في ظل تزايد الاهتمام العالمي بتلوث البحار بالبلاستيك، شرع علماء في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) في مشروعين بحثيين، الأول يفحص النفايات البلاستيكية على شواطئ البحر الأحمر وداخل مياهه، والثاني يدرس تداعيات ذلك على صحة النظام البيئي للبحر الأحمر.
فقد طور فريق العلماء طريقة يجري فيها استخدام طائرات مسيرة «درون» مزودة بآلات التصوير، إلى جانب تقنية تعلم الآلة، التي تمكن أجهزة الكومبيوتر من اتخاذ إجراءات بعد التعرف على المعلومات، لتحسين مراقبة النفايات البلاستيكية في بُقَعٍ شاسعة من المناطق الساحلية.
وتشير سيسيليا مارتين، طالبة الدكتوراه في العلوم البحرية إلى أن ملايين الأطنان من البلاستيك تلقى كل عام في البحر، لكننا لا نعلم أين ينتهي المطاف بهذه الكميات. وتضيف: «أستعير هنا كلمات جينا جامبيك من جامعة جورجيا (إحدى أكثر العلماء تأثيراً في مجال تلوث البحر بالبلاستيك) التي أوضحت أنه لا يمكننا التحكم فيما لا نستطيع قياسه. لذا فإن تقدير كميات البلاستيك على الشواطئ، خطوة حاسمة لتحديد كمية النفايات البلاستيكية البحرية كلها»، وفق بيان للبحث تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه.
لكن مثل هذا الإحصاء يتسم بالبطء الشديد وعدم الكفاءة؛ إذ تعتمد الطرق الحالية على أشخاص يسيرون على الأقدام، ويمسحون بُقعاً صغيرة في المناطق التي يمكن الوصول إليها من الشواطئ، وهو ما يجعل هذه الطريقة غير عملية في تقدير أنماط التوزيع العالمي للفضلات البلاستيكية على سواحلنا.
للتغلب على هذه المعضلة، اختبر كارلوس دوارتي، أستاذ علوم البحار في كاوست، وزملاؤه من أقسام الجامعة، طائرات الدرون لمسح أجزاء أكبر من الشواطئ بصورة أسرع من الطرق الحالية.
أجرى الفريق مسحاً قياسياً معتاداً للأجسام البلاستيكية الموجودة على الشاطئ، ثم قارنوا النتائج مع أعداد الأجسام البلاستيكية التي أسفر عنها تحليل الصور التي التقطتها إحدى تلك الطائرات، لنفس المنطقة من الشاطئ، ووجدوا أن تلك المركبات تستطيع أن تمسح الشواطئ بحثاً عن البلاستيك بمقدار أربعين مرة أسرع من الطريقة البصرية المعتادة. وكان المسح اليدوي للصور التي التقطتها الطائرة الدرون من على ارتفاع عشرة أمتار دقيقاً بنسبة 62 في المائة.
بعد ذلك أدخل الفريق صورَ تلك النفايات إلى جهاز كومبيوتر بهدف تدريبه على اكتشاف المواد البلاستيكية أوتوماتيكياً عند تزويده بصور جديدة، أدَّت هذه الطريقة إلى تقدير كمية النفايات البلاستيكية على الشاطئ بأكبر من قيمتها الحقيقية، لكنها كانت دقيقة نسبياً من حيث قدرتها على تحديد النسب المئوية للأنواع المختلفة من البلاستيك، مثل أوعية المشروبات، وأغطية الزجاجات، والأكياس البلاستيكية.
وتقول مارتين، موضحة أنه رغم ما يشوب هذه الطريقة من بعض أوجه القصور، فإنها تبدو واعدة؛ إذ يمكن إجراء تحسينات عن طريق استخدام كاميرا ذات دقة أعلى في الطائرة، وتغذية الكومبيوتر بالمزيد من عينات الصور.
وبالفعل، يعمل فريق من قسم علوم الحاسب في كاوست على تحسين الخوارزمية المستخدمة.
إلى ذلك، استنتج الفريق البحثي أن 80 في المائة من النفايات البلاستيكية الموجودة في المحيطات مصدرها أنشطة تحدث على اليابسة. وبمجرد أن تدخل المواد البلاستيكية إلى المحيط، توزعها التيارات البحرية، أو تغوص إلى قاع البحر، حيث تتحلل ببطء إلى مكونات أصغر، تسمى microplastics، أو المواد البلاستيكية الدقيقة، وهي قطع من البلاستيك حجمها أصغر من 5 ملليمترات، والتي تبتلعها الأحياء البحرية، لأنها تشبه - من حيث الحجم - فرائس عدد كبير من الكائنات البحرية. ويمكن لهذه المواد الدقيقة أن تسد أو تجرح القناة الهضمية للحيوان، كما يمكن أيضاً أن يكون لها تأثيرات سامة عندما تتسرب مكوناتُها الضارة إلى الأنسجة المحيطة.
وجمع الباحثون 178 سمكة تنتمي إلى 26 نوعاً من أربعة موائل بحرية مختلفة، وبفحص محتويات أمعاء هذه الأسماك تبين أن واحدة من كل ست سمكات قد ابتلعت قِطَعاً صغيرة من البلاستيك. تشبه هذه الاكتشافات ما تم التوصل إليه في أنظمة بيئية بحرية أخرى، رغم أن بحوثاً سابقة في كاوست أفادت بأن البحر الأحمر يحتوي على أقل كمية من المواد البلاستيكية الدقيقة الطافية مقارنة ببحار العالم.
وأشارت طالبة الماجستير فادية بالخيور إلى أن الاكتشاف الرئيسي لهذه الدراسة أوضح أن التلوث بالمواد البلاستيكية الدقيقة قد وصل إلى الأنواع التجارية وغير التجارية من الأسماك، وربما كان يلوِّث السمك الذي نستهلكه.
وتضيف بالخيور: «كان الاكتشاف المفاجئ هو كمية الألياف المبتلَعة التي تنشأ عن تحلل بقايا البلاستيك، كبقايا مواد التغليف، ونواتج غسل الأقمشة المصنعة، وقد يشير ذلك إلى أن هذه الألياف منتشرة في جميع البيئات البحرية، وقد تصبح مصدراً رئيسياً لتلوث المياه في البحر الأحمر». وقد يَثبُت أن الأسماك مستودعٌ رئيسي لقدر هائل من البلاستيك الذي نستخدمه ونتخلص منه بصفة يومية. ويُعِد الفريق الآن تصميم تجربة لدراسة عملية التقاط المواد البلاستيكية الدقيقة بواسطة الأسماك في ظروف مختبرية.
المخلفات البلاستيكية تصل إلى أسماك البحر الأحمر وتهدد ثروته
علماء {كاوست} يرسلون «الدرونز» لمسح الشواطئ لتقدير كمية النفايات
المخلفات البلاستيكية تصل إلى أسماك البحر الأحمر وتهدد ثروته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة