا شك في ذلك. إنه أمر ليس بجيد». لكنه أضاف أن تركيا «كانت صديقة لنا (...) نحن شريك تجاري كبير (بالنسبة لها). وسنصبح أكبر».
وأفادت واشنطن بأنها ستمنع أنقرة من شراء مقاتلات «إف 35» وستطرد الطيارين الأتراك الذين يتدربون حالياً في الولايات المتحدة ما لم تتراجع تركيا عن صفقتها مع موسكو للحصول على منظومة «إس 400» بحلول 31 الشهر المقبل. لكن تركيا تمسكت بالصفقة
من جهته، أكد إردوغان خلال لقاء مع بوتين على أن اتفاقية الصواريخ تحمل «أهمية بالغة» بالنسبة لتركيا. وأعرب عن ثقته بأن واشنطن لن تفرض عقوبات على أنقرة على خلفية شرائها منظومة «إس 400».


مقالات ذات صلة

الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمته في الجلسة الثالثة لقمة دول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

أكدت السعودية، الثلاثاء، أن أمن الطاقة يمثل تحدياً عالمياً وعائقاً أمام التنمية والقضاء على الفقر، مشددة على أهمية مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في اليوم الأخير من القمة (إ.ب.أ)

قمة الـ20 تعطي معالجة الفقر والمناخ زخماً... لكنها منقسمة حول حروب الشرق الأوسط وأوكرانيا وترمب

نجحت البرازيل بصفتها الدولة المضيفة في إدراج أولويات رئيسية من رئاستها في الوثيقة النهائية لقمة العشرين بما في ذلك مكافحة الجوع وتغير المناخ.

أميركا اللاتينية الجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

إطلاق «التحالف العالمي ضد الجوع» في «قمة الـ20»

أطلق الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، «التحالف العالمي ضد الجوع والفقر»، وذلك خلال افتتاحه في مدينة ريو دي جانيرو، أمس، قمة «مجموعة العشرين».

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو )
العالم لقطة جماعية لقادة الدول العشرين قبيل ختام القمّة التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (إ.ب.أ)

«قمة العشرين» تدعو لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

أعلنت دول مجموعة العشرين في بيان مشترك صدر، في ختام قمّة عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية أنّها «متّحدة في دعم وقف لإطلاق النار» في كل من غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.