مع انتشار تقنية التعرّف على الوجه في هذه الأيام، بات الإنسان يملك وجها قادرا على تشغيل آلاف التطبيقات. ولا شكّ أنكم قد تحبون السهولة التي يفتح فيها هاتفكم، عند وضعه أمام وجهكم بدل إدخال رمز. ولكن كيف تشعرون حيال مسح وجهكم لتحديد هويتكم وأنتم تقودون السيارة على جسر أو تتحضرون للركوب بالطائرة؟
- جدال وانقسام
عاد الجدل الانقسامي القائم منذ سنوات حول استخدام، أو احتمال استخدام، تقنية التعرف على الوجه إلى التصاعد من جديد. وعادت أخيرا المواجهة بين داعمي تقنية التعرف على الوجه والمدافعين عن الخصوصية الذين يرغبون بحظر هذه التقنية أو تشريعها، إلى الواجهة بعد تصويت مسؤولين حكوميين في مدينة سان فرنسيسكو على حظر استخدام التقنية من قبل سلطات إنفاذ القانون المحليّة. وأصبحت سان فرانسيسكو أول بلدية كبرى تمنع هذا التحرّك في الولايات المتحدة، ومن المرجّح أنّها لن تكون الأخيرة.
أصبحت تقنية التعرّف على الوجه منتشرة في جميع زوايا الحياة في مكان السكن، والعمل، والتبضع والسفر. تتدرّب الكاميرات على وجوهكم في المطار، وممرات المتاجر، وأثناء القيادة.
ويمكن أن يتحوّل وجهكم في يوم من الأيام إلى مفتاح لفكّ قفل السيارة.
هذه الأشياء مجتمعة قد تضعكم في حالة من التساؤل: من يملك حقّ الوصول إلى بيانات الوجه؟ أين يتم تخزين هذه البيانات، ولكم من الوقت؟ هل تستخدم تقنية التعرّف إلى الوجه لأهداف السلامة والمراقبة والراحة حقّاً، أم أنّها وسيلة يتعقّبني بها المعلنون والجهات الحكومية؟
ومن ثمّ يأتي سؤال: ما الذي قد يحصل إنّ تمّ اختراق بيانات التعرف على الوجه وتمّ دمجها مع بيانات مالية خاصة أخرى تمّ جمعها عنكم أيضاً؟
يقول مات كاغل، المحامي المتخصص بالتقنية والحريات المدنية في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، سان فرانسيسكو، وفقاً لما نقلته «يو إس إي توداي»: «لا يمكنكم إعادة تحديد وتشكيل وجهكم كما تفعلون مع كلمة المرور التي يمكن إعادتها وتحويرها، ولذا فإن احتمالات تحقيق اختراق بيانات بالحصول على المعلومات البيومترية (الخاصة بالقياسات البيولوجية) عالية جداً».
- دقة رصد الوجوه
> هل تُعتبر تقنية التعرف إلى الوجه دقيقة بشكل كافٍ؟ يتحدّث نقّاد هذه التقنية أيضاً عن نتائج من «الإيجابيات الكاذبة» لها (نتائج مؤكدة تقدمها التقنية، إلا أنها خاطئة بالفعل)، وأخطاء في التعريف بهوية الشخص وتحديداً بين الأقليّات.
وقد ادعت نتائج دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتقنية مثلاً أنّ أداء نظام «أمازون ريكوجنيشين» الخاص بالرصد كان ضعيفاً مقارنة بأنظمة مايكروسوفت و«آي بي إم» في تحديد هوية النساء ووجوه أصحاب البشرة الداكنة. من جهته، شكّك مايكل بونك، نائب رئيس قسم الخدمات العامة في «أمازون» بهذه النتائج ودعا إلى توخّي الشفافية (وكان المساهمون في «أمازون» قد رفضوا حديثاً مقترحات تقضي بحظر مبيعات تقنية الشركة للتعرف على الوجه إلى سلطات إنفاذ القانون).
في سياق متصل، وبعد مراجعة رسالة إلكترونية داخلية صادرة عن هيئة النقل المدني في نيويورك، أوردت صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» في أبريل (نيسان) أن تقنية التعرف على الوجه أخفقت أيضاً في اختبار مبكّر لتحديد هوية مجرمين محتملين على جسر روبرت كينيدي.
ويصرّ كاجل على أنّ «هذه التقنية تشكّل تهديداً للسلامة العامة والحقوق المدنية حتى ولو كانت شديدة الدقّة. تخيّلوا الخروج من باب منزلكم والسير في الشارع بينما الحكومة تعرف هويتكم وإلى أين تذهبون وحتى التعابير التي تبدو على وجهكم، وتستطيع تحديد كلّ هذه المعلومات دون أن تحرّك ساكناً».
ولكن بيتر تريب، الرئيس التنفيذي لشركة «فيس فيرست» المتخصصة في تطوير تقنية التعرّف إلى الوجه المستخدمة في الوقاية من سرقة المحلات التجارية والاحتيال، التي يتعامل معها بعض من أكبر تجار التجزئة في البلاد، يقول إن استخدام هذه التقنية «ليس مخيفاً كما يروّج البعض بين الناس».
- فوائد ونقائص
> تحيّز ميزة التعرّف إلى الوجه. هل تكمن المشكلة في الذكاء الصناعي؟ تقول الدراسة إنّها شديدة التحيّز إلى أصحاب البشرة البيضاء والرجال على حساب النساء والأقليّات.
صحيح أنّ التقنية لم تصل إلى مستوى المثالية بعد، ولكنّ نسبة دقتها التي تصل إلى 99.98 في المائة، مستمرّة في التحسّن عبر التعلّم الآلي والشبكات العصبية، بحسب بام ديكسون، المديرة التنفيذية في منتدى الخصوصية العالمي.
وترى ديكسون أنّ «هذا التقدّم مذهل» على الرغم من إقرارها بأن انحياز نتائج التقنية لا يزال قائماً، مع صعوبة في تحديد هوية النساء أكثر من الرجال.
• اختبار ميزة التعرف إلى الوجه في المتاجر. تتفاوت مراحل اختبار وتطبيق هذه التقنية بين الشركات. وتعمل سلسة «كروجر» حالياً على اختبار تقنية التعرف على الوجه في إطار برنامج تجريبي في اثنين من متاجرها، أحدهما خارج سنسناتي والآخر بالقرب من سياتل. تستطيع كاميرات الفيديو المستخدمة أن تحدد عمر وجنس المتبضّع، ولكن دون تخزين البيانات أو إضافة أي اسم على المعلومات، بحسب إيرين رولفز، مديرة الشؤون التجارية في قسم سنسناتي - ديتون في «كروجر».
بدورها، تعمل سلسة «والغرين» على اختبار أبواب رقمية مبرّدة مزوّدة بشاشات وكاميرات في ستة من متاجرها بالتعاون مع شركة تحمل اسم «كولر سكرينز». تتيح هذه التقنية لتاجر التجزئة تصويب الإعلانات المعروضة على هذه الشاشات وتشغيلها عند ظهور المتبضّع أمامها.
• ضرورة الكشف والإعلان عن استخدام التقنية. إنّ الكشف عن استخدامات تقنية التعرف إلى الوجه يُحاط بكثير من الصخب اليوم. يستخدم «فيسبوك» هذه التقنية للاقتراح على مستخدميه وسم أحدهم بمنشور معيّن أو إعلامكم عندما توجدون في صورة أو مقطع فيديو لم يتمّ وسمكم بها. تشير الشركة إلى أنّها لا تملك ميزات للتعرف على الوجه تعلم الآخرين بهويتكم، وتضيف أنّها قد تستخدم هذه التقنية أيضاً للمساعدة في رصد أي حساب قد يدّعي أنّه أنتم.
يُقال إن منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة تتيح لمستخدميها إمكانية تعطيل ميزة التعرّف على الوجه في الإعدادات، إلا أن أحد تقارير المستهلكين قد كشف افتقار ثمانية من 31 حساباً عاينها على «فيسبوك» إلى هذا الإعداد.
- أثناء السفر وفي المنزل
> ميزة التعرف إلى الوجه للمسافرين. تقول شركة «جيت بلو» إنها ومنذ يونيو (حزيران) 2017، طابقت هوية 125000 مسافر على متن 1400 رحلة بواسطة هذه التقنية. وقد بدأ استخدام الشركة للتقنية في اختبار تجريبي بالتعاون مع هيئة الجمارك وحماية الحدود بالولايات المتحدة، ولكنّها اليوم باتت تشكّل «جزءاً أساسياً من «العمليات اليومية» على حدّ تعبير كاريل سبودن، رئيس برنامج تجربة الزبائن في شركة الطيران.
تجدر الإشارة إلى أن الصعود الذاتي على متن الطائرة بواسطة تقنية التعرف إلى الوجه متوفر على رحلات معينة وبصفة اختيارية.
تعمل هذه التقنية على إرسال الصور التي تُلتقط عند البوابة مباشرة إلى هيئة الجمارك وحماية الحدود، التي تعمل بدورها على مقارنتها بمجموعات من صور جوازات السفر الموجودة على بيانات الرحلة. وعند التطابق، تعيد الهيئة إرسال النتيجة الإيجابية التي تستخدم للسماح للمسافر بالصعود إلى الطائرة. أمّا في حال عدم المطابقة، يصار إلى فحص جواز السفر يدوياً ومسح بطاقة صعود المسافر إلى الطائرة.
> استخدام تقنية التعرف إلى الوجه في المنزل. يبدو أنّ معظم المستهلكين لا يواجهون مشكلة مع تقنية التعرف إلى الوجه كميزة يستخدمونها على جهاز يملكونه كما يحصل مع «آبل» التي تستخدمها للسماح لزبائنها بفتح قفل شاشة «آيفون» ومصادقة مشترياتهم على متاجر «آبل ستور» و«آي تيونز». ولا بدّ من الإشارة إلى أن بيانات التعرف على الوجه لا تغادر جهازكم ولا يتمّ الاحتفاظ بنسخة منها في السحابة أو في أي مكان آخر.
استعرضت «غوغل» ميزة جديدة لمطابقة الوجه على شاشتها الذكية المنتظرة «نيست هاب ماكس» المجهّزة بكاميرا تتعرّف وتميّز الشخص بين خمسة أشخاص يعيشون في المكان نفسه. وهكذا، يستطيع «مساعد غوغل» الذكي عرض رسائلكم الخاصة بدل عرض جميع الرسائل التي قد تخص شخصاً آخر.
إن نماذج الوجوه والمراجع التي تستخدمها التقنية لـ«التعرّف» إليكم مشفّرة ومعالجة وتبقى على الجهاز.
وكإجراء احتياطي إضافي، يستطيع المستخدمون إيقاف تشغيل الكاميرا الموجودة في «نيست». يقول ريشي شاندرا، نائب رئيس قسم «نيست» في «غوغل»، إنّ الشركة تخطط لإضافة «بطاقة خصوصية» إلى صندوق المنتج لإطلاع الزبائن على أدوات التحكّم بالخصوصية الموجودة في الجهاز.
ويقول ديكسون إنّ تقنية التعرّف على الوجه تصلح لاستخدامين حقيقيين هما «إمّا مقارنة وجه بآخر وهي ميزة موجودة في إجراءات المصادقة في جميع الهواتف، أو لمقارنة وجه في قاعدة بيانات تحتوي على وجوه كثيرة، وهذا هو الاستخدام الذي يجب أن يقلقكم حقّاً».
8:17 دقيقة
ميزة التعرّف على الوجه... هل يتعيّن حظرها في المدن وداخل الشركات؟
https://aawsat.com/home/article/1764601/%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%91%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%87-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D9%91%D9%86-%D8%AD%D8%B8%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86-%D9%88%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%9F
ميزة التعرّف على الوجه... هل يتعيّن حظرها في المدن وداخل الشركات؟
لا تمتاز بدقة كافية وتتداخل مع الخصوصية الفردية
ميزة التعرّف على الوجه... هل يتعيّن حظرها في المدن وداخل الشركات؟
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة