مكتبة أطفال ألمانية تخرج عن المألوف

نالت جائزة أفضل المكتبات التجارية في ألمانيا وعقدت 280 فعالية خلال العام الماضي

مكتبة أطفال ألمانية تخرج عن المألوف
TT

مكتبة أطفال ألمانية تخرج عن المألوف

مكتبة أطفال ألمانية تخرج عن المألوف

بعد عصر يوم السبت الماضي، ساد صمت غريب في غرفة القراءة بصوت مرتفع في كرومولوس، وهي مكتبة صغيرة لكتب الأطفال في برلين، بينما وقف سفين فالرودت، أحد موظفي المكتبة متحدثاً. وكان ممسكاً بنسخة حديثة الطباعة من كتاب مصور للأطفال عن حياة يوهانس غوتنبرغ، مخترع الطباعة، وكان فالرودت يتابع بنظره حشداً من الأطفال المتلهفين، وأغلبهم في سن الدراسة، رفقة آبائهم، وقال: «مرحباً بكم في عرض هذا الكتاب. إن غفوتم نائمين، فناموا بهدوء من فضلكم».
وضحك الجميع على تعليقه، ولكن لم ينم أحد منهم. وبعد ذلك بساعة، تبع الأطفال فالرودت إلى ورشة المكتبة الموجودة في الطابق السفلي، وهناك أراهم كيف كان غوتنبرغ يضع الأحرف الأبجدية من كتل الرصاص في اللوحة المعدنية. ثم طبع الأطفال بأنفسهم علاماتهم الخاصة باستخدام طريقة تشبه الطريقة التي كان يستخدمها غوتنبرغ قديماً، وكان الجميع سعداء بتلك التجربة.
قال الطفل فارس الدريوسي، البالغ من العمر 6 سنوات، ويعرف القراءة: «كيف تطبع؟ لم أكن أعرف ذلك» وأضاف صديقه المفضل أنه لم يكن يعرف أنه من الممكن صناعة ختم من المعدن. وقال الطفل ماتيس ريتر، البالغ من العمر 9 سنوات، ولديه كثير من الكتب، إنه تعلم أن الطباعة كان يُطلق عليها «الفن الأسود»، وذلك بسبب أن حبر الطباعة يترك آثاره السوداء على الأصابع. بينما بدا الطفل ميثوني هوب، ويبلغ من العمر 9 سنوات أيضاً، مذهولاً من الطريقة التي استحدث بها مجموعة من الرهبان طريقة صناعة الحبر الأحمر، وقال: «إنهم كانوا يسحقون القواقع!»
من بين الموضوعات التي يتم التطرق إليها خلال العرض، هناك مفهوم «ذكرى الموت»، وما تعريف الأمم المتحدة للكتاب، والرقم المطبوع من أناجيل مارتن لوثر، وهذا جزء مما يجعل مكتبة «كرومولوس»، التي اتخذت اسمها من اسم الحبة التي تناولتها شخصية الأطفال الخيالية «بيبي ذات الجوارب» حتى لا تكبر في السن أبداً، مكتبة خاصة للغاية.
يقول كريستوف ريغر، رئيس برنامج الأطفال والشباب، لدى مهرجان الأدب الدولي في برلين، عن آنا مورلينغهاوس، مؤسسة مكتبة «كرومولوس»: «سرعان ما أسست السيدة مورلينغهاوس المكتبة، كأحد أكثر الأماكن أهمية وحيوية لأدب الأطفال والشباب في ألمانيا».
وتوافقه مونيكا بيلشتاين، رئيسة دار «بيتر هامر» للنشر في فوبرتال بألمانيا، الرأي حين قالت: «إنها مكتبة رائعة ذات مجموعة استثنائية وجميلة من الكتب».
وبالإضافة إلى بيع الكتب، فإن المكتبة التي افتتحت عام 2014 ونالت جائزة أفضل المكتبات التجارية في ألمانيا العام الماضي، تعقد كثيراً من الفعاليات (نحو 280 فعالية خلال العام الماضي وحده) مع موضوعات تتغير كل شهر أو نحوه، وتتراوح من الأشجار، إلى المزاح، إلى الشعر.
وفي ربيع العام الجاري، عندما كان الموضوع السائد عن كيفية صناعة الكتب، أنشأ ثمانية من طلاب الفنون الجامعيين كتب الأطفال الخاصة بهم من البداية. وكانت جدران غرفة القراءة بصوت مرتفع في المكتبة، والتي تتضاعف كمساحة للعرض، مغطاة بالأعمال الفنية الأصلية المستوحاة من هذه القصص. وأحد تلك الكتب، وهو يدور حول مغامرات صديقين في أعماق أنف عملاق كبير، كان من أنجح العروض لدى الأطفال، في مرحلة ما قبل الدراسة، الذين زاروا المكتبة في صباح أحد الأيام، كجزء من برنامج الرحلات المدرسية المجانية إلى المكتبة.
ويمكن للأطفال الأكبر سناً الاطلاع على محتويات الأظرف البلاستيكية التي تحمل الرسومات، والأفكار، والمخططات الأولية لكل فنان، وذلك بهدف التعرف على كيفية تطور الكتب، ثم مشاهدة الأدوات التي يستخدمها الفنان في عمله. وفي الطابق السفلي، هناك ورش العمل لتلاوة القصص، ودورات كيفية صناعة الكتب، التي تمنح الأطفال الفرصة لتجربة كل شيء بأيديهم.
ومع نهاية صباح السبت، وخلال إحدى جلسات تجليد الكتب على الطريقة اليابانية، كانت الطفلة روبي لورينز (8 سنوات) لديها بالفعل غلاف لقصة جاهزة لـ«ذي سيتي بير»، وهي تقول عنها: «هي قصة عن دب بري ينتقل كل أصدقائه للعيش في برلين. وهو يقرر الذهاب أيضا، ولكن الناس يخافون منه. ولذلك فهو يسرق المال لشراء الملابس حتى يبدو مثل البشر».
وقالت مورلينغهاوس إن هذا النوع من التدريب العملي للأطفال مهم للغاية، ويمكن للأطفال لمس أي شيء يريدون لمسه داخل مكتبة «كرومولوس».
وانتقلت مورلينغهاوس، التي درست الفن الغرافيكي في بولندا، إلى برلين منذ أكثر من عشر سنوات، وشاركت في تأسيس معرض فني متخصص في التصوير المعاصر لأوروبا الشرقية. ولكنها وجدت أن أسلوب معارض الصور التجارية لا يتماشى مع تربية وتنشئة الأطفال، ومع ميلاد طفلها الأول، توقفت عن العمل هناك. وفي الوقت الذي ولد فيه طفلها الثاني، بدأت تفكر في افتتاح مكتبة لبيع كتب الأطفال.
وهي تقول عن ذلك: «علمت أن الأمر سوف يكون صعباً للغاية لافتتاح مكتبة، والجميع يقولون إنني مجنونة، وليس هناك مستقبل لذلك النوع من الأعمال»، ومع ذلك، أرادت المحاولة. وقبل شهر من مولد طفلها الثالث، نجحت في افتتاح مكتبة «كرومولوس» في حي كروزبيرغ في برلين.
ومنذ البداية، أرادت التركيز على كتب الأطفال عالية الجودة، مع كثير من الفنون. وقالت: «قال الناس في بداية الأمر: عليك الاهتمام بهذه الكتب بدلاً من غيرها؛ لأن هذا ما يريده الناس». ولكنها قررت مقاومة التوجهات السائدة في كتب الأطفال، ولقد نجح الأمر. (وتشعر مورلينغهاوس بفخر كبير، للمجموعة الخاصة التي تعرضها المكتبة من كتب الأطفال الخيالية القديمة).
ومن بين الفعاليات الأخرى التي تعقد في المكتبة، هناك حفلات أعياد الميلاد، وقراءات المؤلفين، والحفلات الموسيقية، والمسرحيات، وعروض الدمى، وورش العمل الكوميدية، والاجتماعات المنتظمة لنادي كتب الأطفال المسمى «ذئاب القراءة». تقول جوليا هوفمان، المديرة الصحافية السابقة لدى دار نشر «كيندرمان فيرلاغ» في برلين: «تعقد الفعاليات في هذه المكتبة في جو مفعم بالمحبة والألفة البالغة».
وتقول مورلينغهاوس، الحامل الآن في طفلها الرابع: «إنني أعمل على مجموعة القراءة الخاصة بي، وأريد اختبار القراء من كل مرحلة عمرية»، وتقول أيضاً إنها تشعر بسعادة غامرة في إدارة المكتبة، وتضيف: «يتساءل بعض الناس: لماذا تركت مجال الفنون المعاصرة للتركيز على الأطفال؟ ولكنني أحببت العمل مع الأطفال كثيراً. فكتب الأطفال تترك أثراً بالغاً في النفس عندما تكون صغير السن.
- خدمة نيويورك تايمز



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».