«أشبال أفريقيا» في شباك الإرهاب

«داعش» و«القاعدة» وضعا آليات جديدة لتجنيدهم

أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»
أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»
TT

«أشبال أفريقيا» في شباك الإرهاب

أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»
أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»

طرح التسجيل المصور لأبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي بثته مؤسسة «الفرقان» التابعة للتنظيم في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، دلالات كثيرة تتعلق بمسارات مُحتملة قد يتجه إليها التنظيم خلال المرحلة المقبلة، عبر السعي لتأسيس مجموعات تابعة له في أفريقيا، وتطوير استراتيجيته بالاعتماد بصورة أكثر على «الأشبال»، في ظل حالة التراجع الشديد الذي يعاني منه التنظيم بمعاقله الرئيسية السابقة، داخل العراق وسوريا.
خطط «داعش» اتسقت مع توجهات تنظيمات إرهابية أخرى للاعتماد على ظاهرة «الأشبال» في أفريقيا، في محاولة لسد النقص العددي الكبير في «المقاتلين»، ونشر أفكارها الآيديولوجية بين الصغار، لبناء أجيال تحمل الفكر المتطرف. وقال خبراء وباحثون في الحركات الأصولية إن «تنظيم (داعش) يسعى للأطفال لتنفيذ عملياته، وتوفير الدعم اللوجيستي، إذ يرى فيهم وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يتم تدريبهم على الفكر التكفيري الدموي». وأكد الخبراء والباحثون لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك تنامياً خلال الأشهر الماضية لتجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، و(داعش) يُخطط لتكوين جيل من الأطفال المغرر بهم».
ومصطلح «الأشبال» يقصد به الأطفال الذين يتلقون رعاية خاصة من قبل التنظيمات المتطرفة، عبر الاهتمام بتنشئتهم فكرياً على أفكار «الجهاد»، وبدنياً على حمل السلاح. ويُعد دفع الأطفال دون 16 عاماً للقتال أمراً محظوراً بموجب القانون الدولي، وطبقاً للمعاهدات والأعراف، كما يتم توصيفه بـ«جريمة حرب» من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

تغرير بالصغار
يقول تقرير أعده مرصد الفتاوى والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية إن «التنظيمات المبايعة لـ(القاعدة) في أفريقيا، والتنظيمات الأخرى الموالية لـ(داعش)، الأكثر إقبالاً على تجنيد الأطفال ودفعهم للقتال، خاصة أن أفريقيا تُعد موطناً لأكثر من 75 في المائة من إجمالي عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراعات حول العالم».
وذكر التقرير أن حركة «بوكو حرام»، في غرب القارة الأفريقية، استخدمت الأطفال بشكل كبير في الآونة الأخيرة لتنفيذ عمليات انتحارية، حيث أكدت منظمة «اليونيسيف» أن تجنيد الأطفال في غرب أفريقيا تضاعف لأكثر من 3 مرات منذ عام 2010. واستخدمت الحركة أكثر من 135 طفلاً لتنفيذ عمليات إرهابية على معسكرات للجيش والقرى النيجيرية.
وذكر الدكتور إبراهيم نجم، مدير مرصد الفتاوى بالإفتاء المصرية، أن «أفريقيا الوسطى شهدت عمليات تجنيد للأطفال من قبل التنظيمات المتطرفة. وفي الصومال، أشارت (اليونيسيف) إلى أنه يتم تجنيد 200 طفل كل شهر على الأقل، خاصة من قبل حركة (الشباب)»، مضيفاً أن «كلاً من مالي والنيجر والكاميرون من الدول التي تشهد عمليات إرهابية متكررة بسبب انتشار خطر الإرهاب الذي تمثله (بوكو حرام) والتنظيمات المبايعة لـ(القاعدة)».
عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، قال: «تنوعت أساليب التنظيمات الإرهابية في تجنيد الأطفال، مثل التغرير بهم داخل المخيمات الدعوية، والسماح لهم باستخدام الأسلحة. وقد يتم استقطاب الصغار من خلال مواقع التواصل الاجتماعي»، مضيفاً: «وفي مرحلة لاحقة، يتم تدريبهم على القتال، لتخريج دفعات جاهزة للقتال، وغالباً ما يتم تجنيدهم كعناصر انتحارية بسبب قدرتهم على التنقل».
وأخيراً، وضعت منظمة «مشروع كلاريون» الأميركية بعض سمات للأطفال الذين يكونون أكثر عرضة للتطرف، كان من بينها الأطفال الذين يقضون وقتاً كبيراً على الإنترنت، وليس لديهم من يراقب أنشطتهم عبرها. وحددت المنظمة بعض علامات التطرف التي يُمكن للأبوين ملاحظتها على أطفالهم، ومن بينها قضاء الطفل كثيراً من وقته على الإنترنت، أو تصفح المواقع المتطرفة.

تطبيقات الإرهاب
في حين قال مؤشر للفتوى، تابع لدار الإفتاء المصرية، إن «(داعش) هو الأكثر استخداماً لتطبيقات الهواتف المحمولة للتأثير على عقول الشباب والمراهقين، فالتنظيم أطلق في مايو (أيار) 2016 تطبيق (حروف) لتعليم الأبجدية للأطفال لترسيخ مفاهيم العنف والقتال». وأكد المؤشر أن «لجوء التنظيمات الإرهابية لتدشين تطبيقات الهواتف للتأثير على عقول الشباب والأطفال، ومن ثم سهولة حشدهم وتجنيدهم، وضمان وجود الشعارات والفتاوى الجهادية والانتصارات الوهمية بشكل يومي بين يدي الشباب والأطفال عبر هواتفهم في كل مكان وزمان».
وأكد رسمي عجلان، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «هناك تنامياً خلال الأشهر الماضية لتجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، و(داعش) يُخطط لتكوين جيل من الأطفال المغرر بهم»، مضيفاً أن «داعش» يُلقن الصغار الأفكار المتطرفة في سن مبكرة جداً، ويجبرهم على تنفيذ عمليات الإعدام للرهائن وعناصر التنظيم الهاربة.
واتفقت مع الرأي السابق دراسة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالقاهرة، أكدت أن تجنيد الأطفال في أفريقيا كارثة إنسانية وخطر كبير يُهدد الجميع دون استثناء، لافتة إلى أن «أكثر وسائل تجنيد الصغار خطراً هو (غسيل الأدمغة) عبر المدارس التعليمية التابعة لتلك التنظيمات، ما يعني أن هؤلاء الصغار تعرضوا لحالة (مسخ) للهوية بأفكار العنف والقتال، مما يجعلهم (قنابل موقوتة) قد تنفجر في وجه المجتمعات في أي وقت».
وقال مراقبون إنه في عام 2016، اعتمد «داعش» بشكل متزايد في العمليات الوحشية، لا سيما الإعدامات، على الأطفال، وقد بث التنظيم عدة إصدارات مرئية تظهر أطفالاً قاموا بعمليات إعدام بحق رهائن سقطوا في يد التنظيم، أو عناصر من التنظيم فكروا في الهروب من أرض الخلافة «المزعومة»، عقب اكتشاف زيف مزاعم «داعش».
وأكدت دراسة مرصد الأزهر في هذا الصدد أن «تجنيد الجماعات الإرهابية للأطفال، خاصة تجنيد (داعش) لأطفال أفريقيا، ما هو إلا محاولة لسد الخسائر في صفوف عناصره الإرهابية التي جندها من جميع دول العالم، فبسبب تلك الخسائر، بدأ اتجاه (داعش) يتحول إلى استراتيجية جديدة تُعوض خسائره البشرية في سوريا والعراق، وهي تجنيد الأطفال. ولأنه يعلم أن الأمر بات صعباً في البلدين، اتجه إلى الدول النائية في أفريقيا، ليعوض خسائره البشرية هناك، حيث الفقر والضعف الأمني في بعض الدول».

معسكرات تدريب
وأضافت دراسة مرصد الأزهر: «إن حركة (بوكو حرام) تتبع معايير مزدوجة في التعامل مع الأطفال، طبقاً للنوع، إذ تُجبر الفتيات على الزواج بأعضاء الحركة، ومن ثم تكليفهن بتنفيذ عمليات إرهابية. أما تجنيد الأطفال من قبل (الشباب) فلا يزال أمراً قائماً بشدة، وقد تم تجنيد قرابة 1800 طفل في الصومال من قبل الجماعات المسلحة خلال الأشهر الأولى من عام 2017. وتتراوح أعمار أولئك الأطفال بين العاشرة والخامسة عشرة، حيث تلقوا تدريبات عسكرية على استخدام الأسلحة النارية، والتعامل مع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة في معسكرات خاصة، فضلاً عن تجنيد (داعش) لأطفال النيجر، فيما تعد أوغندا أبرز الدول الأفريقية تجنيداً للأطفال، أما مالي فلا تزال هناك بؤرة ضبابية فيما يتعلق بتجنيد الأطفال».
وفي هذا الصدد، نقل مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»، في أبوظبي، دراسة لجيسيكا تريسكو (زميل في معهد أميركان إنتربرايز)، بعنوان «التصدي لاستغلال الإرهابيين للشباب»، أصدرها المعهد في مايو (أيار) الماضي، وأشارت إلى أن الشباب يُمثلون مصدراً حيوياً لدعم كثير من التنظيمات الإرهابية، حيث أوضحت الدراسة أنه من بين 40 ألف عضو في تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، كان ما يقرب من 12 في المائة منهم من الأطفال دون سن الثامنة عشرة. وقد بلغت أعدادهم ما لا يقل عن 4640 من الأطفال القُصر، بالإضافة إلى ما يقرب من 730 طفلاً رضيعاً قد ولدوا لمقاتلين أجانب في الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم خلال الفترة من أبريل (نيسان) عام 2013 حتى يونيو (حزيران) عام 2018، في حين تُشير التقديرات الكلية لأعداد الأطفال المولودين في الأراضي التي كانت يُسيطر عليها «داعش» إلى نحو 5 آلاف طفل.
وأشارت دراسة تريسكو إلى أن «هذا الرقم الكبير في أعداد الأطفال المولودين لآباء وأمهات منخرطين في تنظيمات إرهابية يعكس حجم المخاطر المستقبلية التي يُمكن أن تنجم، خاصة في ظل عدم وجود اهتمام دولي كاف بإدماج هؤلاء الأطفال، وإبعادهم عن البيئة المحفزة للتطرف العنيف، وهو ما يرتبط بما يثار منذ انحسار تنظيم (داعش) وهزيمته، حول مخاطر العائدين من التنظيم، سواء كانوا عائلات أو شباباً أو شابات أو أطفالاً، حيث إن هؤلاء جميعاً يُشكلون (قنابل موقوتة) في المجتمعات التي يمكن أن يستقروا بها».
من جهته، أكد عجلان أن «(داعش) يرى في الصغار وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يُعد الأطفال صيداً ثميناً لجماعات التطرف، بسبب استغلال حسن نيتهم وضعف مداركهم، لنشر عقيدة التنظيم الدموية».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».