تستعد فاطمة فايع الألمعي، أشهر المبدعات في فن النقش العسيري (وهو فن تزيين الحوائط والبيوت بالألوان الطبيعية) لافتتاح متحف صغير يضم الألبسة التقليدية وتحفيات القط (النقش) العسيري، التي عملت على تجميعها خلال عشر سنوات ماضية، في محاولة لجمع إرث ثقافي عن النقش في منطقة عسير.
وقالت الألمعي لـ«الشرق الأوسط»: «إن الفكرة ولدت نتيجة عشقها لهذا الفن»، مبينة أن النقش «القط» عبارة عن خطوط ونقوش وتشكيلات جمالية تقوم بعملها نساء متخصصات في هذا المجال، وهذا الفن الشعبي لم تتعلمه الألمعيات (نساء محافظة رجال ألمع) في مدارس فنية أو معاهد متخصصة، ولكنه وحي من الواقع، فكل لون كان يمثل إحساسا معينا، وكل شكل كان يرمز إلى شيء حل بالنفس واستقر في الأعماق.
ووصفت الألمعي فكرة المشروع بأنها حلم للحفاظ على تراث المنطقة من الاندثار، مبينة أنها عملت على تطوير التراث، وتابعت: «إن المتحف سيضم أكثر من 300 قطعة، عبارة عن ألبسة وحلي مصنوعة من الفضة والنقش العسيري المشغول على الجدران والأواني الفخارية والكراسي (التختات)، واللوحات، والأباجورات، والصناديق».
وأشارت فايع إلى أن الكثير من أهالي عسير عملوا على افتتاح متاحف ملحقة في منازلهم تحكي تراث وحضارة المنطقة، مبينة أن هذا الفن يعكس حضارة وتراث المنطقة، مشيرة إلى أنه يجب الحفاظ على هذا الفن من خلال تنفيذ دورات تدريبية للفتيات والفنانات لتعلم أسرار هذا الفن.
وقالت فايع: «تعلمت هذا الفن من فنانة كبيرة بالمنطقة، وهي فنانة بالفطرة، تدعى فاطمة أبو قحاص، التي كان لها دور كبير في تخليد هذا الفن، الذي يسمى النقش الألمعي، من خلال تلقينها لهذا الفن لعدد من السيدات».
وعن أساسيات هذا الفن، قالت إنه «يتكون من مجموعة نقوش، منها الختمة والبترة، والحظية، والبنسلة، والعمري، والسكروني، وأرياش، وبنات وعمري، حيث إن كل لون من هذه الألوان يضم لونية وشكلية معينة».
وأضافت: «إن النقش الألمعي يستمد خاماته من الطبيعة، ويستخدم في تزيين المنازل والجدران والأدوات المنزلية، وأنها أخذت تشكل هذه النقوش على الأواني المنزلية والتحفيات لتعطيها منظرا متميزا».
وعن أهم ما يميز النقش الألمعي، أفادت بأنه يتميز بالألوان الطبيعية مثل الأزرق، والبرتقالي، والأخضر، والأبيض، والأسود، وكانت المرأة قديما تستخرج هذه المواد اللونية من الطبيعة لتزين منزلها، مما يؤكد الحس الفني للمرأة في عسير، وشعورها المرهف، وتحسسها لجماليات الطبيعة.
وبينت فاطمة أنها تستخدم حاليا في نقوشها أقدم أنواع «البويات»، مبينة أن العمل يستغرق من أسبوع إلى نصف شهر، تبعا لطبيعة النقش وحجم اللوحة المنقوشة.
وقالت: «إن هذا الفن يمثل هوية المنطقة، وإن حبها لهذا النقش جعلها تصر على تعلمه»، مشيرة إلى أن دعم زوجها الكاتب علي مغاوي جعلها تزداد إصرارا على تعلم هذا النقش الذي تحب أن تورثه لبناتها، وحذرت من اندثار هذه النقوش بموت السيدات كبيرات السن اللاتي يتقن هذا الفن، مشيرة إلى أن عدد النساء اللائي يقمن بالتدريب على هذا الفن في رجال ألمع قليل، وذكرت منهن زهرة فايع، وشريفة محمد مهدي، وفوزية بارزيق.
وختمت الألمعي قائلة: «إنني الآن مدربة معتمدة من مركز الفكر الناجح، أقدم دورات تدريبية في النقش العسيري، لذلك سأقوم بوضع مركز لتقديم دورات تدريبية، حيث إنني دربت أكثر من 150 سيدة في رجال ألمع، بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون وجمعية آباء».
من جانبه، قال الكاتب علي مغاوي إن النقش الألمعي فن رمزي لا يوجد به صورة لمخلوق، وهو يحمل رموز البيئة، ومن أنواعه البترة، والحظية، والختام، والتقطيع والعمري، وكان في الماضي عبارة عن جداريات تعد في المنازل من الداخل، وتطور الآن مع التسويق إلى لوحات. وقال مغاوي: «إن البيئة التي عاشتها المرأة في عسير انعكست لتكون لوحات شعبية رائعة، منها ما كان يرمز إلى تعلق الإنسان بربه، وعبرت عنه بالمحاريب، ومنها ما كان يرمز إلى مصدر رزق هؤلاء السيدات ورزق أولادهن».
وأضاف: «استخدمت الألمعية في عمل هذه النقوش الألوان التي تستطيع تكوينها من خلال العناصر الموجودة في بيئتها، فالأسود من الألوان الرئيسة التي لا غنى لها عنها، وطريقة استخراجه والاستفادة منه تقوم على جمع الفحم ثم طحنه، وإضافة الصمغ عليه، حتى يصبح أكثر لمعانا وجاهزا للدهن، واللون الأحمر أو ما يطلق عليه (الحسن) كانت طريقة الحصول عليه جمع عدد من الأحجار حمراء اللون المختلفة المصادر، ويضاف عليها شيء من المر والأرز المحمص، ويطحن في مطاحن يدوية، حتى يصبح أكثر دقة وجاهزية للاستعمال، والأصفر والأزرق والأخضر ألوان كانت تأتي عن طريق عدد من التجار الذين يجلبونها إلى بلدة رجال ألمع، ثم تؤخذ هذه الألوان التي تختلف في تكوينها، وتطحن ويضاف إليها مادة الصمغ، حيث إن الصمغ من المواد الأساسية في النقش الألمعي».
وقال مغاوي: «إن فاطمة أبو قحاص تعد رائدة النقش الألمعي، وقد فازت بإحدى جوائز ملتقى أبها»، وأضاف: «إن هذا الفن الذي يعتمد على الزخرفة بشكل هندسي وبنقوش، امتداد للفن الإسلامي، وهو ينتقل بالوراثة، وتجيده معظم النساء، ولا يخلو منه أي بيت عسيري قديم، فتجد الجداريات الجميلة المزخرفة بألوان وأشكال تجمع بين البراعة والحس الفني والدقة في تصميمها، وبأدوات كلها من إنتاج البيئة نفسها، وهي تبرز مدى امتلاك المرأة العسيرية للذوق والحس الفني، والهندسي أيضا»، مبينا ضرورة تخليد هذا الفن بتعليمه للفتيات.
أشهر مبدعة في النقش العسيري تفتتح متحفا يضم 300 قطعة من الموروث الشعبي
حذرت من اندثار النقوش برحيل كبيرات السن اللاتي يتقن هذا الفن
أشهر مبدعة في النقش العسيري تفتتح متحفا يضم 300 قطعة من الموروث الشعبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة