«داعش» يراوغ بأكاذيب التمدد

أعلن «ولاية الهند» ويراهن على «خلايا طاجيكستان»

عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند  بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)
عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)
TT

«داعش» يراوغ بأكاذيب التمدد

عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند  بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)
عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)

هل تكون الهند وطاجيكستان واجهتا تنظيم «داعش» المقبلتين بعد هزائم سوريا والعراق؟ سؤال يتبادر إلى الأذهان عقب تلميحات أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، إلى تأسيس «ولايات جديدة»، خلال التسجيل المصور الذي ظهر فيه نهاية أبريل (نيسان) الماضي بعد اختفاء 5 سنوات. المساعي «الداعشية» الجديدة تأتي في إطار محاولات التنظيم إثبات قدرته على التمدد في مناطق بعيدة عن التي ظهر فيها وحاول تطبيق مشروع «الدولة المزعومة» بها وفشل، بعد أن تعرض لضربات عسكرية قوية وخسائر مادية وبشرية.
متخصصون في الحركات الإسلامية قالوا إن «داعش» يحاول أن يلفت الأنظار إليه، وإيجاد أماكن جديدة، حتى لو في الفراغ، من أجل الظهور الإعلامي فقط، وإثبات أنه ما زال موجوداً ويتوسع. مؤكدين أن «داعش» تحول إلى «خلايا نائمة» وهذا يُمثل بُعداً آخر تفوح منه رائحة الخطورة، وسط مخاوف من عمليات كبرى في الهند أو طاجيكستان أو المناطق القريبة منهما.
ويرى مراقبون أن «داعش» يُحاول أن يبدأ من جديد حيث بداياته الأولى، فالتنظيم يمتلك خبرة استراتيجية سواء في الانكفاء والانزواء على النفس، أو العودة من جديد بعد الخفوت.

ظهور البغدادي
وأعلنت وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم في مايو (أيار) الماضي، تأسيس ولاية جديدة في الهند. وذكرت دراسة لمركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي، أن «إعلان التنظيم عن تأسيس ولايته الجديدة في الهند، جاء بعد نحو شهرين من التصريحات التي أدلى بها بعض المسؤولين الغربيين بشأن القضاء عليه بنسبة كبيرة، وبعد الظهور الأخير للبغدادي، والذي تزامن مع حلول الذكرى الخامسة لتأسيس التنظيم ذاته، وهو ما يكشف أن التنظيم كان يسعى عبر ذلك إلى توجيه رسالة مفادها أن المشروع الذي سعى إلى تطبيقه لم يسقط بعد، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها».
وقال عمرو عبد المنعم، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، إن «(داعش) يحاول لفت الأنظار إليه، وإيجاد أماكن جديدة له، حتى لو في الفراغ، من أجل الظهور الإعلامي فقط، وتأكيد أنه ما زال موجوداً ويهدد ويتوسع، فالتنظيم لم يُنفذ إلا 3 أو 4 عمليات في الهند على مدى السنوات الماضية، وهي عمليات لا تُذكر، ولا يستطيع القول إنه حقق في الهند أي نجاحات سابقة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «التنظيم يحاول أن يُعلن عن (ولاية الهند) عقب الفشل الكبير الذي مُني به في العراق وسوريا، والضربات التي تلقاها في ليبيا، وارتفاع الصراع الوجودي بينه وبين (القاعدة)، خصوصاً أن (القاعدة) كان له عمليات في الهند منذ أحداث أفغانستان ثم البوسنة والهرسك».
ولفت عبد المنعم إلى أن «بعض عناصر (القاعدة) لجأوا إلى آسيا الوسطى والقوقاز من قبل، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، استقلت هذه الدول وورثت الصراعات المذهبية والسياسية، ويسعى التنظيم إلى استغلال التوترات التي تتسم بطابع ديني أو عرقي لتعزيز قدرته لتحقيق أهدافه».
ويشار إلى أن فقدان «القاعدة» النفوذ في الهند، اعتبره «داعش» فرصة للتمدد في المناطق التي سبق أن سعى تنظيم «القاعدة» إلى الظهور فيها.

بؤر جديدة
وعن أهداف «داعش» من إعلان عن «ولاية الهند». أرجعتها دراسة مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» إلى محاولة التنظيم الهروب إلى الأمام، إذ يبدو أن قادة «داعش» باتوا يدركون أن الحفاظ على هيكل التنظيم في كل من العراق وسوريا بات صعباً بدرجة كبيرة، خصوصاً بعد سقوط الباغوز التي مثّلت نهاية للمشروع الذي تبناه وحاول تطبيقه على الأرض، وهو ما دفعهم إلى البحث عن بؤر جديدة يُمكن من خلالها ليس فقط الحفاظ على هذا المشروع، إنما أيضاً تمكين العناصر الهاربة من البؤر «الداعشية» المحاصرة من الانتقال إليها. ورغم اهتمام «داعش» بمحاولات تعزيز نفوذه في القارة الأفريقية فإنه يواجه عقبات في مقدمتها النفوذ الذي يحظى به «القاعدة»، الذي تمكن من توجيه ضربات قوية إلى بعض المجموعات «الداعشية» في مناطق نفوذها، خصوصاً في منطقة الساحل الأفريقي، وهو ما دفع قادة «داعش» إلى البحث عن مناطق جديدة يُمكن أن يحققوا من خلالها هذا الهدف. بالإضافة إلى أن التنظيم ما زال حريصاً على استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية في أنحاء مختلفة من العالم، حيث يستخدم آليات مختلفة في هذا السياق، يتمثل أبرزها في الإعلان عن تأسيس «ولايات خارجية» تابعة له، أو مبايعة مجموعات إرهابية مختلفة قريبة من توجهاته.
لكن الدراسة ذكرت أن الفرع الجديد في الهند ربما لن يتمكن بسهولة من ممارسة الدور نفسه الذي سبق أن مارسه بعض المجموعات الإرهابية التي أعلنت مبايعتها لـ«داعش»، خصوصاً أن تلك الخطوة الأخيرة جاءت في سياق محاولات التنظيم مواجهة انحسار نشاطه ورفع معنويات كوادره وعناصره.

تداعيات الانحسار
في غضون ذلك، يسعى «داعش» أيضاً إلى طاجيكستان في إطار التمدد في آسيا الوسطى، كونها تمثل أهمية كبيرة بالنسبة إليه، إذ يرى أن هذا التمدد يمكن أن يساعده في احتواء تداعيات الانحسار والتراجع الذي يعاني منه في العراق وسوريا.
وأكد المراقبون أن التنظيم سعى عبر الخلايا التي قام بتكوينها داخل طاجيكستان إلى تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها، حيث وجه القضاء الطاجيكي في بداية مايو (أيار) 2016 اتهاماً إلى اثنين من عناصر التنظيم بمحاولة استهداف الرئيس إمام علي رحمانوف عام 2015.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلن «داعش» تبنيه قتل أربعة من راكبي الدراجات الغربيين دهستهم سيارة في طاجيكستان... وقتل «داعش» في مايو الماضي، ثلاثة من حراس سجن مدينة فاخدات، و29 نزيلاً في السجن شديد الحراسة.
وعن حرص «داعش» على تعزيز نفوذه داخل طاجيكستان. قالت دراسة مركز «المستقبل» في هذا الصدد إن «روسيا تمثل إحدى القوى الدولية التي تحاول الخلايا التابعة لـ(داعش) استهداف مصالحها، خصوصاً في ظل الدور الذي تقوم به في سوريا، حيث رفعت مستوى انخراطها العسكري في الصراع السوري منذ سبتمبر (أيلول) 2015 على نحو أسهم بشكل كبير في تغيير توازنات القوى لصالح النظام السوري، فضلاً عن أنها مثّلت ظهيراً دولياً حال دون صدور قرارات إدانة ضده من مجلس الأمن».
من جانبه، قال خالد الزعفراني، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنظيم تحول إلى (خلايا نائمة) الفترة الماضية، وهذا يمثل بعداً آخر تفوح منه رائحة الخطورة، حيث الانتشار في شكل أفراد أو مجموعات صغيرة، والاندماج وسط المجتمعات المحلية في الهند وطاجيكستان، وفي المناطق الصحراوية التي لدى التنظيم خبرة الاختفاء فيها».

صراعات مذهبية
بينما أكد عبد المنعم أن «(داعش) أسهل له أن يعلن عن تأسيس ولاية هنا أو هناك، فهو يعمل في المساحات الفارغة أو الضيقة في المحيط الدولي الواسع، فهو يتحرك بقوة في أفريقيا، وفي طاجيكستان مستغلاً الخلاف السني والشيعي، لأن طاجيكستان وريث صراع 3 قوى (الشيوعية، والقوى السنية المتمثلة في تركيا، والشيعية المتمثلة في إيران)، فالصراع كبير في طاجيكستان، ويحاول التنظيم أن يدخل في هذه المساحات ويلعب عليها، فهو يدّعي تحركه ضد الرافضة، ثم يدّعي تحركه ضد الشيوعية، ومرة ثالثة يدّعي تحركه ضد القوى العلمانية، وهذا كله وفقاً لما يخدم مصالحه». وأشارت تقارير روسية في فبراير (شباط) الماضي، وفقاً للدراسة، إلى أن ثمة مخاوف عديدة تنتاب موسكو من احتمالات عودة مقاتلي «داعش» إلى دولهم الأصلية في آسيا الوسطى من أجل توجيه ضربات ضد مصالحها، خصوصاً في طاجيكستان، إذ تمكن «داعش» من تأسيس خلايا عديدة تابعة له داخل أفغانستان، التي يسعى عبرها إلى مهاجمة مصالح بعض القوى الدولية والمحلية، فضلاً عن استهداف التنظيمات الإرهابية المنافسة. وذكرت التقارير نفسها أن تنظيم «داعش» يحاول الاستعانة بخلاياه الموجودة في طاجيكستان في العمليات التي يقوم بتنفيذها داخل أفغانستان، لدرجة أن عدد الطاجيك داخل ما تسمى «ولاية خراسان» زاد بشكل ملحوظ في الفترة الماضية، بالإضافة إلى استغلال السجون في تجنيد واستقطاب عناصر جديدة، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى التحذير من المخاطر التي يفرضها الجمع بين عناصر «داعش» والسجناء في قضايا أخرى داخل السجون الطاجيكية.
في هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم: «لا نستطيع أن نغفل أنه عندما يعلن (داعش) عن ولاية جديدة سواء في الهند أو طاجيكستان، أن تتبعها عملية كبرى سواء في هاتين الدولتين أو في منطقة قريبة منهما... وهو بذلك يريد أن يُغطي على عملية كبرى قد تحدث في آسيا الوسطى».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».