بروفايل: سوزانا شابوتوفا... «حارسة البيئة» ترفع شعار مكافحة الفساد

رياح التغيير تحمل المحامية العنيدة إلى رئاسة سلوفاكيا

بروفايل: سوزانا شابوتوفا... «حارسة البيئة» ترفع شعار مكافحة الفساد
TT

بروفايل: سوزانا شابوتوفا... «حارسة البيئة» ترفع شعار مكافحة الفساد

بروفايل: سوزانا شابوتوفا... «حارسة البيئة» ترفع شعار مكافحة الفساد

قبل عام واحد، لم يكن يدور في خلد المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، سوزانا شابوتوفا، أنها ستغدو رئيسة لبلدها سلوفاكيا. كانت أحلامها تقتصر على حياة آمنة في مدينة صغيرة لعبت دوراً كبيراً في حمايتها من التلوث البيئي. كان يكفيها عملها نائبةً لرئيس بلدية بيزينوك التي وُلدت فيها، في ضواحي العاصمة براتيسلافا. لكن عناد الناشطة الحقوقية، التي كانت قد خاضت معركة قضائية لمدة 14 سنة ضد الفساد الحكومي ونفوذ «حيتان المال» المرتبطين، كما تقول روايات، بـ«المافيا الإيطالية»، لعب دوراً أساسياً في دخولها معترك السياسة العليا راكبة موجة المطالبة بالتغيير، بعدما شهدت الجمهورية الصغيرة الهادئة تقليدياً في شرق أوروبا منعطفاً سياسياً حاداً عكسَ تصاعد مزاج النقمة على الفساد المستشري والرغبة في دخول عهد جديد.

قال أحد الخبراء الروس البارزين تعليقاً على فوز شابوتوفا، في الانتخابات لتغدو أول امرأة سلوفاكية تجلس على مقعد الرئاسة في تاريخ البلاد، إن «ظاهرة شابوتوفا شكلت استجابة للرغبة في التغيير والعدالة، ووجهة جديدة في السياسة، أتت ليس من أعلى، وليس من أسفل، ولكن من حيث يوجد الدليل على أن العدالة تمتلك مقومات لحماية ذاتها».
غدت سوزانا شابوتوفا خامس رئيس للجمهورية السلوفاكية وأول امرأة تُنتخب لهذا المنصب منذ إعلان الاستقلال في عام 1993. وتبدو نسبة الأصوات التي حصلت عليها في الجولة الانتخابية التي جرت أخيراً كبيرة، بالمقارنة مع الاستحقاقات المماثلة عادة في أوروبا، فهي حصدت أصوات 58 في المائة من الناخبين، متقدمة بشكل واضح على خصمها الدبلوماسي، وعضو المفوضية الأوروبية ماروس شيفتشوفيتش الذي أقر بالهزيمة، وأرسل باقة من الزهور إلى السيدة التي غدت تحمل اللقب الرئاسي. ومع كونها أول سيدة تحصل على المنصب، فهي تُعدّ حالياً أصغر رئيس في تاريخ البلاد، إذ احتفلت في 21 يونيو (حزيران) الحالي، ببلوغها 46 سنة.
وقد تكون الكلمات الأولى التي قالتها شابوتوفا بعد أداء القسم الدستوري أفضل تعبير عن قناعاتها ورؤيتها لدورها في المنصب الجديد، فضلاً عن الانسجام مع مسيرة حياتها التي قضت الجزء الأعظم منها في مدينتها الصغيرة. فهي أعربت عن سعادتها «ليس فقط بالنتيجة التي حصلت عليها، ولكن أيضاً بظهور فرصة لعدم الخضوع للشعوبية، ولرفع الصوت بالحديث عن الحقيقة وجذب الانتباه إلى القضايا العادلة، والتخلي عن لغة العدوان».
تلخص الإشارة إلى هزيمة التيار الشعوبي في سلوفاكيا منطلقاً مهماً لتقييم رؤية المحامية السلوفاكية للمسار الذي يجب أن تسلكه بلادها، فهي تشير هنا إلى المحافظة على الاتحاد الأوروبي وسياسة الاندماج، على العكس من المزاج القومي الذي برز في كثير من الدول الأوروبية، بما في ذلك في المجر (هنغاريا) وبولندا والنمسا. عملياً، يبدو نجاح شابوتوفا نجاحاً للتيار المتمسك بالقيم المشتركة للاتحاد الأوروبي وبالمصالح المشتركة في منطقة اليورو، ودفعة إضافية للمطالبين بمزيد من التكامل.

- المحامية العنيدة حارسة البيئة
لا يمكن بطبيعة الحال المبالغة في التوقعات السياسية، خصوصاً لأن سلوفاكيا تُعدّ جمهورية برلمانية. ورغم امتلاك الرئيس صلاحيات كثيرة، لكن القوة الرئيسية تتركز في أيدي رئيس الوزراء. ورغم ذلك، يرى كثيرون أهمية خاصة لهذا الصعود الكبير لنجم المحامية التي بالكاد كانت الأوساط السياسية في بلدها ترشحها لدخول المعترك الرئاسي قبل عام واحد. ومع أنها كانت ناشطة اجتماعية ومدافعة نشطة عن البيئة النظيفة، فإن نشاطها السياسي كان فقيراً، واقتصر على كونها عضواً في الحزب الليبرالي «سلوفاكيا التقدمية» الذي تم تسجيله رسمياً في نهاية عام 2017. ولم يحظَ بتمثيل بعد في البرلمان، كما لم يحقق وزناً سياسياً في البلاد، وبات معلوماً بعد انتخابها أن شابوتوفا تنوي الانسحاب من الحزب حتى تحافظ على مسافة واحدة مع كل القوى السياسية في البلاد.
ولا تخفي الرئيسة الجديدة افتقارها للخبرة السياسية العملية، إذ اقتصر نشاطها السياسي على عملها نائبةً لرئيس إدارة مدينة بيزينوك.
لكن هذه البلدة الصغيرة في الجنوب الغربي من البلاد التي لا يزيد عدد سكانها على 20 ألف نسمة، كان لها الدور الحاسم في رسم ملامح شخصية المحامية وبلورة أهدافها العملية، فهي نشأت هناك في أسرة عاملة، وفيها درست، وخاضت تجربة زواج خرجت منها بابنتين تبلغان من العمر 15 و18 عاماً. ورغم طلاقها من زوجها لكنها فضلت الاحتفاظ باسم عائلته شابوتوف.
حصلت الرئيسة الجديدة على شهادة في القانون من جامعة كومينيوس في براتيسلافا. وهي ذكرت في مقابلة صحافية أخيراً، أنه عندما بدأ زملاء الدراسة في اليوم الأول من الدراسة في مناقشة سبب اختيار كل منهم للقانون كمهنة للمستقبل، اتضح أنه لم يكن لدى أي من الطلاب الثلاثين في الفصل دوافع مالية. لم تكن شابوتوفا مهتمة أيضاً بالجانب المادي، وهو أمر برز خلال حياتها العملية لاحقاً، إذ ناضلت من أجل حقوق النساء والأطفال، وعملت لمدة 16 عاماً في قطاع غير ربحي ناشطة في جمعية مدنية عملت في مجال حماية حقوق الإنسان وتطوير الديمقراطية وتحسين نوعية حياة المواطنين وحماية الطبيعة والبيئة عبر الوسائل القانونية.
خلال عملها في هذه المؤسسة برزت «قضية عمرها» التي حولتها إلى مناضلة للحفاظ على البيئة، إذ واجهت قراراً بإنشاء مكبّ للنفايات بالقرب من مبان سكنية في مسقط رأسها، وخاضت معركة قضائية استمرت لمدة 14 عاماً وانتهت بفوزها بإلغاء القرار بعدما حشدت تأييداً شعبياً واسعاً، وأوصلت القضية إلى المحكمة الأوروبية العليا.
وقالت في وقت لاحق إنها واجهت محاولة لإنشاء مكب ضخم للنفايات يصل حجمه إلى نحو 12 ملعباً لكرة القدم، على بعد 280 متراً من المباني السكنية. واللافت في الموضوع أن شابوتوفا المحامية قادت احتجاجات شعبية وشكاوى قضائية في وجه أحد أبرز «حيتان المال» في بلادها، وهو رجل الأعمال ماريان كوشنر، الذي ارتبط اسمه بالجريمة المنظمة، وهي اعترفت في وقت لاحق بعد حسم المعركة لصالحها بأنها كانت خائفة على حياتها وعلى حياة ابنتيها، ولفترات طويلة لم تكن تسمح لهما بالتجول أو القيام بنزهات من دون مرافقة دقيقة.
في عام 2016 تم تقييم عمل شابوتوفا، إذ حصلت على جائزة «غولدمان»، وهي الجائزة الأهم التي تُمنح للناشطين في مجال حماية البيئة، وغالباً ما يُطلق عليها «نوبل الخضراء».
أهمية المواجهة مع ماريان كوشنر أن اسمه عاد إلى الواجهة مع الأحداث التي شهدتها البلاد خلال العام الأخير، وربما تكون هذه المصادفة لعبت دوراً أساسياً في اتخاذها قرار خوض المعترك الانتخابي.
ففي مارس (آذار) الماضي، اتُّهم كوشنر بالتورط في جريمة اغتيال الصحافي الاستقصائي يان كوتسيك الذي كان معروفاً بتحقيقاته التي تواجه الفساد، وقُتل مع خطيبته مارتينا كوشنيروفا العام الماضي. وأثار الحادث موجة سخط واسعة النطاق في البلاد، خصوصاً بعدما برزت محاولات للتواطؤ وإغلاق ملف الجريمة من جانب السلطات. في تلك الفترة أعلنت شابوتوفا نيتها خوض معترك السياسة، وقالت لصحافيين: «يجب أن تشهد البلاد تغييراً، وأريد أن أشارك في حدوث هذا التغيير».

- رياح التغيير
بدأت الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد، وغيّرت مسار حياة شابوتوفا تماماً، قبل عام كامل. بعد وقت قصير من العثور على الصحافي يان كوتسيك مقتولاً في منزل بالقرب من براتيسلافا. لم يكن لدى الشرطة أو الجمهور أي شك في أن جريمة الاغتيال مدبَّرة، وأن هياكل الجريمة المنظمة تقف وراءها. كان كوتسيك البالغ من العمر 27 عاماً أجرى سلسلة تحقيقات استقصائية في ملف الاحتيال المالي، وأبرز تهرباً واسعاً من دفع الضرائب لدى شخصيات بارزة ورموز النخبة السياسية في البلاد، بما في ذلك رئيس الوزراء روبرت فيكو. في المقال الأخير المنشور للصحافي، أكد كوتسيك أن فيكو مرتبط بهياكل الجريمة المنظمة في إيطاليا.
كانت هذه أول جريمة اغتيال سياسي صاخبة في الجمهورية الهادئة والمسالمة، وقد هزّت المجتمع بقوة. خرج نحو 25 ألف شخص إلى شوارع براتيسلافا، مطالبين باستقالة فيكو على الفور. وسرعان ما اندلعت مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد. لم يُشهَد هذا التضامن في شوارع سلوفاكيا منذ أحداث عام 1989 التي أدت إلى انتقال تشيكوسلوفاكيا في ذلك الحين إلى المعسكر الغربي. وأكد فيكو عدم وجود صلة له بعملية الاغتيال، في حين اتجهت أصابع الاتهام إلى رجل الأعمال الموقوف ماريان، لكن رئيس الوزراء سرعان ما اضطر لتقديم استقالته تحت ضغط الحراك في الشارع، وأعلن حل الحكومة في منتصف مارس (آذار).
في هذه الأجواء من عدم الثقة بالسلطات، كان ينبغي أن يظهر شخص ما من شأنه أن يتحدى النخبة الحاكمة، وأصبحت شابوتوفا هذا الشخص، داعية المواطنين إلى «التمرد على الشر». أعلنت قرارها الترشح للرئاسة بعد أسبوعين من استقالة فيكو، وقالت إن مكافحة الفساد الهدف الرئيسي لبرنامجها. بالإضافة إلى ذلك، استطاعت أن تجمع حولها معارضة غير ممثلة في البرلمان ذات توجه ليبرالي تمثل مختلف الجماعات العرقية والاجتماعية. وعدت شابوتوفا أيضاً بدعم حق المرأة في الإجهاض، وأيّدت حقوق المثليين.

- إيرين بروكوفيتش... السلوفاكية
سرعان ما تحولت السياسية الصاعدة إلى رمز للتغيير، وعقدت وسائل الإعلام مقارنات بين مسيرتها ومسيرة المحامية الأميركية والناشطة في مجال حماية البيئة إيرين بروكوفيتش، التي تحولت سيرتها الذاتية إلى فيلم سينمائي قدمته جوليا روبرتس. كان التشابه كبيراً إلى حد لافت: محامية تربّي طفلين بعد الطلاق، عارضت بناء مكب نفايات في مسقط رأسها، وبعد أربعة عشر عاماً من المواجهة كسبت المعركة. وهناك ناشطة بيئية ومحامية خاضت معركة كبرى أيضاً، واشتهرت بسبب قضيتها ضد شركة «باسيفيك» للغاز والكهرباء في ولاية كاليفورنيا، عام 1993.
ثمة إشارات بالطبع إلى أن مهمة الرئيسة الجديدة لن تكون سهلة. ويقول بعضهم إن شابوتوفا ستناضل من أجل العدالة منذ لحظة أداء القسم الدستوري على الجانب الآخر من المتاريس، أي من داخل السلطة. ويُتوقع أن تعمل على تنفيذ النقاط الرئيسية في برنامجها الانتخابي في خصوص حماية البيئة، لا سيما وعدها بوقف إزالة الغابات. وخلال حملتها الانتخابية أيضاً، وعدت شابوتوفا بالقضاء على الفساد، وزيادة الإنفاق الاجتماعي، وإصلاح النظام القضائي.
شابوتوفا تشاطر وجهات النظر الحديثة حول مؤسسة الأسرة، وتدافع عن حماية حقوق المرأة في الإجهاض، لكن دعمها لمجتمع المثليين أثار الكنيسة ضدها، وقال رئيس أساقفة ترنافا الحالي، يان أوروش، إن التصويت لشابوتوفا سيكون «خطيئة خطيرة». وقد ردت ناشطة حقوق الإنسان عليه، خلال حملتها الانتخابية، بشكل دبلوماسي، وقالت في إحدى خطبها: «يمكنك أن تتدخل في السياسة برأيك الخاص، من دون أن تكون عرضة للشعبوية. يمكنك أن تكون قوياً وواثقاً من دون الخطب العدوانية والهجمات الشخصية».

- حوار مع روسيا ومقارنات مع أوكرانيا
حددت شابوتوفا ملامح خطواتها الأولى السياسية بعد أداء اليمين الدستورية. فهي مع تمسكها ببرامجها الداخلية أكدت على مواصلة سياسة الاندماج مع الاتحاد الأوروبي والدفاع عن سياساته، وهي في الوقت ذاته أبدت انفتاحاً على الحوار مع روسيا التي بات هاجس تدخلها في الاستحقاقات الانتخابية في الغرب مصدر قلق للسياسيين الغربيين. قالت شابوتوفا إنها ترى ضرورة إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، وأيدت موقف الكرملين المعارض لممارسة ضغوط عبر فرض سياسات العقوبات. هذه العبارات تلقفتها موسكو بحماسة، وتناقلتها وسائل الإعلام الروسية بقوة.
في الوقت ذاته، يعقد كثيرون في روسيا مقارنات لافتة بين نتائج الانتخابات الرئاسية أخيراً، في سلوفاكيا، التي فازت بها شابوتوفا، والاستحقاق الانتخابي الرئاسي قبل ذلك في أوكرانيا الذي حمل إلى مقعد الرئاسة الممثل الهزلي فلاديمير زيلينسكي. وبالفعل فإن بين الحدثين عناصر متشابهة كثيرة. في الحالين جاء الرئيس من خارج النخب السياسية وبشكل مفاجئ قلب توقعات المراقبين. وفيهما برز شعار مكافحة الفساد ومواجهة تحكم بعض «حيتان المال» في مفاتيح القرار. وفي البلدين أظهرت النتائج انقلاب الناخبين على التيارات الشعبوية والقومية لصالح خطط الإصلاح الليبرالي. وفي البلدين كان مزاج التغيير والرغبة في دخول عهد جديد العنصر الأهم الذي حمل مرشحاً عديم الخبرة تقريباً بالسياسة إلى مقعد الرئاسة. يبقى أن تأثير شابوتوفا على سياسات الكرملين محدود، بينما تراقب موسكو بحذر شديد كل خطوة يقوم بها الرئيس الأوكراني الجديد.


مقالات ذات صلة

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

حصاد الأسبوع مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

بات «قوت الشعب» الليبي ومقدراته ورقة ضغط سياسي في لعبة الصراع على السلطة والنفوذ والمال بين «حكومتي» شرق ليبيا وغربها، وسط معركة تدور رحاها ظاهرياً حول شخص

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع عندما اختاره الرئيس سعيّد وزيراً للشؤون الاجتماعية، ثم رئيساً للحكومة يوم 7 أغسطس، أخذ في الحساب خلفيته الإدارية وخبرته الطويلة في الملفات النقابية والسياسية

كمال المدّوري... رئيس حكومة تونس الجديد أكاديمي مستقل أولويته «الأمن الاجتماعي»

فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيّد المراقبين السياسيين داخل البلاد وخارجها، الذين كانوا يتابعون «مستجدات ملفات الانتخابات الرئاسية»، فأعلن قبل أسابيع من الموعد

حصاد الأسبوع الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)

معظم رؤساء الحكومات التونسية ولدوا في منطقة «الساحل»

يتحدّر أغلب رؤساء الحكومات في تونس منذ أواسط خمسينات القرن الماضي من منطقة «الساحل» (وسط الشاطئ الشرقي لتونس)، موطن الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة

«الشرق الأوسط» (تونس)
حصاد الأسبوع مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)

هل تتوسّط الهند لإحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا؟

هل يسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للجلوس على طاولة المباحثات؟ بعد الزيارة

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

في محاولة لسد الفراغ القيادي في بنغلاديش، ولو بصفة مؤقتة، عُيّنَ محمد يونس الحائز على «جائزة نوبل» والخبير الاقتصادي، كبير مستشاري الحكومة المؤقتة المدعومة من

براكريتي غوبتا (نيودلهي)

أميركا: تحذيرات إلى هاريس من الركون لأرقام الاستطلاعات... وهزيمة ترمب ليست حتمية

الرئيس بايدن يلقي كلمته في المؤتمر (بلومبرغ)
الرئيس بايدن يلقي كلمته في المؤتمر (بلومبرغ)
TT

أميركا: تحذيرات إلى هاريس من الركون لأرقام الاستطلاعات... وهزيمة ترمب ليست حتمية

الرئيس بايدن يلقي كلمته في المؤتمر (بلومبرغ)
الرئيس بايدن يلقي كلمته في المؤتمر (بلومبرغ)

بعد مرور أكثر من شهر على المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، الذي ثبّت رسمياً ترشيح الرئيس السابق دونالد ترمب ونائبه جيمس دي فانس، لخوض سباق الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أنهى الحزب الديمقراطي، الخميس، مؤتمره الوطني بتأكيد ترشيح كامالا هاريس ونائبها حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، على بطاقة السباق نفسه. المؤتمران أظهرا حملتين رئاسيتين تجسّدان هويتين ثقافيتين واجتماعيتين مختلفتين للغاية، وقدّما تناقضاً صارخاً للناخبين ولمستقبل الولايات المتحدة. ولقد بدا الانقسام أكثر وضوحاً من أي وقت مضى منذ انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق، ما أدى إلى قلب سباق كان يضم رجلين أبيضين وُلدا في الأربعينيات من القرن الماضي، مفسحاً المجال لامرأة أصغر سناً ومتعددة الأعراق أن تحل محله. ولكن مع هذا، لا يزال على حملة الحزب الديمقراطي أن تختصر الزمن في عملية تقديم هاريس، ليس للناخب الأميركي فقط بل لجمهور الحزب نفسه، الذي بدا قبل شهر وكأنه استسلم لاحتمال أن ترمب عائد إلى البيت الأبيض.

في خطاب كامالا هاريس قبولها ترشيح الحزب، قدمت نائبة الرئيس الحالية سردية شخصية ركّزت على أنها نتاج عائلة من الطبقة المتوسطة جعلت من العمل الدائم في حياتها هو الدفاع عن الناس، ومقارنة رؤيتها للمستقبل مع «الخطط المظلمة والخطيرة» لدونالد ترمب.

أمام الديمقراطيين الذين يتطلعون عبر هاريس للحفاظ على الزخم الذي اكتسبوه، وتحديد وتيرة الحملة، أقل من 75 يوماً لبناء حيثيتها. وهي، بخلاف شخصيات مثل باراك أوباما وبيل كلينتون، لم تكن معروفة أبداً بخطبها الحماسية، كما أنها بحاجة إلى تغيير صورة «المدعية العامة». ومع ذلك، يقول العديد من الديمقراطيين إن اجتماعاتها الحاشدة منذ أصبحت المرشحة الرئاسية أظهرت ارتياحاً أكبر لدورها.

الظهور المفاجئ لكمالا هاريس في الليلة الأولى من فعاليات المؤتمر الوطني الديكقراطي في شيكاغو (آ ب)

شعار ديمقراطي جديد

ومقابل تمسك ترمب بشعاره الشهير، الذي رفعه قبل 8 سنوات، «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، غيّرت هاريس وحزبها الديمقراطي شعار «الدفاع عن الديمقراطية»، الذي رفعته حملة بايدن قبل انسحابه من السباق، بشعار «الدفاع عن الحرية». وحول ذلك، يقول الديمقراطيون إنه لهزيمة ترمب، لا يكفي فقط التحذير من خطره على الديمقراطية، بل من برنامجه «المعادي للحرية»، مستشهدين بالوثيقة الجمهورية المسماة «مشروع 2025»، التي يرون أنها تروّج لخنق الحريات وتحويل الحكومة إلى «أتباع» لترمب.

يوم الأربعاء الفائت، خصّص برنامج المؤتمر بأكمله لموضوع «الكفاح من أجل حرياتنا»، لإعادة تعريف أخطار السباق، عله يعطي الديمقراطيين دفعة جديدة، ويلقى صدى لدى الناخبين، وبالأخص لدى المستقلين ذوي الميول اليمينية، والجمهوريين الساخطين، الذين تكلم بعضهم في اليوم الثاني للمؤتمر، عن ترمب وخطورته.

بالتوازي، في تجمع انتخابي لهاريس ووالز في مدينة ميلووكي، بولاية ويسكونسن، ليلة الثلاثاء، جرى بث جزء منه في مؤتمر الحزب في شيكاغو، رُفعت لافتات «الحرية»، وصرخت هاريس: «هل نؤمن بالحرية؟»، ليردّد الحشد: «نعم».

مراقبون عدّوا اختيار هاريس هذا الشعار، وسيلة أفضل لاستخدامها في التعبير عن الكثير من القضايا ذات التأثير الملموس على حياة الناس اليومية، بما في ذلك حق الإجهاض، والحق في اختيار التعليم، والسيطرة على الأسلحة والاقتصاد. ووفق بريان فالون، الناطق باسم حملة هاريس: «النقطة الأساسية لنائبة الرئيس هي نفس نقطة أولئك الذين يتذرّعون بالديمقراطية، لكنها تعتقد أن مناقشتها من حيث الحريات الأساسية تجعلها ملموسة أكثر فيما يتعلق بما سيخسره الأميركيون في ظل رئاسة ترمب».

الرئيس الأسبق بيل كلينتون... يحيي ويخطب ويهاجم ترمب (غيتي)

الديمقراطية ليست حافزاً

تقول صحيفة «الواشنطن بوست» إن ما دفع هاريس لتغيير شعار بايدن، هو استطلاعات الرأي التي أظهرت أنه في الفترة التي سبقت انسحابه من السباق، وتخلّفه بشكل كبير، لم تعُد رسالة «الديمقراطية» حافزاً، وأن أعداداً كبيرة من ناخبي ست ولايات فاز بها بايدن بفارق ضئيل عام 2020، قالوا إنهم يثقون بترمب في التعامل مع التهديدات للديمقراطية أكثر من بايدن. وذكر معظمهم أن الضوابط الموضوعة لحماية المؤسسات الديمقراطية ستصمد، حتى لو حاول ديكتاتور السيطرة على البلاد.

يُذكر هنا أن ترمب كان قد أعلن أنه سيكون ديكتاتوراً في «اليوم الأول»، ولكن ليس بعد ذلك. وكرّر الادعاء أنه «المدافع الحقيقي» عن الديمقراطية؛ لأنه يحارب الملاحقات القضائية التي ترقى إلى مستوى «التدخل في الانتخابات».

وبالأمس، صوّر كبار الديمقراطيين استخدامهم لكلمة «الحرية» على أنه استعادة للمعتقد الأميركي الأساسي الذي ظل لفترة طويلة حكراً على الحزب الجمهوري. وحقاً تساءل السيناتور تشارلز شومر، زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، يوم الأربعاء: «من كان يظن أن الحرية ستكون شعار الحزب الديمقراطي، وليس الحزب الجمهوري؟».

مع هذا، بدا أن مؤتمر الحزب الديمقراطي لم يتمكن بعد من جسر الهوة التي لا تزال تشير إلى مسألة الفوز في السباق الرئاسي، والحفاظ على سيطرته على مجلس الشيوخ، وتجديد سيطرته على مجلس النواب، ليست مضمونة.

على الأقل هذا ما أشار إليه العديد من قيادات الحزب، وعلى رأسهم الرئيس السابق أوباما وزوجته ميشيل، في خطابيهما أمام المؤتمر.

هزيمة ترمب ليست حتمية

وما يعزز تلك المخاوف هو أن استطلاعات الرأي، ورغم إظهارها تحسّن أرقام هاريس وتقدّمها في بعض الولايات المتأرجحة، لتظهر أيضاً أن السباق متقارب، وأن هزيمة ترمب والجمهوريين، قد لا تكون سهلة.

وفي هذا الاتجاه، نقلت صحيفة «النيويورك تايمز» عن ديفيد أكسلرود، المستشار السابق لأوباما، تحذيره للديمقراطيين بأن عليهم ألا ينخدعوا بأرقام استطلاعات الرأي الجيدة التي حققتها هاريس؛ «لأن استطلاعات الرأي غالباً ما تقلل من شأن الدعم الحقيقي لترمب». وتابع أكسلرود: «نعم، على الجميع أن يدركوا تماماً أن هذا سباق يمكنه الفوز به... وفي الواقع، إذا أجريت الانتخابات اليوم، أعتقد أنه سيفوز، على الرغم من تلك الاستطلاعات».

من جهة ثانية، بينما يعرض المرشّحون وتجمّعاتهم وفعالياتهم الانتخابية، جانبين منقسمين من أميركا، حسب التركيبة السكانية والمحاور الثقافية، وليس فقط حول الحزب والسياسة، تظهر الاستطلاعات أن حركة ترمب التي تغذيها المظلومية، مليئة بالحنين إلى الماضي وفترة ولايته، والخوف والغضب من كيفية تغيير الهجرة والعلمنة لتركيبة البلاد الديمغرافية على حساب البيض.

ترمب أطلق بالأمس تحذيرات خطيرة بشأن أمن الحدود الجنوبية، كما وعد باتخاذ إجراءات صارمة ضد «جنون المتحولين جنسياً»، وتمسّك بادعاءاته حول خسارته زوراً انتخابات عام 2020، وقلل من شأن منتقديه وتعهد بالانتقام من أعدائه المفترضين. وحول ما سبق، علّق أكسلرود بأن لدى ترمب «عبقرية قاسية» في إثارة مناصريه، وسوف يتوجهون إلى صناديق الاقتراع للتعبير عن سخطهم. وأردف أن الاستطلاعات لا تزال تشير إلى أن الولايات المتحدة «دولة تسير على المسار الخاطئ بنسبة 65 في المائة، ولا تزال رسالة ترمب بأن العالم خارج نطاق السيطرة يتردّد صداها».

في المقابل، نجحت هاريس بالحصول على «طاقة جديدة» من الناخبين الشباب والأشخاص الملوّنين الذين يقولون إنهم يشعرون بالقلق من أن ترمب سيعيد أميركا إلى الوراء، حيث تواجه النساء والملونون ومجتمع المثليين وغيرهم المزيد من التحديات. وهو ما عبرت عنه في خطابها أمام المؤتمر الذي حرص على دفع الحشود إلى إطلاق صيحات الاستهجان ضد ترمب، وعلى ارتياحهم في إشارتها إلى «المستقبل»، الذي كان من المتعذّر ربطه ببايدن.

«التقدميون» يدعمون هاريس رغم غزة

هنا، لا يخفى أن شريحة واسعة من هذا الجمهور تدين بالولاء للتيار «التقدمي» الذي نجح خلال السنوات الأخيرة في دفع الحزب لتبني بعض أجندته إزاء السياسة الاقتصادية وتغير المناخ والعلاقات الدولية. إلا أنه بعد فشله في دفع الحزب لتبني المزيد من برامجه، شعر كثيرون من هذا الجناح وكأنهم ينتصرون في الحرب الآيديولوجية من خلال احتضان الرئيس بايدن لبعض أكثر أولوياتهم ليبرالية.

ولكن مع استمرار الحرب في غزة، بدأ «التقدّميون» يتساءلون عن حجم التغيير الذي يمكنهم إحداثه داخل الحزب. ورغم أنهم أصيبوا بخيبة أمل من بايدن وهاريس بسبب دعمهما لإسرائيل، فقد فرضت مخاوفهم من عودة ترمب واحتمال تراجعه عن السياسات الأكثر ليبرالية؛ كرفع الحد الأدنى للأجور، وتوسيع برامج شبكات الأمان الاجتماعي، والترحيب بالمهاجرين، عليهم الالتفاف حول هاريس.

هكذا منح «عميد» هذا التيار، السيناتور بيرني ساندرز، والنائبة الكساندريا أوكاسيو كورتيز، تأييدهما الواضح لهاريس، رغم مطالبتهما بوقف الحرب «فوراً» في غزة. وقال النائب «التقدمي» رو خانا إنه على الرغم من أنه قد يختلف مع قادة حزبه بشأن بعض القضايا، لا سيما الوضع في غزة، فهو يدرك أن التهديد الأكبر الذي سيواجهه «التقدميون» سيكون إذا عاد ترمب إلى منصبه، مضيفاً: «إن حركة بيرني تدرك أخطار الانتخابات وتدعم بطاقة هاريس - والز».

وللعلم، شكّك كثيرون في أن يكون أنصار التيار «التقدمي» يقفون وراء الاحتجاجات التي نظمت للضغط على المؤتمر في قضية غزة، نظراً لضآلة عدد المشاركين فيها، ولمحوا إلى احتمال أن تكون مدفوعة من أطراف «خارجية».

تعريف هوية هاريس السياسية

في هذه الأثناء، بينما سعى الديمقراطيون لترسيخ صورة هاريس بوصفها وطنية أميركية من الطبقة المتوسطة، واصل ترمب وصفها بأنها «تشبه بايدن» - بل وصفها بـ«الشيوعية» التي تمثل الماضي والتضخم - وحاول إقناع الناخبين بأنهم كانوا أفضل حالاً إبّان فترة حكمه، وبأن أجندته التطلعية ستنقذ الاقتصاد، وتوقف أزمة الحدود الجنوبية، وتستعيد السلام من خلال القوة بعد الفوضى في جميع أنحاء العالم.

بما يخصها، حرصت هاريس على تأكيد صورتها مدعيةً عامة صارمة، ولكن رحيمة. وربطت سيرتها الذاتية بأفكار سياسية، مثل خطتها التي أعلنتها أخيراً لخفض أسعار المواد الغذائية، مؤكدة أنها تفهم الطبقة المتوسطة بطريقة لا يفهمها ترمب الثري.

أخيراً، بينما يقول حلفاء ترمب إنهم يريدون منه التركيز على الاختلافات السياسية بدلاً من التهجمات الشخصية، بحجة «أن لدى الرئيس السابق الفرصة لتعريف هاريس بناءً على مواقفها السياسية الأكثر ليبرالية»، تخلت هاريس عن تلك المواقف، حين تنصلت من برنامج «الرعاية الطبية للجميع»، وتراجعت عن دعمها لحظر التكسير الهيدروليكي، وأوضحت أنها لن تلغي وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك.