برزت 5 خلافات بين القادة المشاركين في «قمة العشرين» في أوساكا، خلال جلسات عمل نظمها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في اليوم الأول للقمة التي تنتهي اليوم السبت.
وتركزت الخلافات حول ملفات التغيير المناخي، وإصلاح منظمة التجارة العالمية، والحمائية مقابل التعددية، وقواعد التدفق الحر للمعطيات والمعلومات، وشكل التحرك السياسي، لكن القادة الذين تحدثوا في جلسات العمل في أوساكا عبّروا عن مواقفهم، من دون ذكر اسم الدولة أو الزعيم مصدر الانتقاد، في وقت واصل كبار الموظفين والدبلوماسيين العمل الشاق للوصول إلى بيان مشترك يردم الفجوة بين المواقف المتباعدة.
- خلافات عميقة
يتعلق الخلاف الأول بـ«الحمائية» التي تفرضها إدارة الرئيس دونالد ترمب، مقابل «التعددية» التي تقترحها حكومة الرئيس الصيني شي جينبينغ. ويلتقي ترمب وشي اليوم لبحث مصير الاقتصاد العالمي على وقع الحرب التجارية بين بلديهما. وتهدد واشنطن بفرض رسوم جمركية على كل السلع الصينية التي تستوردها الولايات المتحدة، وهو ما سيشكل نقطة اللاعودة في نزاع تجاري وتكنولوجي بين العملاقين. وأعلن مسؤول صيني أن «الأحادية والحمائية والمضايقات تتزايد ما يشكل تهديداً خطيراً».
ويخص الخلاف الثاني موضوع التغير المناخي. وترفض إدارة ترمب أي حديث عن الاتفاق المناخي الموقّع في باريس عام 2015، كما يرفض قادة آخرون على غرار الرئيس البرازيلي جائير بولسونارو، أي انتقاد غربي لسياساتهم البيئية، فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن «من الواضح أنه سيكون من الصعب تحقيق اختراق». لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي استضافت بلاده توقيع اتفاق المناخ في باريس، قبل أربع سنوات، يعتقد أن ملف المناخ هو «الأكثر صعوبة» في القمة. وقالت مصادر فرنسية إن الأميركيين يعتمدون موقفاً «بالغ التشدد»، ويسعون إلى «استقطاب دول أخرى» و«تخفيف لهجة البيان» الختامي للقمة الذي سيصدر اليوم، معربين عن خشيتهم من أن تتمكن واشنطن من استمالة البرازيل وتركيا ودول أخرى. وبرز الخلاف الثالث بين قادة دول وحكومات حول شكل التحرّك السياسي في عصر العولمة. وإذ انتقد الرئيس فلاديمير بوتين، في مقابلة مع صحيفة «فاينانشال تايمز»، الأفكار التقدمية «الليبرالية» للديمقراطيات الغربية. وقال إن التقدميين «لا يمكنهم إملاء ما يريدون على غرار ما فعلوا في العقود الأخيرة»، مشيداً بتشدد ترمب في ملف الهجرة غير النظامية. وقال بوتين إن «هذا الفكر التقدّمي عفا عليه الزمن». ورد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، في أوساكا، بالقول «ما اعتبر أنه عفا عليه الزمن هو التسلط وعبادة الشخص وحكم القلة، حتى لو أن ذلك قد يبدو أحياناً مجدياً».
كما برز خلاف رابع يتعلق بالتدفق الحر للمعطيات، حيث أشار قادة إلى ضرورة «احترام حرية التعبير وحقوق الإنسان». وقالت مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، إن مصر وجنوب أفريقيا وإندونيسيا رفضت الموافقة على مبادرة يابانية في هذا الإطار باسم «مسار أوساكا». وعُقدت اجتماعات أمس للتوصل إلى توافق بين المشاركين حول هذه القضية.
أما الخلاف الخامس فيتعلق بإصلاح منظمة التجارة العالمية، إذ إن واشنطن ترفض تعيين قضاة لحل النزاعات في المنظمة، في وقت تدفع دول أخرى إلى «تسريع إصلاح المنظمة». وتدعم اليابان ذلك، لكنها تسعى للوصول إلى حل وسط لتمرير بيان ختامي.
كانت هذه الخلافات الخمسة بين سطور الخطابات التي ألقاها القادة في جلسات العمل أمس وخطابات التعليق من القادة المشاركين، لكن مع حرص كل زعيم على استعمال لغة دبلوماسية.
- جلسات عمل
وقال مسؤول ياباني، في إيجاز شاركت فيه «الشرق الأوسط»، أمس، إن جلسة عمل عُقدت خلال غداء عمل وتناولت الاقتصاد العالمي والاستثمار، حيث تحدث 6 زعماء. وقال إن المتحدثين «حللوا وضع الاقتصاد العالمي بما ذلك آثار التطورات التجارية الراهنة على النمو الاقتصادي». ولاحظ أن مشاركين في الجلسة تحدثوا عن «مخاطر» تتعلق بالاقتصاد العالمي. لكنه أشار إلى أن «كل المتحدثين أشاروا إلى الحاجة لتقوية نظام عادل وحر للتجارة. قضية التجارة يجب أن تحل بطريقة تنسجم مع القواعد»، مضيفاً أن المتحدثين «أكدوا على إصلاح منظمة التجارة العالمية. حقيقة أن المنظمة لا تقوم بدورها قضية مهمة، وهناك أمل بإجراء حوار لإصلاح المنظمة».
وبعد تحدث ممثلين عن 16 دولة ومنظمة خلال اليوم الأول من القمة، برز، حسب مصدر مشارك، أنه «لا تزال هناك مخاطر على الاقتصاد العالمي. لدينا فهم أن مجموعة العشرين قد تقود النمو في الاقتصاد العالمي، وأتوقع أن فهم الوضع سيساهم في حل التوتر حول التجارة. بالنسبة إلى الضرائب المتعلقة بالاقتصاد الرقمي، نريد التزاماً من الدول للوصول إلـى اتفاق في 2020».
كانت جلسة الاستثمار عقدت بعد جلسة عن «مسار أوساكا»، وقبل جلسة ثالثة عن «الاختراع» المتعلق بـ«الذكاء الصناعي والتطورات لجلب تغييرات في المجتمع والاقتصاد». وحض آبي، في هذا الإطار، على «تبني رؤية تقود مجتمعاً يركز على الشعب... المعطيات هي محرك النمو، ولتحقيق الاقتصاد الرقمي، وللإفادة منه لكل الناس، فمن الضروري أن تتدفق المعطيات في شكل حر. ولدعم التدفق الحر للمعطيات لا بد من تحقيق الثقة بين المستهلكين وقطاع الأعمال بالنسبة إلى الخصوصية. أريد مشاركة تدفق حر للمعطيات مع الثقة»، وهو أمر أشار إليه آبي في يناير (كانون الثاني) في دافوس.
وبعد 6 خطابات من المتحدثين في هذه الجلسة، تناولت «الاختراع للنمو الاقتصادي وحل النزاعات وقواعد دولية في الاقتصاد الرقمي»، قال مصدر إن «الكثير من المتحدثين دعموا مبادئ التدفق الحر للمعطيات مع الثقة». وأشار إلى خطورة «الاستخدام السيئ» للإنترنت في مجال الترويج للإرهاب، في وقت تطرح القيود على الإنترنت أسئلة بالنسبة إلى حرية التعبير، و«لذلك لا بد من اللجوء إلى اعتبارات عادلة» توازن بين حرية الإنترنت ومنع استخدامها في شكل مسيء.
من جهته، قال ناطق باسم القمة إن النقاش بين القادة خلال جلسات العمل تناول قضايا التجارة، مشيراً إلى أن بعض القادة عبّر عن القلق إزاء التوتر الراهن المتعلق بالتجارة، فيما أشار بعضهم الآخر إلى ممارسات غير عادلة، وإلى أهمية مقاومة الحمائية. وتابع أن «الكثير من القادة أكدوا أهمية إصلاح منظمة التجارة العالمية، وحل النزاعات والحاجة للشفافية وقواعد القانون». وزاد: «هناك شعور بضرورة استعجال إصلاح منظمة التجارة العالمية، وأن نظاماً قائماً على التعددية يواجه تحديات».