بروفايل: سوزانا شابوتوفا... «حارسة البيئة» ترفع شعار مكافحة الفساد

رياح التغيير تحمل المحامية العنيدة إلى رئاسة سلوفاكيا

بروفايل: سوزانا شابوتوفا... «حارسة البيئة» ترفع شعار مكافحة الفساد
TT

بروفايل: سوزانا شابوتوفا... «حارسة البيئة» ترفع شعار مكافحة الفساد

بروفايل: سوزانا شابوتوفا... «حارسة البيئة» ترفع شعار مكافحة الفساد

قبل عام واحد، لم يكن يدور في خلد المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، سوزانا شابوتوفا، أنها ستغدو رئيسة لبلدها سلوفاكيا. كانت أحلامها تقتصر على حياة آمنة في مدينة صغيرة لعبت دوراً كبيراً في حمايتها من التلوث البيئي. كان يكفيها عملها نائبةً لرئيس بلدية بيزينوك التي وُلدت فيها، في ضواحي العاصمة براتيسلافا. لكن عناد الناشطة الحقوقية، التي كانت قد خاضت معركة قضائية لمدة 14 سنة ضد الفساد الحكومي ونفوذ «حيتان المال» المرتبطين، كما تقول روايات، بـ«المافيا الإيطالية»، لعب دوراً أساسياً في دخولها معترك السياسة العليا راكبة موجة المطالبة بالتغيير، بعدما شهدت الجمهورية الصغيرة الهادئة تقليدياً في شرق أوروبا منعطفاً سياسياً حاداً عكسَ تصاعد مزاج النقمة على الفساد المستشري والرغبة في دخول عهد جديد.

قال أحد الخبراء الروس البارزين تعليقاً على فوز شابوتوفا، في الانتخابات لتغدو أول امرأة سلوفاكية تجلس على مقعد الرئاسة في تاريخ البلاد، إن «ظاهرة شابوتوفا شكلت استجابة للرغبة في التغيير والعدالة، ووجهة جديدة في السياسة، أتت ليس من أعلى، وليس من أسفل، ولكن من حيث يوجد الدليل على أن العدالة تمتلك مقومات لحماية ذاتها».
غدت سوزانا شابوتوفا خامس رئيس للجمهورية السلوفاكية وأول امرأة تُنتخب لهذا المنصب منذ إعلان الاستقلال في عام 1993. وتبدو نسبة الأصوات التي حصلت عليها في الجولة الانتخابية التي جرت أخيراً كبيرة، بالمقارنة مع الاستحقاقات المماثلة عادة في أوروبا، فهي حصدت أصوات 58 في المائة من الناخبين، متقدمة بشكل واضح على خصمها الدبلوماسي، وعضو المفوضية الأوروبية ماروس شيفتشوفيتش الذي أقر بالهزيمة، وأرسل باقة من الزهور إلى السيدة التي غدت تحمل اللقب الرئاسي. ومع كونها أول سيدة تحصل على المنصب، فهي تُعدّ حالياً أصغر رئيس في تاريخ البلاد، إذ احتفلت في 21 يونيو (حزيران) الحالي، ببلوغها 46 سنة.
وقد تكون الكلمات الأولى التي قالتها شابوتوفا بعد أداء القسم الدستوري أفضل تعبير عن قناعاتها ورؤيتها لدورها في المنصب الجديد، فضلاً عن الانسجام مع مسيرة حياتها التي قضت الجزء الأعظم منها في مدينتها الصغيرة. فهي أعربت عن سعادتها «ليس فقط بالنتيجة التي حصلت عليها، ولكن أيضاً بظهور فرصة لعدم الخضوع للشعوبية، ولرفع الصوت بالحديث عن الحقيقة وجذب الانتباه إلى القضايا العادلة، والتخلي عن لغة العدوان».
تلخص الإشارة إلى هزيمة التيار الشعوبي في سلوفاكيا منطلقاً مهماً لتقييم رؤية المحامية السلوفاكية للمسار الذي يجب أن تسلكه بلادها، فهي تشير هنا إلى المحافظة على الاتحاد الأوروبي وسياسة الاندماج، على العكس من المزاج القومي الذي برز في كثير من الدول الأوروبية، بما في ذلك في المجر (هنغاريا) وبولندا والنمسا. عملياً، يبدو نجاح شابوتوفا نجاحاً للتيار المتمسك بالقيم المشتركة للاتحاد الأوروبي وبالمصالح المشتركة في منطقة اليورو، ودفعة إضافية للمطالبين بمزيد من التكامل.

- المحامية العنيدة حارسة البيئة
لا يمكن بطبيعة الحال المبالغة في التوقعات السياسية، خصوصاً لأن سلوفاكيا تُعدّ جمهورية برلمانية. ورغم امتلاك الرئيس صلاحيات كثيرة، لكن القوة الرئيسية تتركز في أيدي رئيس الوزراء. ورغم ذلك، يرى كثيرون أهمية خاصة لهذا الصعود الكبير لنجم المحامية التي بالكاد كانت الأوساط السياسية في بلدها ترشحها لدخول المعترك الرئاسي قبل عام واحد. ومع أنها كانت ناشطة اجتماعية ومدافعة نشطة عن البيئة النظيفة، فإن نشاطها السياسي كان فقيراً، واقتصر على كونها عضواً في الحزب الليبرالي «سلوفاكيا التقدمية» الذي تم تسجيله رسمياً في نهاية عام 2017. ولم يحظَ بتمثيل بعد في البرلمان، كما لم يحقق وزناً سياسياً في البلاد، وبات معلوماً بعد انتخابها أن شابوتوفا تنوي الانسحاب من الحزب حتى تحافظ على مسافة واحدة مع كل القوى السياسية في البلاد.
ولا تخفي الرئيسة الجديدة افتقارها للخبرة السياسية العملية، إذ اقتصر نشاطها السياسي على عملها نائبةً لرئيس إدارة مدينة بيزينوك.
لكن هذه البلدة الصغيرة في الجنوب الغربي من البلاد التي لا يزيد عدد سكانها على 20 ألف نسمة، كان لها الدور الحاسم في رسم ملامح شخصية المحامية وبلورة أهدافها العملية، فهي نشأت هناك في أسرة عاملة، وفيها درست، وخاضت تجربة زواج خرجت منها بابنتين تبلغان من العمر 15 و18 عاماً. ورغم طلاقها من زوجها لكنها فضلت الاحتفاظ باسم عائلته شابوتوف.
حصلت الرئيسة الجديدة على شهادة في القانون من جامعة كومينيوس في براتيسلافا. وهي ذكرت في مقابلة صحافية أخيراً، أنه عندما بدأ زملاء الدراسة في اليوم الأول من الدراسة في مناقشة سبب اختيار كل منهم للقانون كمهنة للمستقبل، اتضح أنه لم يكن لدى أي من الطلاب الثلاثين في الفصل دوافع مالية. لم تكن شابوتوفا مهتمة أيضاً بالجانب المادي، وهو أمر برز خلال حياتها العملية لاحقاً، إذ ناضلت من أجل حقوق النساء والأطفال، وعملت لمدة 16 عاماً في قطاع غير ربحي ناشطة في جمعية مدنية عملت في مجال حماية حقوق الإنسان وتطوير الديمقراطية وتحسين نوعية حياة المواطنين وحماية الطبيعة والبيئة عبر الوسائل القانونية.
خلال عملها في هذه المؤسسة برزت «قضية عمرها» التي حولتها إلى مناضلة للحفاظ على البيئة، إذ واجهت قراراً بإنشاء مكبّ للنفايات بالقرب من مبان سكنية في مسقط رأسها، وخاضت معركة قضائية استمرت لمدة 14 عاماً وانتهت بفوزها بإلغاء القرار بعدما حشدت تأييداً شعبياً واسعاً، وأوصلت القضية إلى المحكمة الأوروبية العليا.
وقالت في وقت لاحق إنها واجهت محاولة لإنشاء مكب ضخم للنفايات يصل حجمه إلى نحو 12 ملعباً لكرة القدم، على بعد 280 متراً من المباني السكنية. واللافت في الموضوع أن شابوتوفا المحامية قادت احتجاجات شعبية وشكاوى قضائية في وجه أحد أبرز «حيتان المال» في بلادها، وهو رجل الأعمال ماريان كوشنر، الذي ارتبط اسمه بالجريمة المنظمة، وهي اعترفت في وقت لاحق بعد حسم المعركة لصالحها بأنها كانت خائفة على حياتها وعلى حياة ابنتيها، ولفترات طويلة لم تكن تسمح لهما بالتجول أو القيام بنزهات من دون مرافقة دقيقة.
في عام 2016 تم تقييم عمل شابوتوفا، إذ حصلت على جائزة «غولدمان»، وهي الجائزة الأهم التي تُمنح للناشطين في مجال حماية البيئة، وغالباً ما يُطلق عليها «نوبل الخضراء».
أهمية المواجهة مع ماريان كوشنر أن اسمه عاد إلى الواجهة مع الأحداث التي شهدتها البلاد خلال العام الأخير، وربما تكون هذه المصادفة لعبت دوراً أساسياً في اتخاذها قرار خوض المعترك الانتخابي.
ففي مارس (آذار) الماضي، اتُّهم كوشنر بالتورط في جريمة اغتيال الصحافي الاستقصائي يان كوتسيك الذي كان معروفاً بتحقيقاته التي تواجه الفساد، وقُتل مع خطيبته مارتينا كوشنيروفا العام الماضي. وأثار الحادث موجة سخط واسعة النطاق في البلاد، خصوصاً بعدما برزت محاولات للتواطؤ وإغلاق ملف الجريمة من جانب السلطات. في تلك الفترة أعلنت شابوتوفا نيتها خوض معترك السياسة، وقالت لصحافيين: «يجب أن تشهد البلاد تغييراً، وأريد أن أشارك في حدوث هذا التغيير».

- رياح التغيير
بدأت الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد، وغيّرت مسار حياة شابوتوفا تماماً، قبل عام كامل. بعد وقت قصير من العثور على الصحافي يان كوتسيك مقتولاً في منزل بالقرب من براتيسلافا. لم يكن لدى الشرطة أو الجمهور أي شك في أن جريمة الاغتيال مدبَّرة، وأن هياكل الجريمة المنظمة تقف وراءها. كان كوتسيك البالغ من العمر 27 عاماً أجرى سلسلة تحقيقات استقصائية في ملف الاحتيال المالي، وأبرز تهرباً واسعاً من دفع الضرائب لدى شخصيات بارزة ورموز النخبة السياسية في البلاد، بما في ذلك رئيس الوزراء روبرت فيكو. في المقال الأخير المنشور للصحافي، أكد كوتسيك أن فيكو مرتبط بهياكل الجريمة المنظمة في إيطاليا.
كانت هذه أول جريمة اغتيال سياسي صاخبة في الجمهورية الهادئة والمسالمة، وقد هزّت المجتمع بقوة. خرج نحو 25 ألف شخص إلى شوارع براتيسلافا، مطالبين باستقالة فيكو على الفور. وسرعان ما اندلعت مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد. لم يُشهَد هذا التضامن في شوارع سلوفاكيا منذ أحداث عام 1989 التي أدت إلى انتقال تشيكوسلوفاكيا في ذلك الحين إلى المعسكر الغربي. وأكد فيكو عدم وجود صلة له بعملية الاغتيال، في حين اتجهت أصابع الاتهام إلى رجل الأعمال الموقوف ماريان، لكن رئيس الوزراء سرعان ما اضطر لتقديم استقالته تحت ضغط الحراك في الشارع، وأعلن حل الحكومة في منتصف مارس (آذار).
في هذه الأجواء من عدم الثقة بالسلطات، كان ينبغي أن يظهر شخص ما من شأنه أن يتحدى النخبة الحاكمة، وأصبحت شابوتوفا هذا الشخص، داعية المواطنين إلى «التمرد على الشر». أعلنت قرارها الترشح للرئاسة بعد أسبوعين من استقالة فيكو، وقالت إن مكافحة الفساد الهدف الرئيسي لبرنامجها. بالإضافة إلى ذلك، استطاعت أن تجمع حولها معارضة غير ممثلة في البرلمان ذات توجه ليبرالي تمثل مختلف الجماعات العرقية والاجتماعية. وعدت شابوتوفا أيضاً بدعم حق المرأة في الإجهاض، وأيّدت حقوق المثليين.

- إيرين بروكوفيتش... السلوفاكية
سرعان ما تحولت السياسية الصاعدة إلى رمز للتغيير، وعقدت وسائل الإعلام مقارنات بين مسيرتها ومسيرة المحامية الأميركية والناشطة في مجال حماية البيئة إيرين بروكوفيتش، التي تحولت سيرتها الذاتية إلى فيلم سينمائي قدمته جوليا روبرتس. كان التشابه كبيراً إلى حد لافت: محامية تربّي طفلين بعد الطلاق، عارضت بناء مكب نفايات في مسقط رأسها، وبعد أربعة عشر عاماً من المواجهة كسبت المعركة. وهناك ناشطة بيئية ومحامية خاضت معركة كبرى أيضاً، واشتهرت بسبب قضيتها ضد شركة «باسيفيك» للغاز والكهرباء في ولاية كاليفورنيا، عام 1993.
ثمة إشارات بالطبع إلى أن مهمة الرئيسة الجديدة لن تكون سهلة. ويقول بعضهم إن شابوتوفا ستناضل من أجل العدالة منذ لحظة أداء القسم الدستوري على الجانب الآخر من المتاريس، أي من داخل السلطة. ويُتوقع أن تعمل على تنفيذ النقاط الرئيسية في برنامجها الانتخابي في خصوص حماية البيئة، لا سيما وعدها بوقف إزالة الغابات. وخلال حملتها الانتخابية أيضاً، وعدت شابوتوفا بالقضاء على الفساد، وزيادة الإنفاق الاجتماعي، وإصلاح النظام القضائي.
شابوتوفا تشاطر وجهات النظر الحديثة حول مؤسسة الأسرة، وتدافع عن حماية حقوق المرأة في الإجهاض، لكن دعمها لمجتمع المثليين أثار الكنيسة ضدها، وقال رئيس أساقفة ترنافا الحالي، يان أوروش، إن التصويت لشابوتوفا سيكون «خطيئة خطيرة». وقد ردت ناشطة حقوق الإنسان عليه، خلال حملتها الانتخابية، بشكل دبلوماسي، وقالت في إحدى خطبها: «يمكنك أن تتدخل في السياسة برأيك الخاص، من دون أن تكون عرضة للشعبوية. يمكنك أن تكون قوياً وواثقاً من دون الخطب العدوانية والهجمات الشخصية».

- حوار مع روسيا ومقارنات مع أوكرانيا
حددت شابوتوفا ملامح خطواتها الأولى السياسية بعد أداء اليمين الدستورية. فهي مع تمسكها ببرامجها الداخلية أكدت على مواصلة سياسة الاندماج مع الاتحاد الأوروبي والدفاع عن سياساته، وهي في الوقت ذاته أبدت انفتاحاً على الحوار مع روسيا التي بات هاجس تدخلها في الاستحقاقات الانتخابية في الغرب مصدر قلق للسياسيين الغربيين. قالت شابوتوفا إنها ترى ضرورة إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، وأيدت موقف الكرملين المعارض لممارسة ضغوط عبر فرض سياسات العقوبات. هذه العبارات تلقفتها موسكو بحماسة، وتناقلتها وسائل الإعلام الروسية بقوة.
في الوقت ذاته، يعقد كثيرون في روسيا مقارنات لافتة بين نتائج الانتخابات الرئاسية أخيراً، في سلوفاكيا، التي فازت بها شابوتوفا، والاستحقاق الانتخابي الرئاسي قبل ذلك في أوكرانيا الذي حمل إلى مقعد الرئاسة الممثل الهزلي فلاديمير زيلينسكي. وبالفعل فإن بين الحدثين عناصر متشابهة كثيرة. في الحالين جاء الرئيس من خارج النخب السياسية وبشكل مفاجئ قلب توقعات المراقبين. وفيهما برز شعار مكافحة الفساد ومواجهة تحكم بعض «حيتان المال» في مفاتيح القرار. وفي البلدين أظهرت النتائج انقلاب الناخبين على التيارات الشعبوية والقومية لصالح خطط الإصلاح الليبرالي. وفي البلدين كان مزاج التغيير والرغبة في دخول عهد جديد العنصر الأهم الذي حمل مرشحاً عديم الخبرة تقريباً بالسياسة إلى مقعد الرئاسة. يبقى أن تأثير شابوتوفا على سياسات الكرملين محدود، بينما تراقب موسكو بحذر شديد كل خطوة يقوم بها الرئيس الأوكراني الجديد.


مقالات ذات صلة

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة جوية لمدينة هرجيسا (من منصة أكس)

«أرض الصومال»... إقليم «استراتيجي» يبحث عن هدف صعب

بين ليلة وضحاها، غزا إقليم «أرض الصومال» - «الصومال البريطاني» سابقاً - عناوين الأخبار، ودقّ ذاكرة المتابعين، إثر إعلان توقيعه مذكرة تفاهم تمنح إثيوبيا منفذاً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.