صباح اليوم التالي لفوز الفريق الأميركي للسيدات ببطولة كأس العالم عام 1999 كانت الاحتفالات لا تزال مستمرة بالبلاد. وبينما خرجت لاعبات المنتخب في رحلة إلى ديزني لاند لتنظيم عرض ومسيرة بالشوارع ابتهاجاً بالفوز، سارع مسؤولون من الاتحاد الأميركي لكرة القدم إلى فتح صفحات الجرائد المحلية لمعاينة تغطية خبر الفوز.
من جهتها، استخدمت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» عنوان «أميركا الجميلة» بجانب صورة ضخمة لحارسة المرمى بريانا سكوراي وهي تتصدى لركلة جزاء، إلا أنه في الصفحة الخامسة من الصحيفة ذاتها، جاء العنوان مختلفاً ـ وأثار العنوان خلافاً مريراً وشكل بداية تغيير دائم في شكل العلاقة بين اللاعبات ورئيسهم المتمثل في اتحاد الكرة. كانت الصفحة بأكملها عبارة عن إعلان عن جولة داخلية للمنتخب احتفالاً بالفوز تقرر تنظيمها خلال الخريف على عكس رغبة مسؤولي الاتحاد.
من جانبه، شعر هانك ستينبريشر، الأمين العام للاتحاد الأميركي لكرة القدم، بصدمة بالغة إزاء هذا الإعلان. كانت اللاعبات يطلقن على أنفسهن لقب «نجمات الكرة الأميركيات»، وخططن لزيارة 12 مدينة يخضن فيها مباريات ودية أمام فرق من نجمات عالميات. وقد استشاط روبرت كونتيغوغليا، رئيس الاتحاد الأميركي، غضباً إزاء هذا الأمر.
إلا أن لاعبات الفريق كن قد استفسرن بالفعل حول كيف ينوي المسؤولون المعنيون بكرة القدم الأميركية الاستفادة من استضافة بطولة كأس العالم للسيدات على الأراضي الأميركية. أما الإجابة فأوضحت في جوهرها أن الاتحاد لا يفكر بهذا الأمر من الأساس.
في هذا الصدد، قالت جولي فاودي: «ضغطنا عليهم في هذا الأمر وسألناهم ما الذي تنوون فعله. وأجابوا أننا سنذهب إلى أفريقيا. وتساءلنا فيما بيننا: أفريقيا؟ يتعين علينا تنمية رياضة كرة القدم للسيدات هنا. لماذا تذهبون إلى أفريقيا إذن؟ إننا لم نسافر من قبل قط إلى أفريقيا».
بالفعل، ولسبب ما رغب رئيس الاتحاد الأميركي لكرة القدم، كونتيغوغليا، والأمين العام للاتحاد، ستينبريشر في إرسال اللاعبين في جولة بجنوب أفريقيا ومصر بعد بطولة كأس العالم عام 1999، في وقت كان الاهتمام بالفريق داخل الوطن في أعلى مستوياته على الإطلاق.
وحتى يومنا هذا لا يزال أعضاء المنتخب عاجزين عن فهم ما كان يدور في ذهن مسؤولي الاتحاد الأميركي في ذلك الوقت. الحقيقة أن القول بأن الاتحاد افتقر إلى بعد النظر أو الطموح اللازمين ليحفاظ الفريق الوطني على الزخم الذي اكتسبه من نجاحه في بطولة كأس العالم، سيكون بمثابة تعبير لطيف عن واقع أسوأ بكثير. اللافت أن الاتحاد لم تكن لديه استراتيجية للسعي نحو تعزيز اهتمام الأميركيين برياضة كرة القدم التي يتولى الاتحاد مسؤوليتها، ناهيك عن توفير الدعم المالي اللازم واستضافة مباريات بمقدورها بيع أعداد كبيرة من التذاكر. كان الرد من جانب الاتحاد غريباً ولم يفلح سوى في تعميق شعور الفريق بفقدان الثقة في «رئيسه».
عن ذلك، قالت كيت ماركغراف: «لم يكن لديهم ما يقدمونه لنا. لم تكن لديهم خطة ولم يفكروا في أن بطولة كأس العالم ستسير على النحو الذي سارت عليه».
وعليه، شرعت اللاعبات في الحديث عن تنظيم جولة لأنفسهن بأنفسهم ومناقشة تفاصيلها. واتفقت اللاعبات على الاستعانة بشركة تسويق وتنظيم فعاليات تدعى «إس إف إكس»، بحيث تتولى إدارة الجوانب اللوجستية للجولة، إلا أن هذه الجولة لم يجر تنظيمها سراً خلف ظهر اتحاد كرة القدم الأميركي، مثلما عمد مسؤولو الاتحاد لاحقاً إلى تصوير الأمر.
أرسل لانغيل واللاعبات خطابات إلى اتحاد كرة القدم يخطرون مسؤوليه بخططهم، لكن المسؤولين تجاهلوا الخطابات. وحاول الفريق من جديد قبيل انطلاق بطولة كأس العالم للسيدات التعرف على ما إذا كان اتحاد كرة القدم يرغب في المشاركة في الجولة.
عن ذلك، قال لانغيل: «استمروا في تجاهلنا فحسب. لذا أخبرت اللاعبات أننا سنمضي قدماً فحسب. لقد سألناهم إذا كانوا يرغبون في التعاون معنا، لكنهم لم يصدقوا أن باستطاعتنا تنفيذ الأمر. لقد قالوا لنا ما معناه: حاولوا. لذلك، قررنا المضي قدماً في الجولة بالاعتماد على أنفسنا».
بالنسبة للمنتخب الوطني، شكلت الجولة فرصة فريدة لجني بعض المال، فقد ضمن الحصول على 1.2 مليون دولار مقابل الجولة التي ستشمل 12 مدينة. الأهم من ذلك أنه جرى التشارك في هذا المال بالتساوي بين اللاعبات، لتحصل كل لاعبة على 60 ألف دولار، بسبب إصرار الكبار منهن أمثال ميا هام وجولي فاودي على ذلك.
وشكلت هذه الجولة خطوة أخرى باتجاه ضمان الاستقلال المالي للفريق مع شروع إعداد أكبر من اللاعبات في الحصول على اتفاقيات رعاية خاصة بهن ولم يصبحن بحاجة إلى الاعتماد على الاتحاد الأميركي لكرة القدم كثيراً. بحلول ذلك الوقت، كانت شركة «نايكي» قد وسعت نطاق مشاركتها بمجال كرة القدم بعدما كانت تخص فقط ميا هام بعقد رعاية، وأضافت إليها براندي شاستين وبريانا سكوراي وتيفاني ميلبريت وتيشا فنتوريني ضمن مجموعة اللاعبات اللاتي أصبحن تحت رعاية الشركة بعقود رسمية، وظهرن جميعا في إعلانات تروج لبطولة كأس العالم للسيدات. وجاء اقتحام «نايكي» لمجال كرة القدم للسيدات ليبدل الوضع كلية أمام لاعبات الفريق حيث استفادت اللاعبات كثيراً من هذه الخطوة.
في هذا الصدد، قالت بريانا سكوراي: «كانت كرة القدم نشاطاً جانبياً في حياتي، ولم تكن تدر علي أي أموال. إلا أن الأوضاع اتخذت مساراً صحيحاً بمشاركة (نايكي)، وبدأت أحصل على بعض المال. كان التوقيت مثالياً لأنه سمح لي بسداد ديوني التي لو كنت عجزت عن سدادها، كنت سأضطر للتوقف عن اللعب. في الواقع كنا جميعاً سنتوقف عن اللعب، وكان هذا سيكون عاراً كبيراً».
ومع هذا، لم تحظ جميع اللاعبات بفرصة الرعاية تلك، لكن في ظل هذه الجهود الجماعية لتنظيم جولة من جانب المنتخب لصالح أعضاء الفريق توافرت حرية مالية. لقد نال الجميع مالاً وفيراً بفضل ذلك.
من ناحية أخرى، كانت اللاعبات يضطلعن بالمهمة التي كان يتعين على الاتحاد القيام بها من أجلهن، وسمحت هذه الجولة للمنتخب باللعب أمام جماهير لم تحضر مواجهات بطولة كأس العالم. وبالتالي، مكنت الجولة الفريق من تعزيز قاعدته الجماهيرية داخل الولايات المتحدة. وبذلك، وفرت الجولة للاعبات الفريق المال، وكذلك روجت لكرة القدم على نطاق أوسع باعتبارها «اللعبة الجميلة»، حسبما تشتهر كرة القدم بمختلف أرجاء العالم. وبذلك، نجحت الجولة في تحقيق كل ما كانت الجولة العشوائية التي خطط لها الاتحاد لأفريقيا التي لن تفلح في إنجازه.
ومثلما ذكرت جولي فاودي في بيان صحافي أطلقته بعد الجولة، فإن «الأمر الذي أدركناه في الفترة الأخيرة أن جماهيرنا ترغب في مشاهدة المزيد من المباريات لنا ومزيد من كرة القدم. ونحن نلبي نداءها».
وعليه، طالع هانك ستينبريشر وروبرت كونتيغوغليا الصحف صباح 11 يوليو (تموز) 1991، وشعرا بـ«صدمة» بعلمهما بنبأ الجولة التي نبههم أعضاء المنتخب بشأنها واستشاطا غضبا لعلمهما أن اللاعبات لن يشاركن في الجولة الأفريقية المقررة، الأمر الذي سيدفع بالمنتخب الوطني بعيداً عن دائرة الضوء.
وعلق لانغيل على هذه الفترة بقوله: «أصيبت كرة القدم الأميركية بصدمة كبيرة. وسارع مسؤولو اتحاد الكرة بالاستعانة بشركة محاماة في شيكاغو وتوجهوا إلى محكمة فيدرالية لاستصدار حكم قضائي مانع منها».
وحال صدور مثل هذا الأمر القضائي المانع، كانت الجولة ستتوقف. في المقابل، عمل جون لانغيل وفريقه القانوني ليل نهار لتحضير ردودهم القانونية في محاولة لمنع الاتحاد من الحصول على حكم قضائي بوقف الجولة. وبعد ذلك، جرى عقد اجتماعات مكوكية على مدار يومين بين لانغيل وآلان روزنبرغ، رئيس اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم لكرة القدم للسيدات عام 1999، واضطلع روزنبرغ الذي تولى رئاسة الاتحاد الأميركي لكرة القدم خلال عام 1998 بدور وساطة في الأزمة.
وقال روزنبرغ: «لقد حقق أعضاء المنتخب نجاحاً وشعبية واستفاد من ذلك بصورة جيدة. ومع هذا، فإن التجول كوحدة واحدة، بغض النظر عن الاسم الذي أطلقوه على أنفسهم ـ وظلوا في جوهرهم المنتخب الوطني. يظل حقاً حصرياً للاتحاد».
وفي خطوة ترمي لاستعادة زمام السيطرة، عرض الاتحاد الأميركي لكرة القدم 2 مليون دولار لشراء الجولة من المنتخب الوطني، على أن يقوم الفريق بالرحلة إلى أفريقيا حسبما هو مخطط. ورغم أن هذا المبلغ تجاوز كل المال الذي جنته لاعبات المنتخب من كرة القدم، فقد رفضن العرض.
وعن هذا، قالت فاودي: «شعرنا في قرارة أنفسنا بأن هذا لا يحق لهم لأنهم لم يقضوا أي وقت للتخطيط لهذه الجولة، والآن ينتظرون منا القفز من السفينة والذهاب معهم، ويأتون الآن بعد أن استثمرت هذه المجموعة التسويقية في فريق السيدات ليساوموا، رغم أنهم لم يكونوا على يقين مما إذا كنا سننجح في بطولة كأس العالم، لكن الشركة الراعية آمنت بنا في الوقت الذي لم يؤمن بنا مسؤولو الاتحاد. وعليه، جاء ردنا بالرفض».
بمرور الوقت، ازدادت المفاوضات مع اتحاد الكرة صعوبة وتوتراً وعدائية على نحو بالغ، وبدا فجأة وكأن كل القضايا المعلقة من خلافات حول العقود وغياب الاتصال والإهانات التي تعرضت لها اللاعبات جميعها طفت على السطح فجأة. وعندما التقت ميا هام وجولي فاودي وجون لانغيل برئيس الاتحاد كونتيغوغليا ومستشار الاتحاد جون كولينز في العاصمة واشنطن، بدت اللاعبات على استعداد للصمود دفاعاً عن موقفهن.
وخلال لحظة ما أثناء الاجتماع، أبدى كونتيغوغليا رفضه لجولة الانتصار المقررة واتهم اللاعبات بـ«الغش». وهنا لم تتمالك ميا هام نفسها وردت عليه بقوة، وقالت: «أنت استخدمت لفظ غش. حسناً، أنا سوف أستخدم لفظ خيانة لأنكم خدعتمونا طوال الوقت».
وفوجئ كونتيغوغليا بالرد، بينما شعرت اللاعبات بأن لم يعد بإمكانهن تحمل المزيد، وتمسكن بموقفهن حتى في مواجهة التهديد برفع دعوى قضائية ضدهن.
وقالت هام لكونتيغوغليا: «إذا رفعت دعوى قضائية ضدنا، فأنا على استعداد لعدم اللعب مرة أخرى لحساب الاتحاد الأميركي لكرة القدم». بعد ذلك، تحولت بالحديث إلى زميلتيها وقالت: «لا أعلم موقفك يا جولي، لكن بداخلي شعور قوي بالفخر إزاء ما حققناه في مسيرتنا المهنية. لقد فزنا بكأس العالم عام 1991 وكذلك عام 1999، وفزنا بدورة الألعاب الأوليمبية عام 1996، وأنا على استعداد للتوقف عن اللعب الآن».
وهزت فاودي رأسها بالإيجاب. وردت: «وأنا كذلك. أنا سعيدة للغاية باعتزال اللعب». وقالت فاودي لهام: «أنا واثقة من أن شركة (نايكي) سيروق لها اعتزالك اللعب، أيضاً»، وذلك في تلميح إلى عقود الرعاية الرابحة للغاية التي وقعها الاتحاد مع الشركة والتي بلغت قيمتها نحو 15 مليون دولار سنوياً.
وفي سؤال له حول هذه التعاقدات على وجه التحديد، قال كونتيغوغليا إنه لا يتذكرها، لكنه يذكر أنه على امتداد السنوات كانت العلاقات بين الاتحاد واللاعبات يغلب عليها العداء. وفي لحظة ما اعترف قائلا: «فقدت هدوئي»، لكنه أضاف: «كان آخر ما أتمناه الدخول في علاقات عدائية من اللاعبات».
وقال: «هذا ما يحدث في حالات التفاوض الجماعي عندما تفتقر العلاقات إلى الثقة المتبادلة. لقد كانت البيئة بشعة للغاية. ولم تكن صحية على الإطلاق، لكني ألقي باللوم هنا على المحامين».
وبينما لم يكن الاتحاد بالتأكيد سعيداً بتحدي اللاعبات له بمضيهن في الجولة الداخلية، كانت هناك اعتبارات عملية أخرى وراء معارضته للجولة، ففي ذلك الوقت كان للاتحاد رعاة محددون، وإذا ما انطلق المنتخب في جولة واستخدم معدات شركة أخرى أو ارتدى قمصانا من شركة منافسة، فإن هذا سيضر بالعلاقات التجارية القائمة آنذاك بين الاتحاد والشركات الراعية.
وبعد يومين من الاجتماعات داخل العاصمة، وبعض التبادلات الحادة بين مسؤولي الاتحاد واللاعبات، توصل الجانبان إلى تفاهم: ستشمل الجولة جميع الجهات الراعية لكرة القدم الأميركية. وبذلك، نجحت اللاعبات بالفعل في إقرار حقهن في المضي في تنفيذ الجولة.
وبعد هذا التنازل من جانب الاتحاد، انطلقت اللاعبات في المطالبة بحقوقهن بعد أن شعرن للمرة الأولى بأنهن يتمتعن بنفوذ حقيقي. وخارج غرفة الاجتماع الثاني، وقفت فاودي وهام تمزحان مع لانغيل وقالتا: «من يملك زمام القيادة الآن؟ نحن من نقود الوضع اليوم».
لقد كانت هذه الجولة ملكاً للاعبات وليس اتحاد الكرة الأميركي، ومنحت لاعبات الفريق بالفعل مصدراً مالياً خارج سيطرة الاتحاد. وخلال جولتين، كان من المقرر حصول اللاعبات على 2.4 مليون دولار. واحدة بعد بطولة كأس العالم عام 1999 وأخرى بعد دورة الألعاب الأولمبية عام 2000، بجانب مبيعات التذاكر والصور والتوقيعات التذكارية للاعبات التي حققت عائدات بقيمة 250 ألف دولار أخرى تشارك فيها الفريق. وظهرت 11 لاعبة في صورة جماعية لإعلان لشركة «شيفروليه». وبذلك عثر الفريق على حرية مالية لم يعايشها من قبل قط.
وفي إطار التفاهم النهائي الذي توصل إليه الجانبان لإرضاء اتحاد الكرة، منحت اللاعبات الاتحاد الفرصة لإدارة الجولة في وقت لاحق إذا ما ظهرت الرغبة لتكرارها. وحتى يومنا هذا، وبعد كل بطولة كبرى، ينطلق المنتخب في جولة انتصار كبرى. وقد بدأ الأمر كله عام 1999 على يد فريق شجاع، ولا يزال قائماً حتى اليوم رغم مرور عقدين.
فوز المنتخب الأميركي للسيدات بمونديال 1999 كان انتصاراً للاعبات على مسؤولي اللعبة
اللاعبة كيتلين موراي تروي في كتابها كيف غيّر نجاح فريقها وجه العلاقة مع اتحاد الكرة إلى الأبد
فوز المنتخب الأميركي للسيدات بمونديال 1999 كان انتصاراً للاعبات على مسؤولي اللعبة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة