«دقيقة صمت» يحرج النظام السوري ويخرج الجميع عن الصمت

الكاتب: لست وحدي من يعتبر أن الفساد قد أكل البلد

الكاتب سامر رضوان والمخرج شوقي الماجري  -  الملصق الدعائي للمسلسل
الكاتب سامر رضوان والمخرج شوقي الماجري - الملصق الدعائي للمسلسل
TT

«دقيقة صمت» يحرج النظام السوري ويخرج الجميع عن الصمت

الكاتب سامر رضوان والمخرج شوقي الماجري  -  الملصق الدعائي للمسلسل
الكاتب سامر رضوان والمخرج شوقي الماجري - الملصق الدعائي للمسلسل

اتهمت وزارة الإعلام السورية إنتاج مسلسل (دقيقة صمت) الذي يعرض حالياً، بـ«السرقة والاحتيال». في محاولة منها للتنصل من المسؤولية عن منح منتجي العمل الموافقات المطلوبة لتصويره في سوريا، وذلك بعد الزوبعة العاصفة التي أثارها كاتب العمل سامر رضوان بتصريحه في مقابلة تلفزيونية أنه نصه «ملك للسوريين بالشارع الموالي والمعارض وهو صرخة احتجاج في وجه السلطة التي لا تستحق هذا الشارع».
مسلسل «دقيقة صمت» الذي يحظى بمتابعة واسعة خلال السباق الدرامي الرمضاني من إخراج شوقي الماجري، وتمثيل عابد فهد وخالد القيش وستيفاني صليبا وفادي صبيح، ويعالج موضوع استثمار الأجهزة الأمنية للدين والمعتقدات في بسط سيطرتها، من خلال قصة محكوم بالإعدام (عابد فهد) يتم تهريبه من السجن مع زميله قبل تنفيذ الحكم، عبر منظومة الفساد في السجن، ويتم إقناع أهل قريته بأن حكم الإعدام نفذ والمشنوق عاد إلى الحياة وأصبح «مبروكاً»، ويكشف سياق أحداث العمل الذي صور في دمشق واللاذقية عن بعض المعتقدات الباطنية عند العلويين، كما تشير إلى حجم الفساد المستشري في مفاصل النظام، الأمر أثار ردود فعل غاضبة في أوساط الموالين للنظام، في حين رحب به المعارضون بالعمل باعتباره يفضح ممارسات النظام وأجهزته الأمنية.
الباحث السوري نبيل فياض المعروف بموقفه الداعم للنظام ضد الإسلاميين، شن هجوماً عنيفاً على العمل وعلى من سمح بتصويره في سوريا، واعتبر في منشور على حسابه بموقع «فيسبوك» أن الكاتب سامر رضوان «يستغبي الجميع». ووصف العمل بـ«أخبث من خبيث»، وقال: «عندما ننشر كتاباً بعنوان زمن معاوية، تقوم الدنيا ولا تقعد، مع أنه كتاب تاريخي لا ديني، يقرأه بأفضل حال ألف مهتم؛ لكن أحداً لا يتنفس ضد مسلسل يشاهده ملايين يقدّم ضباط الداخلية السورية بأسوأ صورة، قبل انتقاله إلى قرية علوية لتقديم العلويين بصورة أكثر سوءاً». وفتح فياض الباب واسعاً للهجوم على المسلسل عبر دعوته «كل سوري يحب بلده وضباطها وشعبها ويرفض كافة أشكال الطائفية إلى مقاطعة دقيقة صمت حتى يصبح مسلسل الصمت»، حسب تعبيره.
بعد منشور نبيل فياض جاءت تصريحات الكاتب سامر رضوان لقناة تلفزيونية لبنانية، بأن «النظام السوري لم يتخيل أن يكون مسلسل دقيقة «صمت طبق رمضان في سوريا»... وأن يكون «الشارع الموالي والمعارض في سوريا بنفس اللهفة لصرخات احتجاج سياسي».
تصريحات رضوان دفعت شركتي الإنتاج (صباح إخوان) و(إيبلا) اللتين اشتركتا في إنتاج العمل، إلى إصدار بيان توضيحي تنصلتا فيها مما جاء على لسان كاتبه وقالتا: «ينأى طاقم العمل وشركتا (صبّاح إخوان) و(إيبلا) بأنفسهم عما ورد على لسان الكاتب سامر رضوان»، وأن «إطار المسلسل درامي بحت وتوظيفه سياسياً لا يعبّر عن موقفهما بأي شكل من الأشكال». وأن مسلسل «دقيقة صمت»، «ليس عملاً وثائقياً وقد حصل كسائر الأعمال الدرامية على التصريحات اللازمة من الجهات الفنية المسؤولة في سوريا، وبالتالي فإن محاولة استخدام نجاح المسلسل من أجل تسجيل موقف هنا أو هناك مستهجن وغير مبرر».
وزارة الإعلام التي تعرضت لهجوم شرس من قبل الموالين للنظام لسماحها بتصوير المسلسل على الأراضي السورية، تجاهلت بيان الشركتين، واتهمتهما بعدم الالتزام بشروط الموافقة، ومنها «إعادة العمل المصور للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لعرضه على لجان المشاهدة للتأكد من الالتزام بالملاحظات التي وضعت عندما تم الحصول على موافقة النص المبدئية». وأشارت الوزارة إلى وجود «تغير جذري بمجريات الأحداث خلال الثلث الأخير من العمل». ـ علماً بأن الجزء الثالث لم يكن قد بدأ عرضه ساعة صدور بيان وزارة الإعلام التي اتهمت في بيانها الشركة المنتجة بـ«السرقة والاحتيال»، قائلة إن «الشركة هربت المادة المنتجة من أراضي الجمهورية العربية السورية وعرضتها على قنوات عربية، الأمر الذي يعتبر سرقة واحتيالاً موصوفين وخرقاً سافراً للأنظمة النافذة والآليات المتبعة في عملية الإنتاج والتسويق الدرامي». وأكدت أنها ستقوم بـ«اتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية الموجبة». كما قالت وزارة الإعلام الكاتب الذي أشارت إليه بكلمة، «المدعو» سامر رضوان، «مطلوب للقضاء بدعوى شخصية من السيد (م.ع) بتهمة الخطف والسرقة وليس كما يحاول الترويج بأنه مطلوب لأسباب فكرية»!!
وما زالت ردود الأفعال تتواصل في «السوشيال ميديا» حول تصريحات كاتب السيناريو السوري سامر رضوان الذي اضطر إلى بث مقطع فيديو عبر صفحته في «فيسبوك» فسّر فيه ما حدث. وإنه لم يكن يتوقع أن تتوالى ردود الأفعال بهذه الطريقة، وأنه «ليس هو وحده من يعتبر أن الفساد قد أكل سوريا وأودى بها إلى الكارثة التي هي عليها اليوم»، مؤكداً أن الهدف من العمل كان إنتاج مسلسل سوري الهوية يقدم السوريين بطريقة لائقة. مشيراً إلى أنه لم ينخرط أبداً بأي أجندة سياسية، وأن موضوع «الخطف» الذي اتهم به قد أغلق منذ مدة بأمر من القضاء في سوريا.


مقالات ذات صلة

خالد النبوي يعوّل على غموض أحداث «سراب»

يوميات الشرق خالد النبوي ويسرا اللوزي مع المخرج أحمد خالد خلال التصوير (الشركة المنتجة)

خالد النبوي يعوّل على غموض أحداث «سراب»

يؤدي خالد النبوي في مسلسل «سراب» شخصية «طارق حسيب» الذي يتمتّع بحاسّة تجعله يتوقع الأحداث قبل تحققها.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)

دراما السيرة الذاتية للمشاهير حق عام أم خاص؟

تصبح المهمة أسهل حين تكتب شخصية مشهورة مذكراتها قبل وفاتها، وهذا ما حدث في فيلم «أيام السادات» الذي كتب السيناريو له من واقع مذكراته الكاتب الراحل أحمد بهجت.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد مكي يقدم شخصية «شمس الغاوي» في رمضان 2025 (حسابه بموقع فيسبوك)

«الغاوي» رهان أحمد مكي الجديد في الدراما الرمضانية

يراهن الفنان المصري أحمد مكي على خوض ماراثون «الدراما الرمضانية» المقبل بمسلسل «الغاوي» الذي يشهد ظهوره بشخصية مختلفة عما اعتاد تقديمه من قبل.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تخرج أمل بوشوشة من ذلك الصندوق الذي يصوّر الحياة بحجم أصغر (حسابها في «فيسبوك»)

أمل بوشوشة... «شوطٌ كبير» نحو الذات

تعلم أمل بوشوشة أنّ المهنة قد تبدو جاحدة أسوة بمجالات تتعدَّد؛ ولا تنتظر دائماً ما يُشبع الأعماق. أتاح «المهرّج» مساحة لعب أوسع. منحها إحساساً بالخروج من نفسها.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري مصطفى شعبان (حسابه على فيسبوك)

مصطفى شعبان يخطف الاهتمام بالحديث عن كواليس زواجه

خطف الفنان المصري مصطفى شعبان الأنظار بعد حديثه للمرة الأولى عن كواليس حياته الشخصية وزواجه قبل أشهر عدّة.

داليا ماهر (القاهرة)

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.