المغني الفرنسي غارو يختتم مهرجانات «أعياد بيروت»

افتتح حفلته بأغنية عن الشمس ففاجأه طقس لبنان بهطول الأمطار

المغني العالمي غارو يختتم مهرجانات أعياد بيروت
المغني العالمي غارو يختتم مهرجانات أعياد بيروت
TT

المغني الفرنسي غارو يختتم مهرجانات «أعياد بيروت»

المغني العالمي غارو يختتم مهرجانات أعياد بيروت
المغني العالمي غارو يختتم مهرجانات أعياد بيروت

لم يتوقّع الوافدون إلى حفلة المغني الفرنسي «غارو» التي اختتم فيها برنامج مهرجانات «أعياد بيروت» لهذا العام، أن تحمل إلى جانب صوت ضيفها الصادح أمطارا غزيرة في عزّ الصيف.
فبعد دقائق من اعتلائه المسرح وأدائه واحدة من أولى أغانيه «Demande au soleil» (اسألي الشمس)، حتى راحت الأمطار تهطل بغزارة. فتوجّه إلى الجمهور الذي لم يثنه الشتاء عن الوقوف والتصفيق له قائلا: «بإمكانكم أن تسألوا الشتاء أيضا عن مقدار حبي لكم». فهتف الحضور «غارو» متفاعلين مع أدائه الذي اتّسم طيلة السهرة بديناميكية وحيوية ملحوظتين.
كان باديا على المغني العالمي الكندي الأصل، سعادته الكبيرة لوجوده في بيروت. فكرر أكثر من مرّة عبارة «احبك بيروت» و«نعم أنا في بيروت» و«أنتم شمسي» و«لن أستقل الطائرة للعودة إلى جنيف بل أفضل أن أبقى هنا».
وعندما لاحظ مبالغته في ترداد هذه العبارات بادر الحضور بالقول: «قد تعتقدون أنني أقول هذه العبارات من باب المجاملة، ولكنكم لا تعرفون حقيقة مدى حبّي لهذه المدينة فأنا أعشقها».
وبعد أدائه أغنيتيه «لا فيلور» و«لو بلوز دان لو سان»، استعدّ لتقديم أغنيته الشهيرة «عندما ترقصين»، وما أن رددّ أولى كلماتها حتى طلب من الفرقة الموسيقية المرافقة له التوقّف عن العزف، وتوجّه للجمهور الذي غلب عليه وجود المراهقين والشباب قائلا: «هل يمكن أن أؤدي هذه الأغنية وأنتم تجلسون على مقاعدكم بهدوء؟ أريد أن أراكم ترقصون». فاشتعلت الأجواء بالحماس والتصفيق الحار من قبل الجمهور الذي ما لبث أن لبّى طلبه بسرعة فوقف وراح يتمايل راقصا مع كلمات الأغنية وأنغامها. لم يتوقّف «غارو» طيلة السهرة عن القفز و«التوثب» وحمل الميكروفون تارة والرقص معه تارة أخرى. فعلى مدى نحو الساعتين من الوقت بقي محافظا على طاقته التي فجّرها بغناء «البلوز» أحيانا و«الكاونتري» أحيانا أخرى، حتى أنه آثر على تقديم «ميدلاي» من أغاني الراحل الفيس برسلي، بعد أن أعلم الحضور أن بعضا من أفراد فريقه الموسيقي عزف مع المغني الراحل في ولاية لاس فيغاس في أميركا.
وفاجأ غارو جمهوره العريض الذي تجاوز الخمسة آلاف شخص، عندما قفز عن المسرح وراح يغني فيما بينهم. ولم يهتم للهرج والمرج الذي ساد المدرج في تلك اللحظات عندما أحاط به الكبار والصغار محاولين إلقاء التحية عليه عن قرب، فطلب من الموسيقيين التوقّف عن العزف ليلبي طلب إحدى الفتيات لأخذ صورة فوتوغرافية معه قائلا لهم «أيها الموسيقيون تمهلوا هناك من يرغب في أن يتصوّر معي». وبقي يغني بين الجمهور لأكثر من خمس دقائق ملقيا التحية على هذا ومقبلا ذاك، وقد أحاط به طاقم أفراد الأمن الخاص بالحفلة لا سيما أن كثافة الناس التي التفّت حوله كادت تمنعه من التحرّك للعودة إلى المسرح.
وفور وقوفه على خشبة المسرح من جديد قال: «أشكركم على هذا الاستقبال، لقد زرت لبنان لأول مرّة في عام 2004 ولم أنس حتى اليوم الحفاوة التي استقبلتموني بها».
أكمل «غارو» برنامجه الغنائي الذي تضمن نحو العشرين أغنية. فأدى بإحساس عال أغنية «لا بويم» للمغني الفرنسي شارل ازنافور، كما غنّى وهو يعزف على آلة الأرغن مرة وعلى الغيتار مرة أخرى أغاني من قديمه وجديده مثل «Gitan» و«seul» بالفرنسية و«lonely boy» و«I put a spell on you» بالإنجليزية.
ثم قدّم أغنية «Let it be» الشهيرة لفريق البيتلز مهديا إياها للجيل القديم وللجدّات بالأخص قائلا: «هذه الأغنية التي حفظناها من أيام الشباب، أهديها لجدتي ولجميع الجدّات». وبعدها أعلن عن رغبته في أداء أغنية باللهجة الكندية سائلا الحضور عمّا إذا يرغب في ذلك هو أيضا، فردّ عليه الجمهور بالإيجاب وهو يهتف «نعم... نعم»، فأنشد «Si tu crois» وهي الأغنية التي أداها كثنائي مع المغنية العالمية والكندية أيضا سيلين ديون، وبعدما لاحظ أن الجمهور حفظ كلماتها عن كثب علّق بالقول: «أنتم رائعون ويمكنني أن أستعين بكم كفريق كورال مرافق لي».
وبعد أدائه أغنية «Que l’amour est violent» و«Gitan» التي لوّنها على طريقته بكلمة بيروت بين مقطع وآخر، صدح صوته ليؤدي إحدى أشهر أغانيه في مشواره الفني «Elle» كمسك ختام حفلته، فتفاعل الجمهور معه بشكل كبير إذ وقف ينشدها معه بعد أن حفظ كلماتها غيبا، فكان يلوذ بالصمت لثوان طويلة مستمعا إلى أداء جمهوره الذي بدا منسجما جدا بالأغنية والشتاء ينهمر على رأسه.
شكر «غارو» الحضور وودّعه وهو منحن على إحدى ركبتيه قائلا: «شكرا بيروت» بالفرنسية، فترك المسرح مع أعضاء الفرقة الموسيقية ليعود إليه معهم مرة أخرى إثر التصفيق الحار من الجمهور الذي راح يطالبه بالوقوف أمامه مرة جديدة.
لبّى «غارو» رغبة محبيه قائلا لهم: «أنتم ملائكة وسأغني لكم (الملاك الحارس) في المناسبة». ثم أتبعها بأغنية أخرى ولكن بالإنجليزية هذه المرة بعنوان «هارد تو ستاند أب» وليختتم حفلته بصورة فعلية، معرّفا عن كل فرد من فريق العزف الذي رافقه ومتمنيا الالتقاء من جديد باللبنانيين قائلا: «إلى اللقاء القريب... سأعود مرة جديدة إلى بيروت».
مع «غارو» اختتم موسم مهرجانات «أعياد بيروت» للسنة الثالثة على التوالي، والتي افتتحها هذا العام المطرب جورج وسوف، كما شهدت إطلالات لمغنيين آخرين كفارس كرم واليسا والموسيقي زياد الرحباني وحفلة تكريم للراحل وديع الصافي، وهي من تنظيم ثلاث شركات «تو يو تو سي» و«ستار سيستم» و«برودكشن فاكتوري» بالتعاون مع شركة «سوليدير».
قد يكون طقس الشتاء الذي ساد حفلة «غارو» إشارة إلى نهاية موسم المهرجانات والسهرات في لبنان، إلا أن اللبنانيين الذين شهدوا على مدى ثلاثة أيام مناسبات سعيدة كحفلات الـ«موركس دور» و«بياف» و«غارو» يؤكدون أن صيفهم لم ينته بعد، لا سيما أن هناك حفلات جديدة سيشهدها لبنان في المستقبل القريب وبينها لفريق «بوند» للعزف على الكمان التي ستجري الأسبوع المقبل على مسرح (بلاتيا) في منطقة جونية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».