عبث إيران بمياه مضيق هرمز بمثابة انتحار لمصالحها

كتاب فرنسي يحذر من نتائج التوترات الراهنة في المنطقة

مضيق هرمز
مضيق هرمز
TT

عبث إيران بمياه مضيق هرمز بمثابة انتحار لمصالحها

مضيق هرمز
مضيق هرمز

أبعاد جديدة للسياسة الإيرانية في محيطها الإقليمي والدولي، يكشف عنه كتاب «إيران ومضيق هرمز... استراتيجيات ورهانات القوة منذ عام 1970»، الصادر مؤخراً عن دار النشر الفرنسية «هارماتون»، للكاتبة ليا ميشلي Léa Michelis المتخصصة في التاريخ والجغرافيا السياسية بجامعة السوربون، خاصة صراعات الشرق الأوسط.
يقع الكتاب في 218 صفحة من القطع المتوسط، ويأتي صدوره في ظل حالة من الاضطراب تسببها إيران في المنطقة وما ترتب عليه من انشغال المجتمع الدولي بهذه المنطقة الاستراتيجية بالنسبة للعالم، ولا سيما ما يتعلق بحركة التجارة العالمية، لذلك تؤكد المؤلفة في مستهله على أهمية مضيق هرمز باعتباره يمثل مدخل الخليج العربي، وممراً مائياً استراتيجياً متاخماً لحدود المياه الإقليمية الإيرانية والعمانية. الأمر الذي يُعظم من موقعه كأداة بين يدي الإيرانيين في العبث باستقرار منطقة الخليج العربي.
ولكن باستقراء تاريخ طهران على المدى الطويل، توصلت المؤلفة إلى وجود تعقيدات وعوامل كثيرة تتأسس عليها السياسة الإيرانية في محيطها الإقليمي، في صدارتها إحداث توترات وتبادلات متنوعة وكثيرة. الأمر الذي يضع مضيق هرمز في قلب السياسة الدفاعية والتجارية التي تتبناها طهران، برغم حيازتها رابع احتياطي نفطي في العالم، وكذلك ثاني احتياطي عالمي من الغاز الطبيعي، أي أننا أمام نموذج، لا يسعى فقط لتهديد مصالح الغير، بل يضرّ بمصالحه أولاً.
يكتسب هذا الكتاب أهمية خاصة كذلك، ليس فقط لأهمية وحساسية الموضوع الذي يتناوله، ولكن أيضاً لأن مقدمة الكتاب كانت للباحث «كليمو تيرم» Clément Therme، الخبير بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن (IISS)، الذي يقول فيها: «إلى أي مدى غيّرت الثورة الإيرانية (1978 - 1979) مفهوم إيران وصورتها الذهنية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، من جندي للخليج في عهد الشاه محمد رضا بهلوي 1941 – 1979، إلى جمهورية إسلامية تسعى جاهدة نحو زعزعة استقرار المنطقة والهيمنة على عدد من جيرانها. الأمر الذي يزيد من التساؤلات حول طبيعة وماهية سياسة طهران الإقليمية، التي تعتمد على آيديولوجية إسلامية، تأخذ في اعتبارها المسائل والأبعاد الدفاعية في رسم وتحديد سياستها الإقليمية؛ مؤكداً أن سياسة طهران في محيطها الإقليمي تعتمد على مفهوم آيديولوجي مناهض للإمبريالية، وفقاً للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي».
يكتسب هذا الكتاب أهمية كبيرة أيضاً لكونه يساعد على فهم الأسس والتوجهات العامة الحاكمة للسياسة الإيرانية في منطقة الخليج العربي، إذ نجحت المؤلفة في توصيف التعقيدات والمحددات، وكذلك العناصر المؤسسة للسياسة الإيرانية في محيطها الإقليمي اعتماداً على مصادر مباشرة، خاصة أرشيف الدبلوماسية الفرنسية، مع كشف النقاب عن بعض الملفات والقضايا التي توضح طبيعة السياسة الإيرانية، وخير دليل على ذلك ملف قضية «إير فرانس» مايو (أيار) 1975، واضطرار الشركة الفرنسية لنشر وثائق طيران تضم خريطة تؤكد على الطبيعة العربية للخليج، وليس الفارسية.
كما يكشف الكتاب النقاب عن استراتيجيات النفوذ الإيراني الراهن حيال محيطها الإقليمي في العراق وتركيا والقوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان، إضافة إلى منطقة البحر المتوسط بشكل عام، ولبنان بشكل خاص لوجود «حزب الله» اللبناني هناك، وضمّه لها في إطار ما يسمى بـ«ولاية الفقيه»، أي خضوع تام لـ«حزب الله» اللبناني لوصاية الجمهورية الإيرانية.
وتذكر المؤلفة أن إيران تسعى بطرق وأدوات كثيرة نحو تطبيق وتنفيذ سياسة الهيمنة في منطقة الخليج العربي، ومن أبرز هذه الأدوات استخدام بعض التنظيمات المرتبطة بها بروابط آيديولوجية، مثل «حزب الله» في لبنان، والحوثيين في اليمن، إلا أن هناك أداة أخرى تكمن في محاولاتها الفاشلة تحريك الفئات الشعبية في الخليج الذين يتقاربون مع طهران عقائدياً.
البعد الاقتصادي
توضح المؤلفة أن البعد الاقتصادي هو حاسم إلى حد كبير في فهم وضع إيران الاستراتيجي، ويمثل محدداً رئيسياً في رسم سياسة طهران الخارجية، فمع اكتشاف النفط هناك عام 1908 في محيط مسجد سليمان، وما ترتب عليه من إنشاء أول شركة إنجليزية فارسية للنفط، ومقرّها لندن (APOC)، وفي ظل حيازتها احتياطياً هائلاً من الطاقة، كونها تملك رابع احتياطي من النفط، بواقع 158 مليار برميل، وفقاً لإحصائيات 2017، و10 في المائة من إجمالي احتياطي الغاز العالمي، بواقع 1.191 تريليون متر مكعب، أي 17 في المائة من الإنتاج العالمي، منها 40 في المائة مركزة في أكبر حقل غاز في العالم بجنوب البلاد، وتتقاسمه مع قطر، ويسمى بـ«القبة الشمالية».
ويشير الكتاب إلى أن إجمالي إنتاج إيران من النفط بلغ 6 ملايين برميل يومياً عام 1970، إلا أن هذا المعدل توقف اليوم عند معدل 3.8 مليون فقط، منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران في 14 يوليو (تموز) 2015، كما أنه مع الإعلان عن عودة العقوبات الأميركية بحقّ طهران، فمن المتوقع أن يتراجع الإنتاج، ومن ثم التصدير، من 2.4 مليون برميل يومياً في 2018 إلى مليون برميل فقط خلال هذه السنة.
مضيق هرمز في الميزان
تذكر المؤلفة بعض الأرقام المهمة لفهم الرهانات الاستراتيجية في المنطقة، منها على سبيل المثال أن 90 في المائة من النفط الإيراني يتجه نحو الشرق عبر مضيق هرمز، وأن معظم الغاز الإيراني يتم تصديره هو الآخر نحو آسيا عبر المضيق نفسه، وأن 24 في المائة من إجمالي الصادرات النفطية العالمية قد مرّت عبر مضيق هرمز عام 2018، وبالتالي فمن غير المعقول أو المنطقي دخول التهديد الإيراني بالعبث بمضيق هرمز حيز التنفيذ، بما في ذلك على المدى الطويل. ويعود ذلك لأسباب كثيرة، تمكن الإشارة إليها فيما يلي...
أولاً؛ التفوق العسكري الأميركي في المنطقة، خاصة في ضوء مرابطة الأسطول الخامس فيها، أي أن الإدارة الأميركية لا يمكن لها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي عبث إيراني في المضيق.
ثانياً؛ استخدام إيران للمضيق في نقل معظم صادراتها النفطية، وبالتالي فمن غير المنطقي أن تسعى طهران نحو إلحاق الضرر بنفسها.
ثالثاً؛ اعتراض شركاء إيران الكبار في آسيا، مثل الصين، على أي عبث إيراني بالمضيق، خاصة أن 80 في المائة من النفط الذي ينقل عبر المضيق يتجه صوب الأسواق الآسيوية، وبالتالي يلعب المضيق دوراً فاعلاً في الازدهار الاقتصادي للدول الآسيوية.
إضافة إلى ذلك لم تستطع إيران خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980 - 1988) ولا خلال العقوبات النفطية الأميركية ضدها، تنفيذ تهديداتها بشأن إعلان مضيق هرمز طريقاً عسكرياً. ومن ثم تؤكد المؤلفة أنه لن يكون بمقدور طهران الآن اتخاذ أي تدابير أحادية الجانب بشأن المضيق أو العبث بمياهه.
وتخلص المؤلفة ليا ميشلي إلى الاستنتاج بأن إيران، رغم الموقع الاستراتيجي لها كملتقى لعدد من الدول، فإنها لم تستطع التوصل إلى صياغة طاقة أو قوة مرتبطة بهذا الموقع الجغرافي الفريد، كما أن عداءها لدول المنطقة ولأميركا أيضاً يعرقل مسيرتها التنموية، كما أن البعد «الثوري» للسياسة الإقليمية للجمهورية الإسلامية يمثل عقبة حقيقية في سبيل بناء تحالفات إقليمية تتسق مع المصالح القومية للبلاد.

> «إيران ومضيق هرمز..
استراتيجيات ورهانات القوة منذ عام 1970».
> المؤلفة: ليا ميشلي Léa Michelis
> الناشر: دار النشر الفرنسية «هارماتون»


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.