برامج لإعادة تأهيل العائدين من مناطق الصراعات

مسؤول الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا لـ «الشرق الأوسط»

صلاح الشلاوي
صلاح الشلاوي
TT

برامج لإعادة تأهيل العائدين من مناطق الصراعات

صلاح الشلاوي
صلاح الشلاوي

قال صلاح الشلاوي مسؤول الهيئة التنفيذية التي ترعى شؤون المسلمين في بلجيكا، بأن هناك برامج من الناحية الدينية لاستقبال الأشخاص، الذين وقعوا في براثن الفكر المتشدد وسافر أعداد منهم إلى مناطق الصراعات، وسوف تتعامل هذه البرامج مع هؤلاء لإعادة تأطيرهم، وأيضا الذين خرجوا من السجون بعد تمضية فترة عقوبة في ملفات لها صلة بالتطرف والإرهاب». وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «هذه مسؤوليتنا أن نواكب هؤلاء ونجري لهم مراجعات تحت إشراف هيئة دينية متمكنة، وهناك توافق مع الدولة البلجيكية في هذا الصدد، والدولة تتخذ تدابير أخرى ليس لها علاقة بالدين، ونحن ليس لنا أي دخل فيها لأننا لا نتدخل في عمل الشرطة أو القضاء وإنما نتولى نحن كجهة دينية الأمور المكلفة بها».
وأجاب الشلاوي الذي عمل رئيسا للهيئة مع مطلع عام 2016. ولكن في مايو (أيار) من العام الماضي حدث تناوب لإدارة شؤون الهيئة بينه وبين شخصية تركية، وهو محمد أستيون الذي صار رئيسا وأصبح الشلاوي نائبا للرئيس، ولكنه يعتبر المسؤول التنفيذي لتسيير الأمور داخل الهيئة». وحول وجود خلافات في أوساط الجالية المسلمة، قال الشلاوي: «الخلافات لن تنتهي أبدا، وفي الاختلاف رحمة، كما أن الاختلاف قد يكون أيضا أمرا إيجابيا، ولكن يجب إدارة هذا الخلاف بأدوات وقيم دينية، ونحن ممثلون للمسلمين وهذا مكسب للإسلام، ويجب الحفاظ عليه، ويجب مواجهة أي محاولة لتقسيم المجتمع إلى طوائف أو التحريض على العنف، وهذا لن نقبل به لأن هذا بلدنا الذي نعيش فيه ويجب الحفاظ عليه واحترام مؤسسات هذا البلد، الذي يضمن الحرية الدينية».
وحول وجود تدخلات من جانب السلطات الحكومية في عمل الهيئة التنفيذية أو المساجد والإدارات الإسلامية الأخرى، قال الشلاوي: «السلطات البلجيكية تمتلك المكان الذي يوجد به المسجد أو المركز الإسلامي، مثلها مثل دور العبادات للديانات الأخرى، ولكن القانون والدستور في بلجيكا يمنع السلطة السياسية من التدخل في الشأن الديني»، وأشار الشلاوي إلى أن الهيئة بدأت مع نهاية مارس الماضي، الإشراف على تسيير الأمور في المركز الإسلامي والثقافي في بروكسل والمعروف باسم المسجد الكبير، منوها إلى أن الإدارة الحالية تضم عدة أطراف أخرى مع الهيئة التنفيذية للمسلمين ومنها شخصيات أكاديمية وشخصيات تقنية من وزارة العدل البلجيكية التي تشرف على عمل دور العبادة وبالتحديد على العمل التقني، أما العمل الديني والشرعي فهذه مسؤولية الهيئة التنفيذية للمسلمين في بلجيكا، والتي تتعامل مع الدولة بصفتها الممثل الشرعي للمسلمين».
ونوه الشلاوي إلى أن تسليم المركز الإسلامي لإشراف الهيئة فهذا يعني ثقتهم في القائمين على هذه الهيئة وأنها تعمل من أجل إسلام وسطي ومنفتح وتربية أجيال فاعلين ولديهم قناعة بالعيش المشترك مع اتباع الديانات الأخرى، ونحترم التعددية الثقافية والدينية في هذا البلد ونحن ومنذ فترة نعمل في إطار خطاب العيش المشترك والسلم والوئام واحترام الغير ونحن ملتزمون بالعمل في هذا الإطار، وأن يكون المسجد الكبير مفتوحا أمام المسلمين جميعا».
وحول المدارس والإدارات والمعاهد الموجودة داخل المركز الإسلامي، قال الشلاوي: «هناك بالفعل معهد لتكوين الأئمة وسنعمل ابتداء من العام المقبل، لإعداد أئمة المستقبل من جنسيات مختلفة ومن مواطني هذا البلد وسيكون العمل من خلال التعاون مع عدد من الجمعيات البلجيكية، وأخرى في دول إسلامية لها تجربة في مجال تكوين الأئمة والأطر الدينية، كما أن المسجد سيظل مفتوحا أمام المصلين ولكن بدلا من أن يكون هناك أمام واحد يؤم المصلين ويلقي خطب الجمعة، سيتم التناوب كل ثلاثة أيام بين عدد من الأئمة، وهم من الأئمة المعترف بهم هنا في بلجيكا».
أما فيما يتعلق بمدرسة تعليم الأطفال اللغة العربية والإسلام، قال الشلاوي: «هي أيضا مفتوحة وهناك تعاون بيننا وبين الآباء إلى جانب تقديم دروس دينية للنساء ولكن سنعمل على إعادة هيكلة ومراجعة بعض البرامج ذات الصلة بتدريس اللغة العربية». يذكر أن الجاليتين المغربية والتركية هما الأكثر عددا بين أبناء الجاليات المسلمة في بلجيكا والذي يقارب عددهم المليون شخص ومنذ نشأتها في عام 1998 فقد تولت شخصيات مغربية قيادة الهيئة التنفيذية لشؤون المسلمين فترة من الوقت ولكن في السنوات العشر الأخيرة جرى التوصل إلى اتفاق بين قيادات الجاليتين للتناوب في إدارة شؤون الهيئة».
وفي أعقاب الهجمات الإرهابية التي ضربت بروكسل مارس 2016 واجهت الجالية المسلمة والهيئة التي تشرف على تسيير أمورها انتقادات حادة من عدة فعاليات بلجيكية، وحاول البعض الربط بين الإسلام والجالية المسلمة في أوروبا من جهة وبين الإرهاب، وكان رئيس الهيئة التنفيذية للمسلمين وقتها، هو صلاح الشلاوي»، الذي تحدث في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط»، عن الانتقادات التي تواجهها الجالية المسلمة والخطوات، التي قامت بها الهيئة في إطار التعاون مع السلطات لمواجهة الفكر المتشدد، وأيضا في الإشراف على المساجد لتفادي أي خطاب يدعو إلى العنف أو التطرف فضلا عن دورها في مواجهة تسفير الشباب إلى مناطق الصراعات للقتال هناك.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟