الجزائر: إحالة رئيس وزراء ووزيرين سابقين للمحكمة العليا بتهم الفساد

TT

الجزائر: إحالة رئيس وزراء ووزيرين سابقين للمحكمة العليا بتهم الفساد

أحالت النيابة العامة في الجزائر ملف رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، المسجون مؤقتا، على المحكمة العليا مع ملفات وزير السياحة الحالي، ووزراء وولاة سابقين في قضايا فساد، تتعلق برجل الأعمال محيي الدين طحكوت المسجون بدوره.
وجاء في بيان للنيابة العامة، نشرته وكالة الأنباء الجزائرية أمس: «أحالت النيابة العامة لدى مجلس قضاء الجزائر... إلى السيد النائب العام لدى المحكمة العليا ملف التحقيق الابتدائي... في شأن الوقائع ذات الطابع الجزائي، المنسوبة للمدعو طحكوت محيي الدين ومن معه، وفي شقه الخاص بالإطارات والموظفين السامين».
وذكر البيان قائمة من عشرة مسؤولين كبار يستفيدون من «الامتياز القضائي»، المنصوص عليه في قانون الإجراءات الجزائية، بحيث لا يمكن التحقيق معهم سوى لدى المحكمة العليا.
ويتقدم رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، المعتقل منذ أسبوع، قائمة المتابعين في قضية رجل الأعمال النافذ محيي الدين طحكوت، الذي يملك مصنعا لتجميع السيارات، ويعدّ قريباً من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. كما تضم القائمة وزير السياحة في الحكومة الحالية عبد القادر بن مسعود، لكن بصفته واليا سابقا لولاية تسيمسيلت (230 كلم جنوب غربي الجزائر)، وحيث جزء من استثمارات طحكوت. كما سيتم استدعاء وزيري الصناعة والنقل السابقين يوسف يوسفي وعبد الغني زعلان، الذي سبق أن مثل أمام قاضي التحقيق في المحكمة العليا وأفرج عنه مع الرقابة القضائية، بعد أن تم تجريده من جوازي السفر العادي والدبلوماسي. وبالإضافة إلى الوزراء قدمت النيابة العامة للمحكمة العليا ملفات ستة ولاة سابقين، منهم والي العاصمة الجزائر عبد القادر زوخ الخاضع بدوره للرقابة القضائية.
ومنذ استقالة عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي، تحت ضغط حركة احتجاجية غير مسبوقة، أودع وزراء وعدد من كبار الأثرياء ورجال الأعمال الجزائريين النافذين، الحبس المؤقت بتهم فساد، والاستفادة من قربهم من عائلة بوتفليقة للحصول على امتيازات. لكن بعض المراقبين يخشون أن يكون الهدف من حملة المحاكمات والاعتقالات تقديم «قرابين» للحركة الاحتجاجية لكسب ودها، وفي الوقت نفسه «اجتثاث» رموز النظام السابق في إطار صراع بين العُصب داخل السلطة.
في غضون ذلك، أثارت أمس تصريحات حادة لقائد الجيش الجزائري، الجنرال قايد صالح، في موضوع الهوية الأمازيغية والحراك الشعبي، ردود فعل غاضبة بمنطقة القبائل، التي تعتبره خصما سياسيا بسبب مواقفه من «قضية الانفصال» وتدريس اللغة الأمازيغية. وبهذا الخصوص قال محمد ارزقي فراد، الباحث في التاريخ، إن قايد صالح «تصرف بشكل غير حكيم لأن مسألة راية الثقافة الأمازيغية ليست من صلاحيات مؤسسة الجيش»، في إشارة إلى كلمة ألقاها رئيس أركان الجيش بمنطقة بوشار (جنوب غرب)، كشف فيها بأنه أمر قوات الأمن التي تراقب المظاهرات بمصادرة الرايات، التي ترمز إلى الخصوصية الثقافية الأمازيغية، بذريعة أن أصحابها «ينشرون الفتنة والفرقة».
وقال صالح أمس: «يليق بي لفت الانتباه إلى قضية حساسة، تتمثل في محاولة اختراق المسيرات، ورفع رايات أخرى غير الراية الوطنية من قبل أقلية قليلة جدا. فللجزائر علم واحد استشهد من أجله ملايين الشهداء، وراية واحدة هي الوحيدة التي تمثل رمز سيادة الجزائر واستقلالها ووحدتها الترابية والشعبية. فلا مجال للتلاعب بمشاعر الشعب الجزائري، وعليه فقد تم إصدار أوامر صارمة وتعليمات لقوات الأمن من أجل التطبيق الصارم والدقيق للقوانين السارية المفعول، والتصدي لكل من يحاول مرة أخرى المساس بمشاعر الجزائريين في هذا المجال الحساس».
ورجح متتبعون أن الرئيس الفعلي في البلاد يقصد بكلامه نشطاء «حركة الحكم الذاتي بمنطقة القبائل»، الذين يشاركون في «مليونيات الجمعة»، والذين يحملون عادة رايتين: واحدة ترمز لانفصال منطقة القبائل، وأخرى تحمل مواصفات الخصوصية الأمازيغية لملايين الجزائريين الناطقين بالأمازيغية.
وقال صحافيون بتيزي وزو، كبرى منطقة القبائل (تقع على بعد 100 كلم شرق العاصمة)، لـ«الشرق الأوسط» إن سكانها يعتزمون توجيه كل شعارات حراك الجمعة، المنتظر غدا، ضد قايد صالح. علما بأن المنطقة أصلا تعادي العسكري النافذ لاعتقادها أنه «يحتقر» مميزاتها الثقافية، وخاصة اللغوية، وترى بأنه يقف حائلا دون تحقيق مطلب تغيير النظام، بسبب تمسكه برئيس الدولة المرفوض شعبيا.
وذكر محمد زاوي، وهو صحافي ومخرج تلفزيوني، يقيم بفرنسا: «لحد الآن الحراك منسجم في تنوعه ومتناغم في أصواته وأهازيجه بين كل الجزائريين، وليس رفع راية ثقافية لمنطقة أو أخرى يعتبر تهديدا للوحدة الوطنية الجزائرية، أو يستهدف مشاعر الجزائريين. يجب أن يميز قايد صالح بين الراية الثقافية والعلم الانفصالي لأن إعطاء تعليمات لأجهزة الأمن، والدعوة إلى قمع الذين يحملون الرايات الثقافية، يزيد بلا شك في تأجيج الوضع، وستكون لعملية منع حمل هذه الرايات الثقافية تداعيات خطيرة على الحراك السلمي والثورة السلمية للجزائريين....الجزائريون يطالبون بإقالة عبد القادر بن صالح (رئيس الدولة)، وحكومة نور الدين بدوي (رئيس الوزراء)، وبتغيير جذري للنظام في إطار دولتهم الوطنية الجزائرية، والحراك حراكهم، وإذا لاحظوا أي انحراف داخل صفوفهم على الوحدة الوطنية أو يمس مشاعرهم، فإنهم سيقومون بما يليق بالحالة».



​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
TT

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

كشف مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» عن جهود عربية - أميركية جديدة لدفع جهود التهدئة في السودان. وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة، على التنسيق على أمل حلحلة الأزمة السودانية».

وأفاد المصدر المصري بأن «اجتماعاً ضم مسؤولين من الدول الأربع، استضافته السعودية نهاية الأسبوع الماضي، ناقش دفع الجهود المشتركة؛ لتحقيق انفراجة بالأزمة».

وسبق أن شاركت الدول الأربع في اجتماعات «جنيف»، التي دعت لها واشنطن لإنهاء الحرب بالسودان، منتصف أغسطس (آب) الماضي، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، غير أنها لم تحقق تقدماً، في ظل مقاطعة الحكومة السودانية المحادثات.

غير أن المصدر المصري، قال إن «اجتماع السعودية، الذي عقد يومي الخميس والجمعة الماضيين (ليس امتداداً لمبادرة جنيف)، وإن الآلية الرباعية الحالية هي للدول صاحبة التأثير في المشهد السوداني، وتستهدف دفع الحلول السلمية للأزمة». ورجح المصدر «انعقاد اجتماعات أخرى؛ لدفع جهود الدول الأربع، نحو وقف الحرب، وإيصال المساعدات الإغاثية للمتضررين منها».

صورة جماعية بختام اجتماعات جنيف حول السودان في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية، بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «ما يفوق 10 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وعقب اندلاع الحرب، استضافت مدينة جدة العام الماضي، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، أفضت إلى توقيع «إعلان جدة الإنساني»، الذي نصّ على حماية المدنيين، والمرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية. وتتمسك الحكومة السودانية بتنفيذ مخرجات «اتفاق جدة»، قبل الانخراط في أي مفاوضات مباشرة مع «قوات الدعم السريع».

توحيد الجهود

وترى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن «توحيد جهود الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السودانية، سيسهم في تحريك حلول وقف إطلاق النار»، موضحة: «أدى تضارب الرؤى والمسارات الدولية، بسبب كثرة المبادرات والتدخلات التي خرجت من دول أفريقية وإقليمية ودولية، إلى إضعاف أي تحركات لوقف الحرب السودانية».

وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنسيق الرباعي بين مصر والإمارات والسعودية والولايات المتحدة، سيسهم في دفع جهود إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب على الأقل بصورة أكثر فاعلية»، مشيرة إلى أن «هناك مناطق مثل الفاشر في دارفور وولاية الجزيرة، تعاني من أوضاع إنسانية مأساوية».

ودعت إلى ضرورة تركيز تحرك الرباعي الدولي على «جهود وقف إطلاق النار، وأعمال الإغاثة، وصياغة خريطة طريق سياسية، تنهي الأزمة السودانية».

سودانيون يتلقون العلاج في مستشفى ميداني أقيم بمدينة أدري التشادية المحاذية للحدود مع السودان أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

ويواجه السودان «واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية حالياً»، حسب تقديرات الأمم المتحدة، وأشار مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، إلى أن «أكثر من نصف سكان السودان، يواجه خطر المجاعة والكوارث الطبيعية، مما يؤدي لانتشار الأوبئة»، وخلال زيارته لمدينة بورتسودان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، شدّد على أن «الأزمة الإنسانية بالسودان، لا تجد اهتماماً كافياً دولياً».

دول مؤثرة

وباعتقاد الباحث السياسي السوداني المقيم في مصر، صلاح خليل، فإن «تشكيل رباعية من الدول صاحبة التأثير في الساحة السودانية، قد يحرك مسار الحلول السلمية، وتفعيل مسار جدة»، مشيراً إلى أن «توحيد جهود هذه الأطراف، سيسهم في تغيير مسار الأزمة السودانية»، منوهاً بأن «الدول الأربع تؤيد العودة لمسار جدة».

ورجح خليل، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مشاركة الحكومة السودانية في مسار مفاوضات «الآلية الرباعية حال العودة إلى مسار جدة، ولن تقاطعه كما فعلت في مبادرة جنيف».

وأشار إلى أن «فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، قد يغير من معادلة التأثير الدولي في الحرب داخل السودان».

وكان السفير السوداني في القاهرة عماد الدين عدوي، شدّد على «تمسك بلاده بمسار جدة، بوصفه آلية للتفاوض لوقف الحرب»، وقال في ندوة استضافتها نقابة الصحافيين المصرية نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «بلاده ترفض المشاركة في أي مبادرة أفريقية، إلا بعد عودة عضوية السودان للاتحاد الأفريقي».