إبداعات تشكيلية تستلهم التراث الإسلامي برؤى معاصرة في القاهرة

بمشاركة فنانين مصريين وأجانب

من أعمال الفنان الدكتور حسن محمد حسن
من أعمال الفنان الدكتور حسن محمد حسن
TT

إبداعات تشكيلية تستلهم التراث الإسلامي برؤى معاصرة في القاهرة

من أعمال الفنان الدكتور حسن محمد حسن
من أعمال الفنان الدكتور حسن محمد حسن

بين عشرات المقتنيات من الزجاج، والحلي، والتصوير، والنحت، والخزف، والحفر، والتصوير الفوتوغرافي، والخط العربي... يجد الزائر لمعرض «تراث معاصر» بالقاهرة، في دورته الثانية، نفسه محاطاً بموضوعات تستلهم التراث الإسلامي، في أعمال فنية معاصرة تحمل أصالة الماضي.
يضم المعرض الذي يستضيفه مركز سعد زغلول الثقافي، حتى منتصف شهر يونيو (حزيران) المقبل، إبداعات أكثر من 30 فناناً تشكيلياً، تبرز جماليات الفنون الإسلامية والخط العربي، بما يبرهن أن التراث الإسلامي غني بالقيم الفنية والجمالية المهمة، وأن التفهم لقواعد هذا التراث يمكنه أن ينتج أعمالاً تسر الناظرين.
يقول الفنان مجدي عثمان، مدير مركز سعد زغلول لـ«الشرق الأوسط»: «الدورة الثانية للمعرض، تشهد مشاركة أكبر من جانب الفنانين وتنوعاً فنياً في الأعمال، التي تجمع بين التراث والإبداعات المعاصرة، حيث يستمد الفنانون من التراث ما يروق لهم ويرونه يرتبط مع شهر رمضان، محاولين تقديمه في خلطة فنية وقوالب مختلفة كل شخص في مجاله، وهو ما أضفى تنوعاً على مقتنيات المعرض، كما يتم خلال هذه الدورة تكريم عدد من الرواد والأسماء اللامعة في الفن التشكيلي، وهم الدكتور حسن محمد حسن والدكتور عمر النجدي والدكتور صبري السيد».
ويضيف: «التراث الإسلامي مساحة مفتوحة أمام الفنانين، يستطيع كل منهم أخذ ما يحلو له منه، مُضافاً عليه دون نقل، فالخلطة الفنية تتمثل في كيفية التعامل مع هذا التراث وتحويله إلى أعمال فنية بشكل معاصر، كما أن هذا التمسك بالتراث الإسلامي ودراسة جمالياته، لا يعد ردة إلى الخلف كما يردد البعض، وإنما هو بناء للقادم من خلال تبجيل الماضي، شريطة الفهم الجيد لأسس هذا البناء، وليس التعويل على المشهد المرئي مباشرة».
ويلفت عثمان إلى أن اختلاف العصور الإسلامية، وتنوع فنونها، أدى إلى أحداث مهمة في الحركة الفنية العالمية، منذ النشأة الأولى لفن النهضة على يد «جيوتو دو بندوني»، واستخدامه الحروف العربية دون أن يعلم عنها إلا ما ملأ نفسه من جمال، وكذلك استخدمها الفنان الألماني «هانز هولبين»، كما أن «بيكاسو» ذا التراث الأندلسي استمد كثيرا من الأرابيسك والمنمنمات والخط العربي، حتى إن التعقيدات الحسابية التي يفعلها الفنان المسلم أثناء زخرفته، اعتبرها التكعيبيون أهم منجز لهم في المدرسة الجديدة.
من بين أعمال المعرض تبرز أعمال الرسم على الزجاج للفنان الدكتور وليد أنسي، أحد المهتمين بالحفاظ على تراث هذا النوع من الفنون، حيث يرى أن التراث هو ألف باء الفنون، ويجب ألا يبدأ الفنان إنتاج أعماله الفنية دون أن يرى جيداً تراثه الثقافي والفني الذي يشكل المدخلات الأساسية في تكوينه الفني، حتى يستطيع أن يخرج تلك المدخلات بعد أن يشكلها ويعطيها رؤيته الخاصة، أما دون ذلك فسيكون إنتاجه منقوصاً ولن يستمر إلا فترة وجيزة، مؤكدا أنه ليس هناك ما هو أهم من التراث الإسلامي للاستفادة منه.
وفي أعمال الفنانة البولندية إيزابيلا أوخمن، يمكن مشاهدة حوار بين الخط العربي والرسم، بعد أن درست جميع أنواع الخطوط العربية. وعن أعمالها تقول «أوخمن» لـ«الشرق الأوسط»: «أشارك بثلاثة أعمال في هذا المعرض، أحاول فيها خلق مساحة تتلاقى فيها معاني الكلمات مع شكلها الجمالي، فأنا أستخدم الخط وأوظفه في الرسوم، أي أعبر عن فكرة مُؤسسة على نصوص مختلفة، حيث أستلهم أقوالي من الأدب العربي والعالمي أو من المشاهير، مثل لوحة الزعيم الهندي المهاتما غاندي الذي استقيت عبارة شهيرة له ووظفتها فنيا في جلسته الشهيرة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».