تنديد أممي بالهجمات الحوثية ضد السعودية ومطالبات بمحاسبة المتورطين

غريفيث يحذر من «تقويض السلام» بفعل الاعتداءات ضد المملكة ... و«برنامج الأغذية العالمي» يندد بعرقلة الميليشيات للمساعدات

غريفيث لدى تقديم إحاطته عبر الفيديو من عمّان أمام مجلس الأمن أمس (الأمم المتحدة)
غريفيث لدى تقديم إحاطته عبر الفيديو من عمّان أمام مجلس الأمن أمس (الأمم المتحدة)
TT

تنديد أممي بالهجمات الحوثية ضد السعودية ومطالبات بمحاسبة المتورطين

غريفيث لدى تقديم إحاطته عبر الفيديو من عمّان أمام مجلس الأمن أمس (الأمم المتحدة)
غريفيث لدى تقديم إحاطته عبر الفيديو من عمّان أمام مجلس الأمن أمس (الأمم المتحدة)

تصاعد التنديد الدولي بالاعتداءات التي ينفذها الحوثيون بدعم من إيران ضد البنى التحتية المدنية في المملكة العربية السعودية، ومنها الهجوم الذي استهدف مطار أبها المدني، وهو الحادث الذي استدعى دول مجلس الأمن أمس إلى المطالبة بمحاسبة المتورطين فيه.
وعقب الاستماع إلى إفادات من المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة مارك لوكوك والمدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، تلا رئيس مجلس الأمن للشهر الجاري المندوب الكويتي لدى الأمم المتحدة منصور العتيبي موقفاً جماعياً من الأعضاء الـ15 في المجلس، نددوا فيه «بأشد العبارات بالهجوم الذي شنه الحوثيون على مطار أبها الدولي في المملكة العربية السعودية، في 12 يونيو (حزيران) 2019 ما أدى إلى جرح 26 شخصاً، بينهم نساء وأطفال»، وعبروا عن «تعاطفهم العميق مع الضحايا ومع حكومة المملكة العربية السعودية»، ومتمنين «الشفاء العاجل والكامل للجرحى». وأكدوا أن «هذا الهجوم والتهديد بهجمات أخرى ضد المملكة العربية السعودية والمنطقة الأوسع يشكلان انتهاكاً للقانون الدولي وتهديداً للأمن والسلم الدوليين»، مذكرين كل الأطراف «بواجباتهم تحت القانون الإنساني الدولي». وشددوا على «الحاجة إلى محاسبة المتورطين والمنظمين والممولين والرعاة في هذه الأعمال المدانة».
وندد المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي أيضاً بـ«اختلاس المعونة والمساعدة الإنسانيتين من قبل الحوثيين»، وشدد على ضرورة «بتدفق سريع وآمن وبلا عوائق للإمدادات التجارية والإنسانية والعاملين فيها في كل أنحاء البلاد وعبرها».
وكان غريفيث، قد حذر أثناء تقديم إحاطته أمام مجلس الأمن، عبر دائرة تلفزيونية من عمان، من تكرار الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي ضد المنشآت المدنية في السعودية. وعبر غريفيث عن «القلق» من تصاعد العنف، ومن «تكرار الهجمات على البنية التحتية المدنية في جنوب السعودية، بما في ذلك الهجمات الأخيرة بطائرات الدرون على مطار أبها»، محذراً من أن ذلك «يمكن أن يقوض فرص تحقيق السلام». وتحدث عن «المخاطر الماثلة» أمام العملية السياسية في اليمن التي «لم تكن أكثر وضوحاً مما هي عليه الآن، في سياق التوترات الإقليمية الراهنة». وقال إنه يحاول التحرك «للتوصل إلى حل سياسي شامل للصراع، بناء على مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني، وكل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك القرار 2216». وأفاد بأن «أعضاء لجنة تنسيق إعادة الانتشار من الجانبين يواصلون الانخراط بشكل بناء مع رئيس اللجنة، الجنرال مايكل لوليسغارد، بشأن خطط المرحلتين الأولى والثانية لإعادة الانتشار»، ناقلاً عن لوليسغارد أنه «لا يزال يشعر بالتفاؤل إزاء إمكانية التوصل إلى اتفاق حول المرحلتين، بموجب اتفاق استوكهولم». وأشار إلى «مرونة الحكومة اليمنية، ودعمها المستمر للاتفاق، وانخراطها المتواصل في هذا الشأن».
ورأى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة، مارك لوكوك، أن «اليمن يزداد عنفاً، وليس العكس»، مضيفاً أن «القتال الذي دار هذا العام تسبب في نزوح أكثر من 250 ألف شخص»، بالإضافة إلى «زيادة عدد حوادث القتل أو الإصابة للأطفال بأكثر من 3 أضعاف بين الربع الأخير من عام 2018 والربع الأول من هذا العام». وتحدث عن «زيادة خطيرة ومدانة في الهجمات على المملكة العربية السعودية، فضلاً عن الغارات الجوية في صنعاء وغيرها من المناطق».
وخاطب بيزلي أعضاء مجلس الأمن قائلاً: «يجب أن أبلغكم بأنه يجري منع برنامج الغذاء العالمي من إطعام الجوعى في اليمن»، موضحاً أن «المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة إلى المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله (الحوثيون) يجري تحويلها، على حساب الأطفال الجائعين من الرجال والنساء»، مقراً بأنه «لا يمكن أن أؤكد لكم أن كل المساعدات تذهب إلى من هم في أمس الحاجة إليها» لأن «المساعدات يجري تحويلها من أجل الربح». وقال: «نحن لا نطلب من (أنصار الله) أي شيء. كل ما نطلبه منهم هو السماح لنا بالقيام بعملنا». وحذر من احتمال البدء في تعليق المساعدات الغذائية في اليمن تدريجياً هذا الأسبوع بسبب تحويل الحوثيين للمساعدات. وقال: «إذا لم نتلقَ هذه التأكيدات، فسنبدأ تعليق المساعدات الغذائية تدريجياً»، مضيفاً أنه «إذا بدأنا التعليق، فسنواصل برنامجنا لتغذية الأطفال الذين يعانون سوء التغذية، والنساء الحوامل والأمهات الجدد».
ورأت المندوبة البريطانية أن «اتفاقية الحديدة صمدت، ونحن بحاجة إلى المحافظة على ذلك»، بيد أنها نبهت إلى أن «التصعيد الأخير يبعث على القلق الشديد»، منددة بالهجوم الحوثي على مطار أبها، وكذلك عبرت عن «القلق في شأن العلاقة الظاهرة بين الحوثيين وإيران»، داعية كل الأطراف إلى «التحلي بضبط النفس في الأعمال العسكرية الانتقامية».
وندد القائم بأعمال البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة جوناثان كوهين بشدة بـ«الهجوم الصاروخي الحوثي على مطار أبها، مما أدى إلى إصابة كثير من المدنيين الأبرياء»، وقال: «يحتاج الحوثيون إلى تنفيذ الالتزامات التي تعهدوا بها في السويد، بدلاً من شن مثل هذه الهجمات»، مطالباً إيران بـ«التوقف عن تزويد الحوثيين بالأسلحة للقيام بذلك»، إذ إن «هذه الهجمات ضد جيران اليمن تهدد بتعطيل التقدم الذي أحرزته الأمم المتحدة وأطراف النزاع، ولا تخدم المصالح الكبرى للشعب اليمني».
أما المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا فدعا إلى «توحيد الجهود الدولية لتحقيق تسوية سياسية في اليمن»، مؤكداً دعم بلاده لجهود المبعوث الأممي، وحض الجميع على الاقتناع بـ«عدم جدوى الحل العسكري»، ودعا إلى إنشاء لجنة تحقيق دولية في شأن الهجمات ضد ناقلات النفط في الخليج، والاستجابة لدعوات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لإقامة هيكلية أمنية جديدة في الشرق الأوسط.
وأفاد المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة فرنسوا دولاتر بأن «الهجوم الأخير للحوثيين الذي استهدف مطار أبها في المملكة العربية السعودية (...) غير مقبول، ونحن ندينه بشدة»، ولاحظ أنه «منذ ذلك الحين، حصل إطلاق نيران آخر بطائرات من دون طيار، وجرى اعتراض بعض منها من قبل المملكة العربية السعودية»، وعبر عن «القلق من نشر إيران الصواريخ الباليستية عبر جهات حكومية وغير حكومية في المنطقة»، مرجحاً أن يؤدي ذلك إلى «زيادة زعزعة استقرار المنطقة».
وقال المندوب الإندونيسي ديان تريانسيا دجاني: «نحن قلقون للغاية من التوتر في المنطقة»، معبراً عن «التنديد الشديد، خصوصاً بالهجوم على مطار أبها في المملكة العربية السعودية»، وأضاف أنه «يهدد بالفعل الأمن والاستقرار في المنطقة، ويعرض وقف النار الهش في الحديدة للخطر».
أما المندوب اليمني عبد الله السعدي فقال إن «استمرار الميليشيات الحوثية باستهداف المنشآت المدنية في المملكة العربية السعودية الشقيقة، والممرات البحرية الدولية، بدعم وتوجيه من النظام الإيراني، يعكس مدى الخطورة التي باتت تشكلها هذه الميليشيات المتطرفة»، مضيفاً أن «هذه الأعمال الإرهابية تمثل تحدياً صارخاً للمجتمع الدولي، ورسالة واضحة للعالم بأن هذه الميليشيات لا تؤمن بالسلام»، وقال: «تطالب الحكومة اليمنية مجلس الأمن باتخاذ كل الإجراءات الصارمة ضد هذه الميليشيات والقوى الداعمة لها».


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟