النظام السوري يضيّق الخناق على «إعلامه المدلل»

وجوه تعلن اعتزالها بعد تزايد الضغوطات والاعتقالات

وسام الطير مع الجنود أثناء تغطيته المعارك
وسام الطير مع الجنود أثناء تغطيته المعارك
TT

النظام السوري يضيّق الخناق على «إعلامه المدلل»

وسام الطير مع الجنود أثناء تغطيته المعارك
وسام الطير مع الجنود أثناء تغطيته المعارك

«كنا ننتظر أن نحظى بكثير من الدلال بعد الحرب، لكن ما حصل كان العكس، فقد زاد التضييق علينا، وأهملت مشكلاتنا» قالت صحافية سورية لـ«الشرق الأوسط» تعليقاً على إعلان صحافيين سوريين يعملون في وسائل إعلام خاصة موالية للنظام اعتزالهم مؤخراً؛ الصحافية التي أمضت نحو عشرين عاماً في العمل بواحدة من مؤسسات الإعلام الرسمي السوري بدت محبطة تماماً من اشتداد تضييق الهوامش في الإعلام الرسمي إلى «حد الخرس»، حسب تعبيرها. وأضافت موضحة: «بعد أزمتي الغاز والبنزين، كان هناك تعليمات بمنع أي نقد سلبي للحكومة، علماً بأن انتقاد الحكومة والإدارات المحلية كان المجال الوحيد المتبقي لنا كإعلاميين لممارسة المهنة، وتغطية حجم العمل المطلوب شهرياً، ومعدله أربع مواد شهرياً، ولا يمكن لأحد تصور حجم المشقة في البحث عن موضوعات آمنة للنشر، إذ لم يتبق لنا سوى الأخبار والبيانات الرسمية التي تنشر دون تدخل يذكر». وما يؤسف له، بحسب الصحافية، أن يعزا ذلك إلى «ضعف الإعلامي»!!
كان الصحافي علي حسون رئيس تحرير جريدة «الأيام» غير الرسمية، وياسر العمر المراسل الحربي المعتمد لدى الإعلام الحربي للنظام، قد أعلنا الأسبوع الماضي اعتزالهما «العمل الإعلامي»، تضامناً مع زميلهما المراسل الحربي رئيف سلامة الذي اعتقل قرابة الشهر: 23 يوماً في الأمن الجنائي، و7 أيام في سجن عدرا.
ويعمل الصحافي رئيف سلامة مراسلاً لعدة جهات، منها قناة «العالم - سوريا» والإعلام الحربي، والقيادة القطرية، وفرع الحزب في حمص، وقد كشف في منشور له فور إطلاق سراحه أن التهمة التي وجهت إليه هي «الاشتباه بامتلاك صفحة (فيسبوك) نشرت منشوراً مسيئاً لوزير الصحة»، مشيراً إلى أنه لم يكن هناك أي دليل أو إثبات على هذا الاتهام»، مستغرباً أنه «رغم عدم وجود دليل إثبات، مكث شهراً في السجن.. ماذا لو كان هناك دليل؟».
وفي رد فعل على ذلك، أعلن الصحافي علي حسون اعتزاله العمل الصحافي، وكتب: «أنا شخصياً بتُّ مقتنعاً بأن العمل في هذه المهنة المسماة إعلام أصبح ضرباً من الجنون. وبناء عليه، اتخذت وأنا بكامل جبني وخوفي قراراً حاسماً بهجر مهنتي التي أحب إلى أجلٍ غير مسمى، وأبحث حالياً عن عمل يطعمني خبزاً من دون أي مخاطرة... لأنو أساساً ما في شي بيستاهل المخاطرة، واستروا ما شفتوا منا»، ملمحاً إلى خشيته من أن ينال ما ناله رئيف سلامة، فهو «مراسل حربي منذ ٧ سنوات، وتقديراً لجهوده أكرموه بأن اتهموه بوهن نفسية وزير الصحة، والمساس بهيبة الدولة»، لافتاً إلى إنه قبل رئيف «كثر تعرضوا لنفس الموقف، وهنالك المزيد ممن ينتظر».
المراسل الحربي ياسر العمر أيضاً أعلن اعتزاله العمل «الإعلامي» بشكل نهائي، مكتفياً بنشر ما يصدر من البيانات الرسمية. وتحدث مطولاً عن الضغوط التي يتعرض لها العاملون في الإعلام السوري، وكشف عن تعرضه للاعتقال والسجن 3 مرات في الأفرع الأمنية والجنائية بحمص ودمشق، وتبليغه لحضور أربع محاكم في حقه بتهم النيل من هيبة الدولة، وشق الصف، والنيل من الحرية الشخصية، ووصولاً للاشتباه الأمني (أي العمالة).
ويشار إلى أنه منذ بدء النظام حربه على معارضيه عام 2011، جند عشرات الشباب في الإعلام الإلكتروني، وأخضعهم لدورات تدريبية مكنتهم من إغراق السوشيال ميديا بمئات الصفحات الإعلامية، ذات الصبغة الإخبارية التي تغطي المناطق السورية كافة، كان الهدف منها تعويم الإعلام المعارض، ونسف مصداقيته. إعلامي سوري مستقل قال لـ«الشرق الأوسط» إن تلك المواقع الإلكترونية والصفحات الإخبارية التي رعى النظام ظهورها خلال السنوات الماضية، «تزايدت بسرعة، حتى باتت اليوم تشكل تحدياً أمام النظام. فبعد انتهاء مهمتها، فهناك صفحات باتت أشبه مؤسسات إعلامية، من حيث عدد المحررين والمراسلين وحجم التمويل والإعلانات، والأهم أعداد المتابعين الذين يعدون بمئات الآلاف والملايين، بعض تلك الصفحات كسبت «ثقة الشارع» لمصداقية معلوماتها وسرعة نقلها، لا سيما أيام اشتداد المعارك وانهمار القذائف على دمشق، أبرزها صفحة «يوميات قذيفة هاون» وصفحة «دمشق الآن»، فقد حظيت تلك الصفحات بدعم «سياسي ولوجيستي من الرئاسة والمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، إضافة إلى دعم مالي من رجال المال الداعمين للنظام»، بحسب ما قاله الصحافي السوري الذي أكد تفوق تلك الصفحات على الإعلام الرسمي الذي صارت «مهمته تأكيد أو نفي معلومات تلك الصفحات في منافسة غير متكافئة، بين إعلام غير رسمي مدلل وإعلام رسمي متهالك ومقيد بسلسلة ممنوعات لا تنتهي».
ويرى الصحافي السوري أن السياسة الإعلامية التي انتهجها النظام خلال الحرب فرضت «واقعاً جديداً» أدى إلى «ظهور جيش من الإعلاميين والمراسلين الحربيين الشباب، بينهم نجوم لمعوا في ميادين المعارك والمصالحات، وراحوا يشكلون قوة إعلامية تحظى بشعبية واسعة في أوساط الموالاة، عززت الشعور بأنهم سلطة رابعة وجدت نفسها بعد انحسار المعارك مسؤولة عن مراقبة الأداء الحكومي، وملاحقة الفساد بزعم حماية انتصار النظام الذي يعتبرون أنفسهم شركاء به». ويتابع الصحافي السوري توصيفه للواقع الإعلامي الجديد في سوريا: «النظام الذي وجد نفسه أمام استحقاق الحصار الاقتصادي لا يتحمل وجود سلطة رابعة تهيج الشارع من حين لآخر»، وحان الوقت لتحجيم «الإعلام المدلل»، فتم إصدار قانون خاص بـ«الجرائم المعلوماتية». وتحت مظلته، جرى وضع عشرات الصفحات الموالية تحت رقابة الجيش الإلكتروني، ومساءلة واعتقال عشرات الناشطين في الإعلام الإلكتروني الموالي للنظام، أبرزهم مراسلي إذاعة «النور»، التابعة لـ«حزب الله» اللبناني في حلب: عمار العزو وعامر دارو، بتهمة التواصل مع صفحة على مواقع التواصل تهتم بنشر قضايا المسؤولين. والمسؤول عن صفحة «دمشق الآن»، وسام الطير، الذي غاب قسرياً قبل 6 أشهر، وما يزال مصيره مجهولاً، علماً بأن وسام الطير أنشأ صفحة وموقع «دمشق الآن» خلال خدمته العسكرية في الحرس الجمهوري. ونالت صفحته اهتماماً غير مسبوق على المستوى المحلي، استحق عليه تكريماً من عقيلة رئيس النظام: أسماء الأسد. الأمر الذي خلف دهشة كبيرة حين تمت مداهمة مكتب الموقع، وسط دمشق، واعتقال مديره، والتكتم على مصيره، رغم مناشدات عائلته.
المؤشر العالمي لحرية الصحافة للعام الحالي صنف سوريا في المرتبة 174 من أصل 180 دولة حول العالم، وفقاً لتقييم منظمة «مراسلون بلا حدود» التي قالت، في تقريرها السنوي، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال المنطقة الأصعب والأخطر على سلامة الصحافيين. فيما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 543 تحت التعذيب أو في عمليات القصف العشوائي التي نفذتها قوات النظام منذ مارس (آذار) 2011 حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2018. إضافة لتسجيلها 346 حالة خطف واعتقال على يد قوات النظام، مؤكدة مسؤولية النظام عن 90 في المائة من مجمل من الانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون السوريون.


مقالات ذات صلة

شراكة بين «أكاديمية SRMG» و«الخليج» في التدريب الإعلامي

يوميات الشرق تستهدف الشراكة الأفراد والجهات الحكومية والشركات عبر مجموعة دورات تدريبية واسعة (الشرق الأوسط)

شراكة بين «أكاديمية SRMG» و«الخليج» في التدريب الإعلامي

أعلنت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام عن شراكة بين «أكاديمية SRMG» وشركة «الخليج للتدريب» لتقديم برامج تدريبية متقدمة للقادة والمحترفين في الإعلام والاتصال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تُسهم الشراكة في دفع عجلة النموّ وتعزيز الابتكار في السعودية والمنطقة (الشرق الأوسط)

«SRMG للحلول الإعلامية» و«ڤيرون» تستكشفان فرصاً جديدة في الإعلان والابتكار

أبرمت شركة SRMG للحلول الإعلامية (SMS)، مذكرة تفاهم مع «ڤيرون لخدمات التسويق الإعلاني»، ترتكز على رؤية مشتركة تهدف إلى تطوير منظومة التسويق في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق وصل الخبر قاسياً: صبحي عطري يُغادر الحياة فجأة (مواقع التواصل)

كأنّ الحياة أُسقِطت من الشاشة فجأة… صبحي عطري يُغادر بهدوء موجِع

شكَّل رحيل صبحي عطري المُفاجئ تذكيراً قاسياً للجميع بأنّ الحياة قصيرة، وأنّ لحظات السعادة والفرح يجب أن نعيشها بصدق وأمانة، لأننا لا نعلم متى قد يدهمنا الفراق.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق سارة خليفة (حسابها بـ«إنستغرام»)

«نقابة الإعلاميين» بمصر تعلن أن سارة خليفة «منتحلة صفة»

تصدر اسم المنتجة سارة خليفة، التي عملت لسنوات مذيعة بعدد من القنوات الفضائية، «الترند»، بموقع «غوغل»، الاثنين، بعد القبض عليها خلال الساعات القليلة الماضية.

داليا ماهر (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من أشغال الاجتماع الأفريقي حول مكافحة الأخبار الكاذبة (وزارة الاتصال الجزائرية)

الجزائر تُعِد خطة «للتصدي للأخبار المضللة»

أعلن وزير الاتصال الجزائري محمد مزيان عن العمل على إعداد خطة للتصدي «للأنباء المضللة»، وذلك خلال اجتماع عقده «مكتب التنسيق الأمني لشمال أفريقيا» في الجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

جاندارك أبو زيد فيّاض لـ«الشرق الأوسط»: «نفتقد أسُس الفصحى وأجواء الودّ»

مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)
مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)
TT

جاندارك أبو زيد فيّاض لـ«الشرق الأوسط»: «نفتقد أسُس الفصحى وأجواء الودّ»

مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)
مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)

تحمل جاندارك أبو زيد فياض، «أيقونة» الإعلام في زمن الأسود والأبيض، ألقاباً كثيرة. كما كرّمها وزير الإعلام السابق زياد مكاري بدرع الوزارة، ووصفها بـ«رسولة الإعلام الرسمي» في الحرب والسلم.

من خلال برنامج الأطفال، الذي كانت تتولّى تقديمه على شاشة تلفزيون لبنان في السبعينات، لقّبت بـ«ماما جنان». وفي مهرجان «الزمن الجميل»، كرّمت تحت عنوان «رائدة الإعلام المرئي».

وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، أخذتنا جاندارك في مشوار ذكريات امتدت لنحو أكثر من نصف قرن، وتكلّل بنجاحات لا تزال في البال.

صورة شخصية حديثة لجاندارك في عصر ما بعد "الأسود والأبيض" (جاندارك أبو زيد فياض)

أول وجه نسائي تلفزيوني

يوم تخرّج جاندارك من قسم الآداب في كلية «بيروت كولدج فور وومن» (الجامعة اللبنانية الأميركية اليوم) يوم لا يمكن أن تنساه. فقد حمل إلى جانب فرحة التخرّج اتصالاً، وردها من «تلفزيون لبنان»، جاء على خلفية لقاء جمع بين شقيقها ولوسيان الدحداح، مدير التلفزيون في عقد الستينات.

تتذكر ذلك اليوم، فتقول: «يومها، وإثر اتصال بي، توجّهت إلى مبنى التلفزيون في ضاحية الحازمية. وتفاجأت بطلب يقضي بمشاركتي في افتتاح القناة اللبنانية. كان عليّ أن أطلّ مع الراحل نجيب حنكش. وعندما سألته: ما مهمتي بالتحديد؟ أجابني: ولا يهمّك، أنا أتكلّم، وأنت الحقيني».

وتشير الإعلامية الكبيرة إلى أن وراء هذه السرعة في إتمام المهمة كان التاريخ المحدد لإطلاق قناة «تلفزيون لبنان»: «لقد كان عليهم أن يفتتحوها، قبل أن يفقدوا هذا الحق».

إطلالتها تلك حفرت تاريخ تلفزيون لبنان. إذ كانت أول وجه نسائي يطلّ عبر شاشة تلفزيون «لبنان والمشرق»، كما كان معروفاً في تلك الحقبة. وبعد نحو سنة على إطلالتها الأولى، طلبوها من جديد عام 1962. أما المناسبة فكانت تتعلق بالافتتاح الرسمي للقناة.

وهنا تشرح: «أذكر أنهم رتّبوا حديقة مبنى تلفزيون لبنان لهذه المناسبة. كان ذلك في شهر مايو (أيار)، وكان الحفل يتضمّن استضافة عازف الكمان عبود عبد العال وفرقته، إضافة إلى عرض شريط غنائي مصوّر للسيدة فيروز. كانت سفيرتنا إلى النجوم هي نجمة الحفل».

جاندارك مع بعض الزميلات بينهم نهى الخطيب سعادة وإلسي فرنيني (جاندارك أبو زيد فياض)

العلم كان يسبق الجمال السائد اليوم

كانت جاندارك أبو زيد (فياض لاحقاً) ترغب في دخول التلفزيون بهدف قراءة نشرات الأخبار. إلا أنها عملت في عدة مجالات أخرى، وضمن برامج ترفيهية وحوارية وثقافية، وكانت بجانب حضورها وثقافتها ذات ملامح جميلة وتتمتع بصوت دافئ.

وتتابع ذكرياتها، فتقول: «في الماضي، لم يكن الجمال هو الشرط الأساسي لقبول المذيعة. كانوا يشدّدون أكثر على الاختصاص الجامعي. اليوم، ألاحظ أن مذيعات التلفزيون يشبه بعضهن بعضاً... وبات من الصعب التفرقة بينهن. عندما عملت في التلفزيون كأول وجه نسائي، ما لبثت أن لحقت بي الراحلة نهى الخطيب سعادة. لقد ابتدأت مشوارها المرئي مذيعةً للربط. وكانت تملك نبرة صوت رائعة».

وتتابع جاندارك: «أشعر أن اختيار المذيعة التلفزيونية اليوم يرتكز على جمال الوجه بشكل أكبر. في الماضي، كان العلم والعربية الصحيحة مطلوبين أولاً. اليوم، هناك مشكلة مع كثرة الأخطاء من قبل مراسلي نشرات الأخبار للقنوات المرئية. إنهم يرتكبونها، ولا سيما ما يخص قواعد العربية. ومع أنني ألاحظ تحسّناً طفيفاً في هذا الموضوع، لا يزال الأمر بحاجة إلى اهتمام أكبر كي يصبح على المستوى المطلوب».

جدير بالذكر أن مهمة مذيعة الربط اختفت تماماً من الشاشة الصغيرة. واستعيض عنها بـ«البروموشين» الترويجي للبرامج. وهنا تعلّق جاندارك: «كنا في تلك الفترة أيضاً نركن إلى هذا النوع من الترويج، ولكن بشكل قليل. يومها لم تكن قنوات إلا (تلفزيون لبنان)... وأذكر أن الراحل إبراهيم مرعشلي كان يشارك في هذه التقديمات الصوتية. وفي إحدى المرات سجّلنا ما يشبهها في منزلي. كنا نستخدم آلة التسجيل الضخمة المعروفة بـ(ناغرا)...».

مع الراحلة صباح في احدى لقاءاتها الفنية عبر شاشة تلفزيون لبنان (جاندارك أبو زيد فياض)

التكنولوجيا تسهم بتحسين المرئي الحديث

تعدّ جاندارك أبو زيد فياض أن المحطات التلفزيونية حالياً محكومة بالتكنولوجيا: «لقد غيّرت وبدّلت من ممارسة مهنة المذيعة. كان المخرج في الماضي يجلس في ما نسمّيه الكنترول. وأنا في الأستوديو، وموظف الفيديو في ممر بعيد عنا. وكان من الصعب تصحيح أي خطأ نرتكبه. افتقادنا التواصل المباشر بعضنا مع بعض كان يؤخّر هذه العملية... وكنا نعتذر عن الخطأ بابتسامة أو كلمة بسيطة ونكمل البرنامج. أما اليوم، بفضل التكنولوجيا المتطورة، أصبحت الأمور أكثر سهولة وجمالية. وانعكست إيجاباً على المذيعة والفريق التقني وعلى المشاهد في آنٍ».

التلفزيون يوازي الصرح الجامعي أهمية

ترى جاندارك أن «التلفزيون مساحة تثقيفية كبيرة... توازي بأهميتها التخصص الجامعي. إنه يشكّل أداة تعليمية مهمّة إذا ما استحدثوا عبره برامج تعليمية وتثقيفية».

وعن سبب فقدان الشاشات أسماء تطبع الذاكرة، من مستوى الراحلين رياض شرارة وكميل منسى وجان خوري ونهى الخطيب سعادة وغيرهم، تردّ: «لم يكن موجوداً في زمننا إلا (تلفزيون لبنان). وكان يشكّل رابطاً وثيقاً عندهم، ولا سيما أنه لا خيار آخر بالإعلام المرئي متاح لهم. لا شك أن هناك اليوم إعلاميين ممتازين من مذيعين ومذيعات. ولكن كثرة الفضائيات ومحطات التلفزيون تصعّب مهمة فرز الأفضل والأهم والأشهر».

وسألناها عما إذا كانت تتمنى لو أنها عملت في الإعلام الحديث بدل الأبيض والأسود؟ فردت: «لا... أبداً... أنا سعيدة بتجربتي في تلك الحقبة. وأفضّل زمن الأبيض والأسود على الحالي. لقد كانت تجمعنا الألفة والمحبة وأجواء العائلة والودّ. حتى إن معظمنا المذيعات تزوّجنا من مخرجين في (تلفزيون لبنان). وأنا شخصياً ارتبطت بالمخرج جان فياض. وكانت نزهاتنا وسهراتنا ولقاءاتنا اليومية نجتمع فيها كلّنا».

برنامج «الصديقة جنان»

كما سبق، حقّقت جاندارك أبو زيد فياض في برنامجها الموجّه للأطفال «الصديقة جنان» نجاحاً كبيراً، رسخ في ذاكرة أجيال من اللبنانيين. وصار اسمها المعروف بسببه «ماما جنان». وعنه قالت: «لقد كان الناس عندما يلتقون بي ينادونني بهذا الاسم، وكأنهم يعرفونني منذ زمن طويل. وهذا اللقب لا يزال يرافقني حتى اليوم».

وفضلاً عن «ماما جنان»، ثمة برامج حوارية ثقافية وفنية أيضاً قدّمتها جاندارك أبو زيد فياض، كانت الرائدة فيها، منها «مجالس الأدب».

واليوم تنشغل جاندارك بتنظيم مهرجان «الزمن الجميل»، وهي واحدة من أعضاء لجنته التحكيمية. وهنا توضح: «هذا البرنامج أحمل له كل تقدير، لأنه يسلّط الضوء على شخصيات لبنانية حفرت في الصخر كي تصل إلى القمة، وتقديرها من خلال هذه الجائزة التكريمية تعني لها الكثير. وهذه اللفتة للدكتور هراتش ساغبازاريان يشكر عليها، لأنها تنبع من قلبه الكبير. ونسخة هذه السنة من المهرجان تحمل مفاجآت كبيرة».