تخيّم ملفات شائكة ومتداخلة علـى أروقة «قمة العشرين» المقررة في أوساكا اليابانية يومي الجمعة والسبت المقبلين، تتأرجح بين آفاق الحرب التجارية بين الصين وأميركا والبرنامج النووي لكوريا الشمالية والتصعيد الإيراني بين واشنطن وطهران، إضافة إلى ضيق فسحة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بين خياري واشنطن وموسكو.
دبلوماسية طوكيو سعت خلال الأشهر الماضية إلى إزالة الألغام في الطريق لإنجاح أرفع تجمع سياسي تستضيفه اليابان منذ هزيمة الحرب العالمية الثانية، وتسخيناً لحفل كبير يقام لتنصيب الإمبراطور الجديد بمشاركة زعماء العالم في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وخاض رئيس الوزراء شينزو آبي حملات دبلوماسية على أكثر من جبهة لتحقيق انتصار في «قمة العشرين» قبل انتخابات الشهر المقبل. ووسّع دائرة المدعوين إلى أوساكا لتصل إلى 37 زعيماً هم قادة الكتل الإقليمية والمنظمات الدولية، بينهم قادة 20 دولة تملك 80% من الاقتصاد العالمي.
عملية «نزع الألغام» قادت آبي إلى طهران للتوسط بين الرئيس دونالد ترمب و«المرشد» الإيراني علي خامنئي، ووسعت صدره لاستقبال الرئيس الصيني شي جينبينغ في زيارته الأولى للجارة التي تقوم بينهما نزاعات في بحر الصين، إضافة إلى متابعة «رسائل الغرام» بين ترمب قائد الجيش الذي يحتفظ بـ30 ألف جندي في الجزر اليابانية ومدين له بـ«التحالف الاستراتيجي» الضامن منذ الحرب العالمية الثانية، وشي زعيم «القوة الصاعدة» في العقود المقبلة، العائد من ضيافة رئيس كوريا الجنوبية الذي كان قد «مررا» عشرات الصواريخ في الأجواء اليابانية قبل سنوات.
ولم يبخل آبي، الذي يدخل التاريخ باعتباره الأكثر إقامة في مكتبه، على دعم جهود مجلس رجال الأعمال باستضافة «مؤتمر الأعمال العشرين» بمشاركة مجالس رجال الأعمال في «مجموعة العشرين» بينها الصين وأميركا لإقرار مبادئ اقتصادية مشتركة والجمع بين مقاربتَي «الحزب الشيوعي الصيني» و«رفض التعددية الدولية» من إدارة ترمب. وبعد جهد و«تدوير ياباني للزوايا»، تم إقرار سبعة مبادئ رُفعت إلى القادة، هي: «تحول رقمي للجميع، وتجارة واستثمار للجميع، وطاقة وبيئة للجميع، وبنية تحتية جيدة للجميع، وضمان العمل للجميع، وصحة وعافية للجميع، وكرامة للجميع».
والجهد ذاته بُذل من وزراء الخارجية والاقتصاد والمال للوصول إلى توافقات بين «العشرين» إزاء التغير المناخي بعد قرار ترمب الانسحاب من اتفاق باريس لعام 2015، والتردد في إقرار «تسريع إصلاح منظمة التجارة الدولية»، على أمل إقرار القادة يوم السبت المقبل البيان الختامي لـ«قمة العشرين» ونقل الراية إلى السعودية التي تستضيف مؤتمر القمة المقبل، لكن القلق يسري في أروقة الدبلوماسية اليابانية في طوكيو إلى آخر لحظة خصوصاً أن اجتماعات ثنائية عدة ستُعقد على هامش القمة.
قمة ترمب - شي
جمع كل من ترمب وشي أوراقه قبل الجلوس ثنائياً في أوساكا. وإذا كان الرئيس الصيني قام بأول زيارة لكوريا الشمالية لإرسال إشارة إلى ترمب أنه يملك حيزاً في «ورقة» كوريا الشمالية، فإن ترمب أعلن أنه سيزور كوريا الجنوبية بعد قمة أوساكا وسرّب تبادل رسائل مع زعيم كوريا الشمالية بعد مرور سنة على قمتها الفاشلة. كما أن واشنطن أوحت بإمكانية عقد صفقة عسكرية مع تايوان ودعم الاحتجاجات في هونغ كونغ، وهما ملفان ذوا حساسية كبيرة في بكين.
وكان ترمب قد أعلن أنه يفهم أسباب المظاهرات ويأمل أن يتمكن المحتجون من «حل المسألة مع الصين». وأعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أن ترمب سيناقش مسألة هونغ كونغ مع شي. لكنّ مساعد وزير الخارجية الصيني زانغ جون رد: «يمكنني القول لكم بكل تأكيد إن قمة العشرين لن تكون مكاناً لمناقشة مسألة هونغ كونغ ولن نسمح بأن تتم مناقشة مسألة هونغ كونغ في قمة العشرين. وهونغ كونغ هي شؤون صينية محض داخلية، وليس من حق أي بلد أجنبي التدخل». ولوّحت بكين بفتح ملف غير مقبول عند إدارة ترمب وهو مبدأ «التبادل الحر والتعددية»، منددةً بـ«الحمائية» وسط حرب رسوم جمركية تخوضها مع الولايات المتحدة.
وتوقفت المفاوضات لحل نزاع تجاري الشهر الماضي، نجم عنه تبادل الطرفين رسوماً جمركية باهظة على سلع بقيمة مليارات الدولارات. وقال نائب وزير التجارة الصيني وانغ شوين، إن وفوداً من الطرفين هي الآن «بصدد مناقشة خطوة التواصل التالية» قبيل لقاء شي – ترمب، حيث سيناقشان أيضاً مصير عملاق التكنولوجيا الصيني «هواوي» الذي تعرض لضربة قوية بعد إعلان إدارة ترمب منع الشركات الأميركية من العمل معه، مشيرةً إلى مخاوف من التجسس.
وفي حال فشل هذا اللقاء، قد يفرض ترمب رسوماً على 300 مليار دولار من المنتجات الصينية بعدما كان قد فرض سابقاً على 200 مليار.
من جهته، قال مسؤول ياباني لـ«الشرق الأوسط» إن العلاقة مع الصين «من أهم العلاقات ونريد علاقة مستقرة لأنها مهمة للأمن والاستقرار في آسيا. بعد تبادل الزيارات العام الماضي، عادت العلاقة. وزيارة الرئيس الصيني لأوساكا أول زيارة لشي لليابان، وسيقوم بزيارة دولة في الربيع، ونريد تطوير العلاقات».
ويُتوقع أن يتناول لقاء آبي - شي في أوساكا آفاق العلاقات والقضايا الخلافية وإمكانات المفاوضات بين واشنطن وبيونغ يانغ، حيث تسعى طوكيو لمعالجة المخاطر الأمنية من كوريا الشمالية وقضية المخطوفين اليابانيين في بيونغ يانغ.
بوتين في أوساكا
كان الرهان الياباني على أن تشكل قمة أوساكا نقطة فاصلة في حل النزاع حول الجزر التي تسيطر عليها روسيا، خصوصاً بعدما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين «اتفاق سلام». لكن الإشارات الأخيرة من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بضرورة وقائع الحرب العالمية الثانية في 1945 والهزيمة، لم تلقَ صدى إيجابياً في طوكيو. وقال مسؤول ياباني: «نريد اتفاق سلام، لكنّ الجزر يابانية ولا بد من إعادتها». الحل؟ هو «تطبيع العلاقات خطوة بعد خطوة والقيام بإجراءات بناء ثقة» لأن طوكيو تريد «تغيير البيئة الأمنية» حولها وحل النزاعات مع الصين وروسيا وكوريا بالتزامن مع التكيف في التغييرات في واشنطن «الحلف الاستراتيجي».
وفي حال تأكد لقاء ترمب - بوتين، فإنه سيُعقد على وقع توتر روسي - أميركي جديد له علاقة بقضايا استراتيجية تخص الصواريخ في أوروبا والعقوبات الاقتصادية. لكن المسرح الذي ظهر فيه تعاون بين البلدين هو «سوريا جواً وبراً»، حسب دبلوماسي غربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «سوريا تجمع البلدين للحفاظ على أمن إسرائيل وتخفيف التوتر بين موسكو وواشنطن في ساحات دولية وثنائية أخرى».
ويُتوقع أن يكون للقاء رؤساء مكاتب الأمن القومي الأميركي والروسي والإسرائيلي في القدس الغربية، أمس، صدى في قمة ترمب - بوتين، حيث كان أحد الملفات الرئيسية هو «إخراج إيران من سوريا». ويُتوقع أن يجري بحث التصعيد الأميركي - الإيراني، خصوصاً بعد إشارات موسكو إلى دعم موقف طهران وسط مساعٍ أوروبية ويابانية لـ«خفض التصعيد» بين واشنطن وطهران والعودة إلى مائدة التفاوض وإقناع إيران بعدم العودة إلى استئناف تخصيب اليورانيوم غداً، كما أعلنت سابقاً.
«إس 400» و«إف 35»
ينقل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، هواجسه إلى ترمب وبوتين في أوساكا. صار له فترة طويلة يحاول الجمع بين خيارين: الحصول على «إس 400» والحفاظ على اتفاق خفض التصعيد في إدلب بالتعاون مع بوتين، والبقاء في برنامج طائرات «إف 35» والتفاوض على منطقة أمنية شمال شرقي سوريا بالتعاون مع ترمب.
لكن الفترة الأخيرة شهدت تكثيف الضغوطات على أنقرة، إذ أعلنت واشنطن أن فرض عقوبات اقتصادية على تركيا لاعتزامها شراء منظومة دفاع صاروخي روسية «ما زال خياراً وارداً جداً»، في وقت لا تزال موسكو تغضّ الطرف عن العمليات العسكرية للحكومة السورية والقصف الجوي الروسي والسوري في إدلب قرب حدود تركيا.
وكان إردوغان قد قال إن شراء «إس 400» بات أمراً محسوماً، وإنه على الولايات المتحدة التفكير ملياً قبل فرض عقوبات على عضو في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو)، علماً بأن أحد أسباب دعم بوتين لخيارات إردوغان هو «تفكيك» الحلف الأطلسي، حسب محللين.
ويستند إردوغان، في تقديراتٍ، إلى العلاقة الشخصية مع كلٍّ ترمب وبوتين، وستكون قمة أوساكا اختباراً لذلك، لتحديد مصير: المنطقة الأمنية شرق الفرات، ومعركة إدلب، و«إس 400»، و«إف 35».