«أشبال أفريقيا» في شباك الإرهاب

«داعش» و«القاعدة» وضعا آليات جديدة لتجنيدهم

أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»
أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»
TT

«أشبال أفريقيا» في شباك الإرهاب

أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»
أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»

طرح التسجيل المصور لأبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي بثته مؤسسة «الفرقان» التابعة للتنظيم في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، دلالات كثيرة تتعلق بمسارات مُحتملة قد يتجه إليها التنظيم خلال المرحلة المقبلة، عبر السعي لتأسيس مجموعات تابعة له في أفريقيا، وتطوير استراتيجيته بالاعتماد بصورة أكثر على «الأشبال»، في ظل حالة التراجع الشديد الذي يعاني منه التنظيم بمعاقله الرئيسية السابقة، داخل العراق وسوريا.
خطط «داعش» اتسقت مع توجهات تنظيمات إرهابية أخرى للاعتماد على ظاهرة «الأشبال» في أفريقيا، في محاولة لسد النقص العددي الكبير في «المقاتلين»، ونشر أفكارها الآيديولوجية بين الصغار، لبناء أجيال تحمل الفكر المتطرف. وقال خبراء وباحثون في الحركات الأصولية إن «تنظيم (داعش) يسعى للأطفال لتنفيذ عملياته، وتوفير الدعم اللوجيستي، إذ يرى فيهم وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يتم تدريبهم على الفكر التكفيري الدموي». وأكد الخبراء والباحثون لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك تنامياً خلال الأشهر الماضية لتجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، و(داعش) يُخطط لتكوين جيل من الأطفال المغرر بهم».
ومصطلح «الأشبال» يقصد به الأطفال الذين يتلقون رعاية خاصة من قبل التنظيمات المتطرفة، عبر الاهتمام بتنشئتهم فكرياً على أفكار «الجهاد»، وبدنياً على حمل السلاح. ويُعد دفع الأطفال دون 16 عاماً للقتال أمراً محظوراً بموجب القانون الدولي، وطبقاً للمعاهدات والأعراف، كما يتم توصيفه بـ«جريمة حرب» من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

تغرير بالصغار
يقول تقرير أعده مرصد الفتاوى والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية إن «التنظيمات المبايعة لـ(القاعدة) في أفريقيا، والتنظيمات الأخرى الموالية لـ(داعش)، الأكثر إقبالاً على تجنيد الأطفال ودفعهم للقتال، خاصة أن أفريقيا تُعد موطناً لأكثر من 75 في المائة من إجمالي عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراعات حول العالم».
وذكر التقرير أن حركة «بوكو حرام»، في غرب القارة الأفريقية، استخدمت الأطفال بشكل كبير في الآونة الأخيرة لتنفيذ عمليات انتحارية، حيث أكدت منظمة «اليونيسيف» أن تجنيد الأطفال في غرب أفريقيا تضاعف لأكثر من 3 مرات منذ عام 2010. واستخدمت الحركة أكثر من 135 طفلاً لتنفيذ عمليات إرهابية على معسكرات للجيش والقرى النيجيرية.
وذكر الدكتور إبراهيم نجم، مدير مرصد الفتاوى بالإفتاء المصرية، أن «أفريقيا الوسطى شهدت عمليات تجنيد للأطفال من قبل التنظيمات المتطرفة. وفي الصومال، أشارت (اليونيسيف) إلى أنه يتم تجنيد 200 طفل كل شهر على الأقل، خاصة من قبل حركة (الشباب)»، مضيفاً أن «كلاً من مالي والنيجر والكاميرون من الدول التي تشهد عمليات إرهابية متكررة بسبب انتشار خطر الإرهاب الذي تمثله (بوكو حرام) والتنظيمات المبايعة لـ(القاعدة)».
عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، قال: «تنوعت أساليب التنظيمات الإرهابية في تجنيد الأطفال، مثل التغرير بهم داخل المخيمات الدعوية، والسماح لهم باستخدام الأسلحة. وقد يتم استقطاب الصغار من خلال مواقع التواصل الاجتماعي»، مضيفاً: «وفي مرحلة لاحقة، يتم تدريبهم على القتال، لتخريج دفعات جاهزة للقتال، وغالباً ما يتم تجنيدهم كعناصر انتحارية بسبب قدرتهم على التنقل».
وأخيراً، وضعت منظمة «مشروع كلاريون» الأميركية بعض سمات للأطفال الذين يكونون أكثر عرضة للتطرف، كان من بينها الأطفال الذين يقضون وقتاً كبيراً على الإنترنت، وليس لديهم من يراقب أنشطتهم عبرها. وحددت المنظمة بعض علامات التطرف التي يُمكن للأبوين ملاحظتها على أطفالهم، ومن بينها قضاء الطفل كثيراً من وقته على الإنترنت، أو تصفح المواقع المتطرفة.

تطبيقات الإرهاب
في حين قال مؤشر للفتوى، تابع لدار الإفتاء المصرية، إن «(داعش) هو الأكثر استخداماً لتطبيقات الهواتف المحمولة للتأثير على عقول الشباب والمراهقين، فالتنظيم أطلق في مايو (أيار) 2016 تطبيق (حروف) لتعليم الأبجدية للأطفال لترسيخ مفاهيم العنف والقتال». وأكد المؤشر أن «لجوء التنظيمات الإرهابية لتدشين تطبيقات الهواتف للتأثير على عقول الشباب والأطفال، ومن ثم سهولة حشدهم وتجنيدهم، وضمان وجود الشعارات والفتاوى الجهادية والانتصارات الوهمية بشكل يومي بين يدي الشباب والأطفال عبر هواتفهم في كل مكان وزمان».
وأكد رسمي عجلان، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «هناك تنامياً خلال الأشهر الماضية لتجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، و(داعش) يُخطط لتكوين جيل من الأطفال المغرر بهم»، مضيفاً أن «داعش» يُلقن الصغار الأفكار المتطرفة في سن مبكرة جداً، ويجبرهم على تنفيذ عمليات الإعدام للرهائن وعناصر التنظيم الهاربة.
واتفقت مع الرأي السابق دراسة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالقاهرة، أكدت أن تجنيد الأطفال في أفريقيا كارثة إنسانية وخطر كبير يُهدد الجميع دون استثناء، لافتة إلى أن «أكثر وسائل تجنيد الصغار خطراً هو (غسيل الأدمغة) عبر المدارس التعليمية التابعة لتلك التنظيمات، ما يعني أن هؤلاء الصغار تعرضوا لحالة (مسخ) للهوية بأفكار العنف والقتال، مما يجعلهم (قنابل موقوتة) قد تنفجر في وجه المجتمعات في أي وقت».
وقال مراقبون إنه في عام 2016، اعتمد «داعش» بشكل متزايد في العمليات الوحشية، لا سيما الإعدامات، على الأطفال، وقد بث التنظيم عدة إصدارات مرئية تظهر أطفالاً قاموا بعمليات إعدام بحق رهائن سقطوا في يد التنظيم، أو عناصر من التنظيم فكروا في الهروب من أرض الخلافة «المزعومة»، عقب اكتشاف زيف مزاعم «داعش».
وأكدت دراسة مرصد الأزهر في هذا الصدد أن «تجنيد الجماعات الإرهابية للأطفال، خاصة تجنيد (داعش) لأطفال أفريقيا، ما هو إلا محاولة لسد الخسائر في صفوف عناصره الإرهابية التي جندها من جميع دول العالم، فبسبب تلك الخسائر، بدأ اتجاه (داعش) يتحول إلى استراتيجية جديدة تُعوض خسائره البشرية في سوريا والعراق، وهي تجنيد الأطفال. ولأنه يعلم أن الأمر بات صعباً في البلدين، اتجه إلى الدول النائية في أفريقيا، ليعوض خسائره البشرية هناك، حيث الفقر والضعف الأمني في بعض الدول».

معسكرات تدريب
وأضافت دراسة مرصد الأزهر: «إن حركة (بوكو حرام) تتبع معايير مزدوجة في التعامل مع الأطفال، طبقاً للنوع، إذ تُجبر الفتيات على الزواج بأعضاء الحركة، ومن ثم تكليفهن بتنفيذ عمليات إرهابية. أما تجنيد الأطفال من قبل (الشباب) فلا يزال أمراً قائماً بشدة، وقد تم تجنيد قرابة 1800 طفل في الصومال من قبل الجماعات المسلحة خلال الأشهر الأولى من عام 2017. وتتراوح أعمار أولئك الأطفال بين العاشرة والخامسة عشرة، حيث تلقوا تدريبات عسكرية على استخدام الأسلحة النارية، والتعامل مع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة في معسكرات خاصة، فضلاً عن تجنيد (داعش) لأطفال النيجر، فيما تعد أوغندا أبرز الدول الأفريقية تجنيداً للأطفال، أما مالي فلا تزال هناك بؤرة ضبابية فيما يتعلق بتجنيد الأطفال».
وفي هذا الصدد، نقل مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»، في أبوظبي، دراسة لجيسيكا تريسكو (زميل في معهد أميركان إنتربرايز)، بعنوان «التصدي لاستغلال الإرهابيين للشباب»، أصدرها المعهد في مايو (أيار) الماضي، وأشارت إلى أن الشباب يُمثلون مصدراً حيوياً لدعم كثير من التنظيمات الإرهابية، حيث أوضحت الدراسة أنه من بين 40 ألف عضو في تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، كان ما يقرب من 12 في المائة منهم من الأطفال دون سن الثامنة عشرة. وقد بلغت أعدادهم ما لا يقل عن 4640 من الأطفال القُصر، بالإضافة إلى ما يقرب من 730 طفلاً رضيعاً قد ولدوا لمقاتلين أجانب في الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم خلال الفترة من أبريل (نيسان) عام 2013 حتى يونيو (حزيران) عام 2018، في حين تُشير التقديرات الكلية لأعداد الأطفال المولودين في الأراضي التي كانت يُسيطر عليها «داعش» إلى نحو 5 آلاف طفل.
وأشارت دراسة تريسكو إلى أن «هذا الرقم الكبير في أعداد الأطفال المولودين لآباء وأمهات منخرطين في تنظيمات إرهابية يعكس حجم المخاطر المستقبلية التي يُمكن أن تنجم، خاصة في ظل عدم وجود اهتمام دولي كاف بإدماج هؤلاء الأطفال، وإبعادهم عن البيئة المحفزة للتطرف العنيف، وهو ما يرتبط بما يثار منذ انحسار تنظيم (داعش) وهزيمته، حول مخاطر العائدين من التنظيم، سواء كانوا عائلات أو شباباً أو شابات أو أطفالاً، حيث إن هؤلاء جميعاً يُشكلون (قنابل موقوتة) في المجتمعات التي يمكن أن يستقروا بها».
من جهته، أكد عجلان أن «(داعش) يرى في الصغار وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يُعد الأطفال صيداً ثميناً لجماعات التطرف، بسبب استغلال حسن نيتهم وضعف مداركهم، لنشر عقيدة التنظيم الدموية».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».