فرنسا تدعو لإشراك قضاة دوليين لمحاكمة «الدواعش» الأجانب في العراق

TT

فرنسا تدعو لإشراك قضاة دوليين لمحاكمة «الدواعش» الأجانب في العراق

أعلنت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبيه، أنها ناقشت مع بلدان أوروبية «فرضية» تشكيل محكمة دولية في العراق لمحاكمة الإرهابيين الأجانب في تنظيم داعش. وفيما عد خبير قانوني عراقي أن الدستور العراقي لا يسمح بذلك، فقد أكدت الوزيرة الفرنسية في تصريح لها أن «هذه فرضية طُرحت على المستوى الأوروبي مع عدد من زملائي، من وزراء داخلية وعدل»، موضحة أن «هذه النقاشات تجرى في إطار مجموعة (فندوم) التي تضم خاصة وزراء العدل الألماني، والإسباني، والإيطالي».
وشددت وزيرة العدل الفرنسية على أن هذه المحكمة ليست سوى «فرضية عمل». وأضافت أن هذه «المحكمة الدولية» ستُنشأ «في المكان المعني، ليس في سوريا على الأرجح، ربما في العراق»، مشيرة إلى أنه يمكنها العمل بمشاركة «قضاة أوروبيين وفرنسيين وعراقيين». لكنها ذكرت عدداً من «الصعوبات»، مضيفة: «يتعين الحصول على موافقة الدولة العراقية، وطرح شروط، خاصة شرط عقوبة الإعدام التي يتعين حظرها». وعن الفرنسيين المحكوم عليهم بالإعدام، أكدت بيلوبيه «قلنا مراراً للدولة العراقية إن عقوبة الإعدام لا يمكن أن تطبق». وأضافت «ثمة مناقشات جارية... إننا نسهر على عدم تنفيذ عقوبة الإعدام بالأشخاص الذين نتحمل مسؤوليتهم».
وحُكم بالإعدام على 11 فرنسياً اعتقلوا في سوريا وحوكموا في العراق، لانتمائهم إلى تنظيم داعش، ما أثار انتقادات حادة في فرنسا، خاصة من قبل محامين متخصصين في القضايا الجنائية.
إلى ذلك أكد الخبير القانوني العراقي طارق حرب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الدعوة باطلة من الأساس لأنها تتناقض أولا مع الدستور العراقي الذي لا يسمح بمصادرة الاختصاص القضائي العراقي لمن ارتكب جريمة بحق العراق كما أنها تسلب العراق أي امتيازات قانونية خاصة يحكمها الدستور والقانون العراقيان». وأضاف حرب أن «مفهوم المحكمة الدولية يعني أن أحكامها لا تخضع للقانون العراقي حيث لا استئناف ولا تمييز ولا أحكام إعدام وبالتالي لا مصادقة رئيس الجمهورية على أحكام الإعدام كشرط لتنفيذها ولا حق لوزارة العدل بالتنفيذ»، مبينا أن «العراق وبموجب الدستور والقوانين النافذة لا يمكنه التنازل عن ارتكاب جريمة ضده حيث يسري هنا القضاء العراقي وحده دون مشاركة أحد آخر» متسائلا «لماذا لم يحاكموا في فرنسا طالما إنهم حريصون على نمط معين من العدالة إذا أخذنا بنظر الاعتبار اعتراضاتهم على عقوبة الإعدام». وأوضح حرب أن «الفرنسيين لم يرسلوا حتى محامي دفاع عن هؤلاء ومع ذلك إنهم يريدون تسويق مفهوم الحرية باعتبارهم يدافعون عن عقوبة الإعدام التي هي نافذة بموجب القانون العراقي ولا يمكن التنازل عنها في ظل تنامي موجة الإرهاب».
وأشار حرب إلى أن «(الداعشي) طالما يرتكب جريمة داخل العراق فإنه يحاكم وفق الاختصاص القضائي العراقي أما (الداعشي) الذي لم يرتكب جريمة بالعراق فلا شأن لنا به».
إلى ذلك بدأت خلايا «داعش» النائمة القيام بمجموعة من العمليات الإرهابية في مناطق مختلفة من العراق فيما تشن القوات الأمنية العراقية سلسلة من الهجمات ضدها. وعاودت هذه الخلايا أنشطتها بعد ظهور زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في فيديو جديد أواخر أبريل (نيسان) الماضي بعد نحو 5 سنوات من آخر ظهور له في الموصل عند احتلالها خلال شهر يونيو (حزيران) 2014.
وكانت منظمة الأمم المتحدة أعلنت عن مقتل نحو 50 ألف عسكري ومدني في العراق جراء الحرب على «داعش». وقالت المنظمة في تقرير لها إن «الحرب على (داعش) تركت نحو 4 ملايين نازح ومتضرِّر وتسببت بهدم بنحو 200 ألف دار خلال سنوات سيطرة التنظيم على عدد من المحافظات». وأضاف التقرير أن «فاتورة الحرب كانت باهظة جداً حيث أودت بحياة 50 ألف شخص بين مدني وعسكري، فيما سجلت نسبة البطالة فـي المناطق المحررة نحو 60 في المائة»، موضحة أن «كلفة إعادة إعمار ما دمرته الحرب بلغت أكثر من 100 مليار دولار، في حين بلغت تكاليف الجهد العسكري نحو 300 مليار دولار»، لافتة إلى «وجود نحو 8 ملايين طن من الأنقاض خلفتها العمليات العسكرية».
وبشأن استمرار الأعمال الإرهابية التي ينفذها «داعش» بين آونة وأخرى أكد الخبير المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة الدكتور هشام الهاسمي لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يدفع إلى نـوع مـن التشـاؤم أن شبكات ومفارز (داعش) نفذت خلال الأسبوع الماضي 39 عملية إرهابية راح ضحيتها نحو 60 بين شهيد وجريح، وكان أشدها فتنة هجمات (داعش) على الحشد في أطراف أبو صيدا وأشد منها ردة الفعل العشائرية بالضد من أهالي قرية أبو الخنازير في محافظة ديالى». ويضيف الهاشمي أن «الأمر نفسه تكرر في ثلاث هجمات وكمين محكم في منطقة الطارمية شمال بغداد بالإضافة إلى عمليات أخرى جنوب وغرب نينوى، وفي جنوب وغرب صلاح الدين وشمال وجنوب الأنبار، وفي شرق وشمال ديالي، وفي شمال وغرب بغداد، وفي جنوب وغرب كركوك». وحول طريقة المواجهة التي تعتمدها القوات الأمنية يقول الهاشمي إنها «لا تزال تقليدية في الممارسـات التنفيذية والمعلوماتية فهـي لا تختلف عـن خطط الحروب التقليدية السـابقة لهـا في معارك التحرير، فحرب تحرير المدن وطرد الإرهابيين تختلف عن حرب مطاردة فلول الإرهابيين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.