العسل في فرانكفورت.. من سطح الفندق إلى مائدة الفطور

أكثر من 40 ألف نحلة تطل على أجمل مناظر المدينة من الطابق الثامن والعشرين

مربي النحل يعتني بالخلايا على سطح الفندق في وسط فرانكفورت
مربي النحل يعتني بالخلايا على سطح الفندق في وسط فرانكفورت
TT

العسل في فرانكفورت.. من سطح الفندق إلى مائدة الفطور

مربي النحل يعتني بالخلايا على سطح الفندق في وسط فرانكفورت
مربي النحل يعتني بالخلايا على سطح الفندق في وسط فرانكفورت

تشتهر فرانكفورت في ألمانيا بعمائرها الجميلة وأبنيتها شاهقة العلو ووسطها الذي تتنافس فيه ناطحات السحاب لتجعل منها عنوانا مميزا لمحبي هذا النمط من الأبنية، فهي تذكرك بمدينة نيويورك، لأن هذا المشهد لا تراه كثيرا في المدن الأوروبية.
وإذا كنت زرت فرانكفورت ووجدتها مميزة عن باقي المدن الألمانية، فهناك ميزة أخرى قد لا تعرفها، وهي أن فرانكفورت تشجع على المحافظة على بيئة النحل وتصنيع العسل الطبيعي، وهذه الفكرة جاء بها وشجعها فندق «جميرا» الواقع في وسط المدينة وبالتحديد عند منطقة التسوق «مايزيل»، فمنذ افتتاح الفندق عام 2011 بدأت إدارة الفندق بتربية النحل على سطح الفندق في الطابق الثامن والعشرين، ويعيش حاليا في خلية النحل أربعون ألف نحلة بمن فيهم الملكة، ويقوم مربو النحل بزيارة القفير مرة في الأسبوع، ويوجد أربع خلايا يتمكن النحل فيها من الطيران على مسافة ثلاثة كيلومترات لغاية نهر «بالمنغارتن» القريب، أو حديقة النباتات الواقعة في الجهة المقابلة من النهر.
ويتم استخراج العسل من الخلية ويتم استعماله في الفندق، لا سيما في مطعم «ماكس أون وان»، وهناك عدد كبير من الزوار من خارج الفندق يأتون فقط لتذوق الفطور ومشاهدة العسل الطبيعي وهو يتدفق وكأنه نهر بلون الذهب ليصل إلى وعاء صغير، يمكن الذواقة من التمييز ما بين العسل الطبيعي والعسل المصنع الغني بالسكر.
إضافة إلى فترة الفطور واعتبار العسل أهم المكونات التي تقدم على طريقة «البوفيه المفتوح» يدخل العسل أيضا في وصفات أطباق أخرى فترة الغداء والعشاء ومن أشهرها طبق السلمون، حيث يتم نقع السمك في العسل لمدة طويلة وبعدها يطهى على البخار لتبقى نكهة العسل داخل السلمون، الخلطة أكثر من رائعة.
يعتز العاملون بهذه الصفة المميزة التي يتبناها الفندق، خاصة أنه فندق عصري من فئة خمس نجوم وشعاره «ابق متميزا)، يقصده رجال الأعمال في الدرجة الأولى بحكم موقعه المثالي والخدمات التي يقدمها، بالإضافة إلى السياح الباحثين عن عناوين الإقامة التي تمزج ما بين العصرية والموقع، وجميرا نجح في مزج الميزتين وأضاف إليهما مقاصف الأكل المميز أيضا إذ يوجد في الفندق مطعمان، الريان ويقدم المأكولات اللبنانية و«ماكس أون وان» الذي يتميز بمطبخ مفتوح يمكنك من رؤية عملية الطهي وحركة الطهاة التي لا تقل حركة عما يجري في خلايا النحل على سطح المبنى.
وبحسب إدارة الفندق، الفكرة من وراء تربية النحل هي لتشجيع المحافظة على البيئة، خاصة أنه من المستحيل الحصول على بعض أنواع المأكولات لولا وجود النحل، كما أنه ليس من الممكن أن تنمو أشجار الفاكهة والحبوب وتلقح لو لم تكن هناك خلايا نحل تعمل على مدار الساعة.
عندما تصل إلى المطعم يقدم لك النادل لوحا إلكترونيا ويدعوك إلى مشاهدة فيلم قصير عن حياة النزلاء الدائمين في الفندق في الطابق الأخير، ويشرح كيفية تربية النحل وتشجيع الفندق للفكرة ليثبت بأنه من الممكن مزج حياة المدينة مع الحياة الطبيعية، وهذا الفيلم كفيل في إقناعك لتناول الأطباق التي يدخل العسل في مكوناتها أو شراء عبوة من العسل عند مغادرة الفندق لتبقى ذكرى حلوة. ولمحبي وجبة الفطور، فالعسل هو سيد المائدة لأنه يوجد بالقرب منه صور تشرح فوائده وطريقة تحضيره، وهناك إقبال شديد على تناول العسل مع الخبز المحمص، وهذا الخيار أكثر من رائع لأن ألمانيا تشتهر بتنوع الخبز فيها، وإذا كنت من الذين يتحاشون تناول الخبز لأسباب لها علاقة بالحمية الغذائية، فيوجد في ألمانيا أنواع كثيرة من الخبز الأسمر الخالي من الدقيق الأبيض، ويمكن أن تجد عدة أنواع منه على المائدة في الفندق.
يشار إلى أن عدد النحل ينخفض في الشتاء لأن هذا النوع من الكائنات لا يتكاثر في هذا الفصل، لذا ينخفض عدد الخلايا، أما النحل المتبقي يبارح مكانه داخل الخلية طيلة تلك الفترة ويقوم بمهمة تدفئة الملكة وحمايتها من الصقيع والبرد.
مبنى الفندق تابع إلى سلسلة مباني «باليه كارتييه» أو «مربع القصور» في فرانكفورت، ويقع على مسافة قصيرة جدا من منطقة التسوق ومركز «مايزيل» ووسط المدينة المالي، ومن أهم ما يمكن أن تزوره في فرانكفورت، متحف الفنون الحديثة و«غوتي هاوس» بالإضافة إلى مركز معارض فرانكفورت.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».