«أشبال أفريقيا» في شباك الإرهاب

«داعش» و«القاعدة» وضعا آليات جديدة لتجنيدهم

أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»
أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»
TT

«أشبال أفريقيا» في شباك الإرهاب

أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»
أطفال في أفريقيا يحملون الأسلحة من مواقع موالية لـ«القاعدة»

طرح التسجيل المصور لأبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي بثته مؤسسة «الفرقان» التابعة للتنظيم في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، دلالات كثيرة تتعلق بمسارات مُحتملة قد يتجه إليها التنظيم خلال المرحلة المقبلة، عبر السعي لتأسيس مجموعات تابعة له في أفريقيا، وتطوير استراتيجيته بالاعتماد بصورة أكثر على «الأشبال»، في ظل حالة التراجع الشديد الذي يعاني منه التنظيم بمعاقله الرئيسية السابقة، داخل العراق وسوريا.
خطط «داعش» اتسقت مع توجهات تنظيمات إرهابية أخرى للاعتماد على ظاهرة «الأشبال» في أفريقيا، في محاولة لسد النقص العددي الكبير في «المقاتلين»، ونشر أفكارها الآيديولوجية بين الصغار، لبناء أجيال تحمل الفكر المتطرف. وقال خبراء وباحثون في الحركات الأصولية إن «تنظيم (داعش) يسعى للأطفال لتنفيذ عملياته، وتوفير الدعم اللوجيستي، إذ يرى فيهم وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يتم تدريبهم على الفكر التكفيري الدموي». وأكد الخبراء والباحثون لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك تنامياً خلال الأشهر الماضية لتجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، و(داعش) يُخطط لتكوين جيل من الأطفال المغرر بهم».
ومصطلح «الأشبال» يقصد به الأطفال الذين يتلقون رعاية خاصة من قبل التنظيمات المتطرفة، عبر الاهتمام بتنشئتهم فكرياً على أفكار «الجهاد»، وبدنياً على حمل السلاح. ويُعد دفع الأطفال دون 16 عاماً للقتال أمراً محظوراً بموجب القانون الدولي، وطبقاً للمعاهدات والأعراف، كما يتم توصيفه بـ«جريمة حرب» من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

تغرير بالصغار
يقول تقرير أعده مرصد الفتاوى والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية إن «التنظيمات المبايعة لـ(القاعدة) في أفريقيا، والتنظيمات الأخرى الموالية لـ(داعش)، الأكثر إقبالاً على تجنيد الأطفال ودفعهم للقتال، خاصة أن أفريقيا تُعد موطناً لأكثر من 75 في المائة من إجمالي عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراعات حول العالم».
وذكر التقرير أن حركة «بوكو حرام»، في غرب القارة الأفريقية، استخدمت الأطفال بشكل كبير في الآونة الأخيرة لتنفيذ عمليات انتحارية، حيث أكدت منظمة «اليونيسيف» أن تجنيد الأطفال في غرب أفريقيا تضاعف لأكثر من 3 مرات منذ عام 2010. واستخدمت الحركة أكثر من 135 طفلاً لتنفيذ عمليات إرهابية على معسكرات للجيش والقرى النيجيرية.
وذكر الدكتور إبراهيم نجم، مدير مرصد الفتاوى بالإفتاء المصرية، أن «أفريقيا الوسطى شهدت عمليات تجنيد للأطفال من قبل التنظيمات المتطرفة. وفي الصومال، أشارت (اليونيسيف) إلى أنه يتم تجنيد 200 طفل كل شهر على الأقل، خاصة من قبل حركة (الشباب)»، مضيفاً أن «كلاً من مالي والنيجر والكاميرون من الدول التي تشهد عمليات إرهابية متكررة بسبب انتشار خطر الإرهاب الذي تمثله (بوكو حرام) والتنظيمات المبايعة لـ(القاعدة)».
عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، قال: «تنوعت أساليب التنظيمات الإرهابية في تجنيد الأطفال، مثل التغرير بهم داخل المخيمات الدعوية، والسماح لهم باستخدام الأسلحة. وقد يتم استقطاب الصغار من خلال مواقع التواصل الاجتماعي»، مضيفاً: «وفي مرحلة لاحقة، يتم تدريبهم على القتال، لتخريج دفعات جاهزة للقتال، وغالباً ما يتم تجنيدهم كعناصر انتحارية بسبب قدرتهم على التنقل».
وأخيراً، وضعت منظمة «مشروع كلاريون» الأميركية بعض سمات للأطفال الذين يكونون أكثر عرضة للتطرف، كان من بينها الأطفال الذين يقضون وقتاً كبيراً على الإنترنت، وليس لديهم من يراقب أنشطتهم عبرها. وحددت المنظمة بعض علامات التطرف التي يُمكن للأبوين ملاحظتها على أطفالهم، ومن بينها قضاء الطفل كثيراً من وقته على الإنترنت، أو تصفح المواقع المتطرفة.

تطبيقات الإرهاب
في حين قال مؤشر للفتوى، تابع لدار الإفتاء المصرية، إن «(داعش) هو الأكثر استخداماً لتطبيقات الهواتف المحمولة للتأثير على عقول الشباب والمراهقين، فالتنظيم أطلق في مايو (أيار) 2016 تطبيق (حروف) لتعليم الأبجدية للأطفال لترسيخ مفاهيم العنف والقتال». وأكد المؤشر أن «لجوء التنظيمات الإرهابية لتدشين تطبيقات الهواتف للتأثير على عقول الشباب والأطفال، ومن ثم سهولة حشدهم وتجنيدهم، وضمان وجود الشعارات والفتاوى الجهادية والانتصارات الوهمية بشكل يومي بين يدي الشباب والأطفال عبر هواتفهم في كل مكان وزمان».
وأكد رسمي عجلان، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «هناك تنامياً خلال الأشهر الماضية لتجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، و(داعش) يُخطط لتكوين جيل من الأطفال المغرر بهم»، مضيفاً أن «داعش» يُلقن الصغار الأفكار المتطرفة في سن مبكرة جداً، ويجبرهم على تنفيذ عمليات الإعدام للرهائن وعناصر التنظيم الهاربة.
واتفقت مع الرأي السابق دراسة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالقاهرة، أكدت أن تجنيد الأطفال في أفريقيا كارثة إنسانية وخطر كبير يُهدد الجميع دون استثناء، لافتة إلى أن «أكثر وسائل تجنيد الصغار خطراً هو (غسيل الأدمغة) عبر المدارس التعليمية التابعة لتلك التنظيمات، ما يعني أن هؤلاء الصغار تعرضوا لحالة (مسخ) للهوية بأفكار العنف والقتال، مما يجعلهم (قنابل موقوتة) قد تنفجر في وجه المجتمعات في أي وقت».
وقال مراقبون إنه في عام 2016، اعتمد «داعش» بشكل متزايد في العمليات الوحشية، لا سيما الإعدامات، على الأطفال، وقد بث التنظيم عدة إصدارات مرئية تظهر أطفالاً قاموا بعمليات إعدام بحق رهائن سقطوا في يد التنظيم، أو عناصر من التنظيم فكروا في الهروب من أرض الخلافة «المزعومة»، عقب اكتشاف زيف مزاعم «داعش».
وأكدت دراسة مرصد الأزهر في هذا الصدد أن «تجنيد الجماعات الإرهابية للأطفال، خاصة تجنيد (داعش) لأطفال أفريقيا، ما هو إلا محاولة لسد الخسائر في صفوف عناصره الإرهابية التي جندها من جميع دول العالم، فبسبب تلك الخسائر، بدأ اتجاه (داعش) يتحول إلى استراتيجية جديدة تُعوض خسائره البشرية في سوريا والعراق، وهي تجنيد الأطفال. ولأنه يعلم أن الأمر بات صعباً في البلدين، اتجه إلى الدول النائية في أفريقيا، ليعوض خسائره البشرية هناك، حيث الفقر والضعف الأمني في بعض الدول».

معسكرات تدريب
وأضافت دراسة مرصد الأزهر: «إن حركة (بوكو حرام) تتبع معايير مزدوجة في التعامل مع الأطفال، طبقاً للنوع، إذ تُجبر الفتيات على الزواج بأعضاء الحركة، ومن ثم تكليفهن بتنفيذ عمليات إرهابية. أما تجنيد الأطفال من قبل (الشباب) فلا يزال أمراً قائماً بشدة، وقد تم تجنيد قرابة 1800 طفل في الصومال من قبل الجماعات المسلحة خلال الأشهر الأولى من عام 2017. وتتراوح أعمار أولئك الأطفال بين العاشرة والخامسة عشرة، حيث تلقوا تدريبات عسكرية على استخدام الأسلحة النارية، والتعامل مع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة في معسكرات خاصة، فضلاً عن تجنيد (داعش) لأطفال النيجر، فيما تعد أوغندا أبرز الدول الأفريقية تجنيداً للأطفال، أما مالي فلا تزال هناك بؤرة ضبابية فيما يتعلق بتجنيد الأطفال».
وفي هذا الصدد، نقل مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»، في أبوظبي، دراسة لجيسيكا تريسكو (زميل في معهد أميركان إنتربرايز)، بعنوان «التصدي لاستغلال الإرهابيين للشباب»، أصدرها المعهد في مايو (أيار) الماضي، وأشارت إلى أن الشباب يُمثلون مصدراً حيوياً لدعم كثير من التنظيمات الإرهابية، حيث أوضحت الدراسة أنه من بين 40 ألف عضو في تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، كان ما يقرب من 12 في المائة منهم من الأطفال دون سن الثامنة عشرة. وقد بلغت أعدادهم ما لا يقل عن 4640 من الأطفال القُصر، بالإضافة إلى ما يقرب من 730 طفلاً رضيعاً قد ولدوا لمقاتلين أجانب في الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم خلال الفترة من أبريل (نيسان) عام 2013 حتى يونيو (حزيران) عام 2018، في حين تُشير التقديرات الكلية لأعداد الأطفال المولودين في الأراضي التي كانت يُسيطر عليها «داعش» إلى نحو 5 آلاف طفل.
وأشارت دراسة تريسكو إلى أن «هذا الرقم الكبير في أعداد الأطفال المولودين لآباء وأمهات منخرطين في تنظيمات إرهابية يعكس حجم المخاطر المستقبلية التي يُمكن أن تنجم، خاصة في ظل عدم وجود اهتمام دولي كاف بإدماج هؤلاء الأطفال، وإبعادهم عن البيئة المحفزة للتطرف العنيف، وهو ما يرتبط بما يثار منذ انحسار تنظيم (داعش) وهزيمته، حول مخاطر العائدين من التنظيم، سواء كانوا عائلات أو شباباً أو شابات أو أطفالاً، حيث إن هؤلاء جميعاً يُشكلون (قنابل موقوتة) في المجتمعات التي يمكن أن يستقروا بها».
من جهته، أكد عجلان أن «(داعش) يرى في الصغار وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يُعد الأطفال صيداً ثميناً لجماعات التطرف، بسبب استغلال حسن نيتهم وضعف مداركهم، لنشر عقيدة التنظيم الدموية».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».