هل تكون الهند وطاجيكستان واجهتا تنظيم «داعش» المقبلتين بعد هزائم سوريا والعراق؟ سؤال يتبادر إلى الأذهان عقب تلميحات أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، إلى تأسيس «ولايات جديدة»، خلال التسجيل المصور الذي ظهر فيه نهاية أبريل (نيسان) الماضي بعد اختفاء 5 سنوات. المساعي «الداعشية» الجديدة تأتي في إطار محاولات التنظيم إثبات قدرته على التمدد في مناطق بعيدة عن التي ظهر فيها وحاول تطبيق مشروع «الدولة المزعومة» بها وفشل، بعد أن تعرض لضربات عسكرية قوية وخسائر مادية وبشرية.
متخصصون في الحركات الإسلامية قالوا إن «داعش» يحاول أن يلفت الأنظار إليه، وإيجاد أماكن جديدة، حتى لو في الفراغ، من أجل الظهور الإعلامي فقط، وإثبات أنه ما زال موجوداً ويتوسع. مؤكدين أن «داعش» تحول إلى «خلايا نائمة» وهذا يُمثل بُعداً آخر تفوح منه رائحة الخطورة، وسط مخاوف من عمليات كبرى في الهند أو طاجيكستان أو المناطق القريبة منهما.
ويرى مراقبون أن «داعش» يُحاول أن يبدأ من جديد حيث بداياته الأولى، فالتنظيم يمتلك خبرة استراتيجية سواء في الانكفاء والانزواء على النفس، أو العودة من جديد بعد الخفوت.
ظهور البغدادي
وأعلنت وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم في مايو (أيار) الماضي، تأسيس ولاية جديدة في الهند. وذكرت دراسة لمركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي، أن «إعلان التنظيم عن تأسيس ولايته الجديدة في الهند، جاء بعد نحو شهرين من التصريحات التي أدلى بها بعض المسؤولين الغربيين بشأن القضاء عليه بنسبة كبيرة، وبعد الظهور الأخير للبغدادي، والذي تزامن مع حلول الذكرى الخامسة لتأسيس التنظيم ذاته، وهو ما يكشف أن التنظيم كان يسعى عبر ذلك إلى توجيه رسالة مفادها أن المشروع الذي سعى إلى تطبيقه لم يسقط بعد، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها».
وقال عمرو عبد المنعم، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، إن «(داعش) يحاول لفت الأنظار إليه، وإيجاد أماكن جديدة له، حتى لو في الفراغ، من أجل الظهور الإعلامي فقط، وتأكيد أنه ما زال موجوداً ويهدد ويتوسع، فالتنظيم لم يُنفذ إلا 3 أو 4 عمليات في الهند على مدى السنوات الماضية، وهي عمليات لا تُذكر، ولا يستطيع القول إنه حقق في الهند أي نجاحات سابقة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «التنظيم يحاول أن يُعلن عن (ولاية الهند) عقب الفشل الكبير الذي مُني به في العراق وسوريا، والضربات التي تلقاها في ليبيا، وارتفاع الصراع الوجودي بينه وبين (القاعدة)، خصوصاً أن (القاعدة) كان له عمليات في الهند منذ أحداث أفغانستان ثم البوسنة والهرسك».
ولفت عبد المنعم إلى أن «بعض عناصر (القاعدة) لجأوا إلى آسيا الوسطى والقوقاز من قبل، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، استقلت هذه الدول وورثت الصراعات المذهبية والسياسية، ويسعى التنظيم إلى استغلال التوترات التي تتسم بطابع ديني أو عرقي لتعزيز قدرته لتحقيق أهدافه».
ويشار إلى أن فقدان «القاعدة» النفوذ في الهند، اعتبره «داعش» فرصة للتمدد في المناطق التي سبق أن سعى تنظيم «القاعدة» إلى الظهور فيها.
بؤر جديدة
وعن أهداف «داعش» من إعلان عن «ولاية الهند». أرجعتها دراسة مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» إلى محاولة التنظيم الهروب إلى الأمام، إذ يبدو أن قادة «داعش» باتوا يدركون أن الحفاظ على هيكل التنظيم في كل من العراق وسوريا بات صعباً بدرجة كبيرة، خصوصاً بعد سقوط الباغوز التي مثّلت نهاية للمشروع الذي تبناه وحاول تطبيقه على الأرض، وهو ما دفعهم إلى البحث عن بؤر جديدة يُمكن من خلالها ليس فقط الحفاظ على هذا المشروع، إنما أيضاً تمكين العناصر الهاربة من البؤر «الداعشية» المحاصرة من الانتقال إليها. ورغم اهتمام «داعش» بمحاولات تعزيز نفوذه في القارة الأفريقية فإنه يواجه عقبات في مقدمتها النفوذ الذي يحظى به «القاعدة»، الذي تمكن من توجيه ضربات قوية إلى بعض المجموعات «الداعشية» في مناطق نفوذها، خصوصاً في منطقة الساحل الأفريقي، وهو ما دفع قادة «داعش» إلى البحث عن مناطق جديدة يُمكن أن يحققوا من خلالها هذا الهدف. بالإضافة إلى أن التنظيم ما زال حريصاً على استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية في أنحاء مختلفة من العالم، حيث يستخدم آليات مختلفة في هذا السياق، يتمثل أبرزها في الإعلان عن تأسيس «ولايات خارجية» تابعة له، أو مبايعة مجموعات إرهابية مختلفة قريبة من توجهاته.
لكن الدراسة ذكرت أن الفرع الجديد في الهند ربما لن يتمكن بسهولة من ممارسة الدور نفسه الذي سبق أن مارسه بعض المجموعات الإرهابية التي أعلنت مبايعتها لـ«داعش»، خصوصاً أن تلك الخطوة الأخيرة جاءت في سياق محاولات التنظيم مواجهة انحسار نشاطه ورفع معنويات كوادره وعناصره.
تداعيات الانحسار
في غضون ذلك، يسعى «داعش» أيضاً إلى طاجيكستان في إطار التمدد في آسيا الوسطى، كونها تمثل أهمية كبيرة بالنسبة إليه، إذ يرى أن هذا التمدد يمكن أن يساعده في احتواء تداعيات الانحسار والتراجع الذي يعاني منه في العراق وسوريا.
وأكد المراقبون أن التنظيم سعى عبر الخلايا التي قام بتكوينها داخل طاجيكستان إلى تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها، حيث وجه القضاء الطاجيكي في بداية مايو (أيار) 2016 اتهاماً إلى اثنين من عناصر التنظيم بمحاولة استهداف الرئيس إمام علي رحمانوف عام 2015.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلن «داعش» تبنيه قتل أربعة من راكبي الدراجات الغربيين دهستهم سيارة في طاجيكستان... وقتل «داعش» في مايو الماضي، ثلاثة من حراس سجن مدينة فاخدات، و29 نزيلاً في السجن شديد الحراسة.
وعن حرص «داعش» على تعزيز نفوذه داخل طاجيكستان. قالت دراسة مركز «المستقبل» في هذا الصدد إن «روسيا تمثل إحدى القوى الدولية التي تحاول الخلايا التابعة لـ(داعش) استهداف مصالحها، خصوصاً في ظل الدور الذي تقوم به في سوريا، حيث رفعت مستوى انخراطها العسكري في الصراع السوري منذ سبتمبر (أيلول) 2015 على نحو أسهم بشكل كبير في تغيير توازنات القوى لصالح النظام السوري، فضلاً عن أنها مثّلت ظهيراً دولياً حال دون صدور قرارات إدانة ضده من مجلس الأمن».
من جانبه، قال خالد الزعفراني، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنظيم تحول إلى (خلايا نائمة) الفترة الماضية، وهذا يمثل بعداً آخر تفوح منه رائحة الخطورة، حيث الانتشار في شكل أفراد أو مجموعات صغيرة، والاندماج وسط المجتمعات المحلية في الهند وطاجيكستان، وفي المناطق الصحراوية التي لدى التنظيم خبرة الاختفاء فيها».
صراعات مذهبية
بينما أكد عبد المنعم أن «(داعش) أسهل له أن يعلن عن تأسيس ولاية هنا أو هناك، فهو يعمل في المساحات الفارغة أو الضيقة في المحيط الدولي الواسع، فهو يتحرك بقوة في أفريقيا، وفي طاجيكستان مستغلاً الخلاف السني والشيعي، لأن طاجيكستان وريث صراع 3 قوى (الشيوعية، والقوى السنية المتمثلة في تركيا، والشيعية المتمثلة في إيران)، فالصراع كبير في طاجيكستان، ويحاول التنظيم أن يدخل في هذه المساحات ويلعب عليها، فهو يدّعي تحركه ضد الرافضة، ثم يدّعي تحركه ضد الشيوعية، ومرة ثالثة يدّعي تحركه ضد القوى العلمانية، وهذا كله وفقاً لما يخدم مصالحه». وأشارت تقارير روسية في فبراير (شباط) الماضي، وفقاً للدراسة، إلى أن ثمة مخاوف عديدة تنتاب موسكو من احتمالات عودة مقاتلي «داعش» إلى دولهم الأصلية في آسيا الوسطى من أجل توجيه ضربات ضد مصالحها، خصوصاً في طاجيكستان، إذ تمكن «داعش» من تأسيس خلايا عديدة تابعة له داخل أفغانستان، التي يسعى عبرها إلى مهاجمة مصالح بعض القوى الدولية والمحلية، فضلاً عن استهداف التنظيمات الإرهابية المنافسة. وذكرت التقارير نفسها أن تنظيم «داعش» يحاول الاستعانة بخلاياه الموجودة في طاجيكستان في العمليات التي يقوم بتنفيذها داخل أفغانستان، لدرجة أن عدد الطاجيك داخل ما تسمى «ولاية خراسان» زاد بشكل ملحوظ في الفترة الماضية، بالإضافة إلى استغلال السجون في تجنيد واستقطاب عناصر جديدة، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى التحذير من المخاطر التي يفرضها الجمع بين عناصر «داعش» والسجناء في قضايا أخرى داخل السجون الطاجيكية.
في هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم: «لا نستطيع أن نغفل أنه عندما يعلن (داعش) عن ولاية جديدة سواء في الهند أو طاجيكستان، أن تتبعها عملية كبرى سواء في هاتين الدولتين أو في منطقة قريبة منهما... وهو بذلك يريد أن يُغطي على عملية كبرى قد تحدث في آسيا الوسطى».