تأييد مسيحي «لتنظيم العمالة الأجنبية» لا يشمل «مقاربة» باسيل تجاه النازحين

TT

تأييد مسيحي «لتنظيم العمالة الأجنبية» لا يشمل «مقاربة» باسيل تجاه النازحين

أظهرت الإجراءات الحكومية أخيراً تجاه العمالة السورية في لبنان تلاقياً بين المكونات السياسية المسيحية على هذا الملف، رغم التباعد في مقاربة أزمة النزوح السوري بينها، إثر التقديرات التي تفيد بأن تصعيد «التيار الوطني الحر» ضد النازحين السوريين، استدرج الأطراف المسيحية الأخرى التي تعتبر على خصومة مع «الوطني الحر»، إلى تأييد مقاربته.
واتخذت وزارة العمل التي يشغل حقيبتها الوزير كميل أبو سليمان، وهو أحد ممثلي «القوات» في الحكومة، إجراءات لـ«تنظيم العمالة الأجنبية في لبنان»، ترافقت مع حملة إعلانية تحت عنوان: «ما بيحرّك شغلك غير ابن بلدك»، تدعو لتسوية الأوضاع القانونية للعمال الأجانب في لبنان، وهو ما طرح أسئلة عما إذا كانت «القوات» تتماهى مع خطاب «التيار الوطني الحر» أخيراً، تحت ضغط الشارع المسيحي في ظل مزاحمة اليد العاملة الأجنبية للبنانيين على فرص العمل، بعدما كانت «القوات» من أبرز الداعمين لإعادة النازحين بعد التسوية السياسية في سوريا. واتُهمت «القوات» بأن تصعيد وزير الخارجية جبران باسيل، وهو رئيس «التيار الوطني الحر»، استدرجها إلى مقاربته، وهو ما تنفيه مصادرها.
وقالت مصادر «القوات» لـ«الشرق الأوسط» إن «جميع اللبنانيين دون استثناء يؤيدون عودة النازحين السوريين إلى سوريا، لكنها أكدت: «إننا لا نلتقي مع طريقة الوزير باسيل في مقاربة هذا الملف بطريقة استفزازية، لأنه يريد القول إن «أكثر طرف سياسي معني بالموضوع، أما الأطراف الأخرى فإما متعاونة أو متآمرة».
وشددت المصادر على أن «هذا الخطاب مرفوض جملة وتفصيلاً، لأن جميع اللبنانيين مؤيدون للعودة». مضيفة: «لكن إذا كان لا بد من فتح ملف خلافي، فإنه في 2011 وما بعده في 2012 و2013، كان التيار الوطني الحر في الحكومة ممثلاً بـ10 وزراء داخل الحكومة، وبالتالي هو يتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية، كون القوات والمستقبل كانا خارج الحكومة، وكانا يؤيدان تنظيم الملف عبر إنشاء مخيمات على الحدود ترعى المسألة، وهو ما تم رفضه، وخضع التيار لهذا الرفض آنذاك لاعتبار متعلق بحزب الله أو غيره».
وكان باسيل قال أول من أمس إن «كل من يصفنا بعنصريين حين نتحدث عن عودة السوريين إلى بلدهم هو إما مستفيد أو متآمر»، لافتاً إلى «أن المتآمر ظهر في عام 2011 واليوم يغطي منع عودة النازحين إلى سوريا لصالح الأجانب»، لافتاً إلى أنه «في وقت سابق صدر قرار عن المجلس الأعلى للدفاع، ونتمنى أن يصدر قرار عن الحكومة».
وقالت مصادر «القوات»: «في السابق كانوا يقولون إن المبادرة الروسية قادرة على إعادتهم، ونحن نؤيد ونشجع المبادرة الروسية، واجتمع الرئيس عون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً وتباحثا بالملف، وشاهدنا البيان الختامي الذي تحدث عن أن العودة تتطلب ظروفا نفسية، أي أن النازح يخاف العودة في ظل نظام مسؤول عن تهجيره، كما تطرق إلى أن العودة تحتاج إلى وضعية مالية يمكن أن تتأمن من المجتمعين العربي والدولي. والواضح أن لا وجود لقرار من هذا النوع بعد».
واعتبرت المصادر أن «الهدف من كل كلام آخر أمران، أولهما إما التطبيع مع النظام وهو أمر قطعنا الطريق عليه نهائياً لجهة عدم فتح علاقات مع النظام الحالي أو أي نظام في سوريا قبل انتهاء الحرب خصوصا أن النظام الحالي مسؤول عن تهجير السوريين ولا يريد إعادتهم». أما الأمر الثاني «فهو مرتبط بالطريقة الاستفزازية التي يتبعها الوزير باسيل لخلفيات شعبوية ومزايدة على القوى السياسية الأخرى».
وعن إجراءات وزارة العمل الأخيرة، قالت المصادر إن «ما قامت به الوزارة هو تنظيم للموضوع، ولا يشبه الطريقة الاستفزازية التي استخدمها باسيل، بل تقول إنها تريد تنظيم العمالة الأجنبية في لبنان، وهو أمر متبع في كل دول العالم، لكن العمالة الأجنبية يجب أن تكون خاضعة للقوانين المرعية، مثل اللبنانيين العاملين في الخارج الذين يخضعون لكل القوانين ويشكلون قيمة مضافة للمكان الذي يعملون فيه».
وأضافت: «المشكلة أن هناك شرائح كبيرة تنافس اليد العاملة اللبنانية من غير أن تكون خاضعة لقانون العمل اللبناني. كل ما نطالب به أن تكون خاضعة لقوانين وزارة العمل».
وأكدت المصادر أن «القوات» «لا تشبه الوزير باسيل، ولا يمكن له أن يجرنا إلى مكان نرفضه، خصوصا بطريقة تعاطيه ومقارباته، لكن نحن كلبنانيين كلنا متفقون على إعادة النازحين إلى سوريا».
ويلتقي «حزب الكتائب اللبنانية» مع «الوطني الحر» على عودة النازحين، لكنه يعارض مقاربته للملف، إذ رأى مكتبه السياسي في آخر اجتماع عقده خلال الأسبوع الماضي أن «الحاجة ملحة للتعاطي مع أزمة النازحين بكل جدية بعيدا عن المزايدات». واعتبر أن على «المعنيين العمل السريع بالتعاون مع كل الجهات الدولية لعودة سريعة للنازحين إلى بلادهم»، كما دعا إلى «تطبيق القوانين اللبنانية بشكل جدي في مواضيع التنقل بين سوريا ولبنان وأصول إجازة العمل للسوريين وطريقة مراقبة التنفيذ».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.