حتى فترة من الزمن ليست بعيدة نسبياً، كانت القهوة شراباً اعتاد المواطنون الروس تناوله، إما في المنزل، أو في المطاعم بعد تناول وجبة الطعام. إلا أن مساحات انتشار هذا السائل المنعش المنشط للجملة العصبية، عند شرب كميات محدودة منه، أخذت تتسع منذ ما يقرب خمس سنوات، وباتت القهوة حاضرة بقوة في «الشارع»، بعد انتشار شبكات الوجبات السريعة «فاست فود»، وأكشاك الوجبات الخفيفة «ستريت فود»، هذا فضلاً عن شبكات «قهوتك معك»، و«ماكينات» آلية لبيع القهوة، وغيرها من أشربة ساخنة. وإذا كان الطلب محركاً رئيسياً يدفع الشركات والمؤسسات الإنتاجية لتصنيع هذا المنتج أو ذاك، ونشره في السوق، فإن الوضع مختلف بالنسبة لرواج «ثقافة القهوة خارج المنزل» في روسيا، ذلك أن «توفر العرض» عبر انتشار شبكات بأشكال مختلفة «تعرض» القهوة على الراغبين، هي التي أنتجت «الطلب»، وساهم في ذلك بالطبع اطلاع الروس على ثقافة احتساء القهوة لدى شعوب أخرى.
وكشفت دراسة أعدتها مجموعة «The NPD Group»، المتخصصة في دراسة ظروف الأسواق ونشاط المستهلكين وتجارة التجزئة، عن إقبال كبير على طلب القهوة في روسيا، وقالت إن المواطنين الروس باتوا يشربون القهوة خارج المنازل أكثر حتى من الفرنسيين والإيطاليين. وبعد مراجعة المشتريات في المطاعم والمقاهي ومطاعم الوجبات السريعة، منذ ربيع 2018 وحتى مطلع ربيع 2019، اتضح أن الطلب على القهوة في شبكات الوجبات السريعة كان الأعلى، بنسبة 52 في المائة، من إجمالي الطلب على القهوة في مختلف أنواع شبكات تقديم وجبات الطعام. بينما كانت نسبة الطلب خلال الفترة ما بين ربيع 2017 وحتى مطلع ربيع 2018 نحو 48 في المائة، وهو ما يؤكد تزايد إقبال المواطنين الروس من عام لآخر على القهوة «في الشارع».
ويحيل مراقبون هذا الإقبال على القهوة في روسيا إلى الانتشار السريع لشبكات مقاهي «الوجبات الخفيفة السريعة»، التي تبيع القهوة أيضاً، ويستفيد معظمها من المساحات الإضافية، على الأرصفة، لنشر طاولات، كما هي الحال في أوروبا، يزيد من متعة احتساء القهوة في الهواء الطلق. كما انتشرت شبكات واسعة من الأكشاك الصغيرة، التي لا تبيع أي شيء سوى القهوة بمختلف أنواعها (إسبرسو - لاتيه - أميركانو وما إلى ذلك). هذا فضلاً عن «ماكينات» خدمة ذاتية، يمكن الحصول منها خلال دقيقة على فنجان القهوة المفضلة. وتنتشر هذه الشبكات من الأكشاك و«الماكينات» في أماكن التجمعات وحركة أعداد كبيرة من المواطنين، مثل الساحات قرب محطات المترو وغيرها من مساحات قرب عقد المواصلات، وفي محيط وداخل المراكز التجارية، وفي محيط الحدائق، وغيرها من مواقع تكتظ بالناس.
هذا الانتشار الواسع للشبكات التجارية التي تعرض سلعة «القهوة الساخنة خارج المنزل»، أو «قهوتك معك»، شكل بحد ذاته عامل إغراء ساهم في تزايد الإقبال على هذا المشروب. ومن الطبيعي جداً أن يرغب المرء بفنجان قهوة، عند خروجه من المترو بعد ساعات تنقل فيها تحت الأرض، داخل تلك العربة الحديدية، لا سيما إن كان هذا في ساعات الصباح، خلال التوجه من المنزل إلى العمل. وبات اليوم مشهداً طبيعياً رؤية كثيرين في ساعات الصباح، يحملون بأيديهم كاسات القهوة «الكرتونية»، ويسيرون على عجل باتجاه أعمالهم، دون أن ينسوا التريث من حين لآخر لارتشافها. وفي حالات أخرى تكون القهوة، التي باتت بمتناول اليد عبر تلك الأكشاك، خير رفيق لاستراحة قصيرة قبل التوجه من محطة وسيلة النقل إلى موقع العمل. كما أن القهوة مشروب يتزايد حضوره في جلسات الأصدقاء على المقاعد المنتشرة في شوارع المدن، أو خلال التنزه في الحدائق. ومع أن هذه الظاهرة حديثة العهد نسبياً في روسيا، إلا أن انتشارها بهذا الشكل، يجعلها تبدو مثل ظاهرة تقليدية قديمة في المجتمع الروسي.
الروس يتفوقون على الإيطاليين والفرنسيين في شرب القهوة في الشارع
الإقبال يعود للانتشار السريع لشبكات مقاهي «الوجبات السريعة»
الروس يتفوقون على الإيطاليين والفرنسيين في شرب القهوة في الشارع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة