المأزق الاقتصادي اللبناني... بين مواجهة الألم ومزيد من الارتجال

نظرة غير متفائلة وسط «مخاطر متفاقمة» والمستثمرون يرغبون في إصلاحات عميقة

حافلة سياحية تقف قرب جامع محمد الأمين وسط بيروت (أ.ف.ب)
حافلة سياحية تقف قرب جامع محمد الأمين وسط بيروت (أ.ف.ب)
TT

المأزق الاقتصادي اللبناني... بين مواجهة الألم ومزيد من الارتجال

حافلة سياحية تقف قرب جامع محمد الأمين وسط بيروت (أ.ف.ب)
حافلة سياحية تقف قرب جامع محمد الأمين وسط بيروت (أ.ف.ب)

يعني المأزق الذي يواجهه لبنان للاتفاق على خطة إصلاح مالي ذات مصداقية، وتدهور أوضاع السوق العالمية، أنه قد يجد صعوبة في إعادة تمويل ديون كبيرة بالعملة الصعبة تستحق هذا العام، الأمر الذي يثير قلق المستثمرين في الخارج. ومن المرجح تفادي التخلف الصريح عن السداد في المدى القصير عن طريق مناورة حكومية تشمل مشاركة البنك المركزي والبنوك المحلية، كبار حاملي ديون لبنان.
لكن ذلك لن يكون سوى حل مؤقت على الأرجح، وقالت صناديق أجنبية كثيرة رداً على أسئلة إنها ستكون مترددة في شراء سندات دولية لبنانية جديدة إلى أن تنتهي من تقييم الإصلاحات. واجتمع مجلس الوزراء اللبناني من جديد الاثنين بعد نحو 12 جلسة حتى الآن دون اتفاق، على خلفية احتجاجات لموظفي القطاع العام والجنود المتقاعدين بسبب المخاوف من تخفيضات للأجور ومعاشات التقاعد.
وكانت الحكومة وعدت في فبراير (شباط) بإصلاحات قالت إنها «صعبة ومؤلمة» للسيطرة على الإنفاق. ويقول رئيس الوزراء سعد الحريري إنها قد تكون الميزانية الأشد تقشفاً في تاريخ لبنان. وعلى المحك من ذلك، يقع دعم المستثمرين لمبيعات الدين الجديدة الضرورية لتلبية استحقاقات سندات دولية تحل هذا الأسبوع ثم في نوفمبر (تشرين الثاني). وتزداد طرق الأسواق العالمية تعقيداً جراء الاضطرابات الجديدة في الأسواق الناشئة مع تفاقم النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين وتصاعد التوترات الجيوسياسية بخصوص إيران.
ويعاني لبنان، الذي ينوء تحت وطأة أحد أثقل أعباء الدين العام في العالم، جراء شلل سياسي والحرب في سوريا والعراق، التي نالت من التجارة الإقليمية والاستثمار وحركة السفر. تأثر أيضاً اقتصاد لبنان الصغير والمنفتح سلباً من جراء تراجع التدفقات النقدية من لبنانيي المهجر المنتشرين في أنحاء العالم، بعد أن كانوا تقليدياً عاملاً مساعداً في تمويل جانب من متطلباته المالية.
وتقول علياء مبيض، العضو المنتدب في شركة غيفريز المالية العالمية: «الحكومة عاجزة حتى عن ترتيب أوضاعها للوصول إلى ميزانية شاملة وشفافة. لم تُقدم أو تَصُغ خطة إصلاح مالي ذات مصداقية للأجل المتوسط تحقق التوازن السليم بين ضرورتي النمو والانضباط المالي... في غياب إطار واضح للسياسة الاقتصادية والمالية في المدى المتوسط يعالج الاختلالات الخارجية الضخمة، وفي ضوء ارتفاع معدلات الفساد وخضوع صناعة القرار في الدولة للمصالح الخاصة، فإن المستثمرين لن يكونوا مقتنعين بالشراء في مخاطر لبنان، كما سيعمد المانحون إلى زيادة الفحص والتدقيق قبل تقديم مزيد من التمويل».
ورفع طول أمد عملية وضع الميزانية تكلفة التأمين على ديون لبنان في الفترة الأخيرة إلى أعلى مستوياتها منذ 22 يناير (كانون الثاني)، عندما كان البلد يكافح لتشكيل حكومة.
وسيسع لبنان ارتجال حل لصداع دينه الأقرب استحقاقاً، والمتمثل في سندات دولية قيمتها 650 مليون دولار تحل في 20 مايو (أيار). وقال مصدر مطلع إن لبنان يستطيع سداد مستحقات المستثمرين في هذه السندات عن طريق معاملة صرف أجنبي مع البنك المركزي.
وسبق أن استخدمت الحكومة النهج ذاته غير التقليدي من قبل لتمويل عجز الميزانية. ومن المرجح أن يخصم البنك المركزي شهادات إيداع مقومة بالدولار لكي تكتتب فيها البنوك في مقابل شرائها سندات محلية طويلة الأجل، حسبما ذكر مصرفي مطلع على الوضع. وبالتوازي مع ذلك، سيجري البنك المركزي مبادلة مع وزارة المالية، الجهة المصدرة للدين الدولي.
وكان وزير المالية قال من قبل إن الحكومة تطمح لإصدار سندات دولية في نطاق 2.5 مليار إلى 3 مليارات دولار في 20 مايو لتغطية هذا الاستحقاق واستحقاق لبناني آخر لعام 2019، عبارة عن إصدار حجمه 1.5 مليار دولار يحل أجله في نوفمبر.
وأبلغ مصدر مطلع «رويترز» يوم الثلاثاء أن لبنان قد ينتظر إلى أن تتحسن شهية مستثمري الأسواق الناشئة وتتفق الحكومة على الميزانية.
وتستهدف الحكومة بيع نحو 20 في المائة من الإصدار الجديد إلى المستثمرين الدوليين. وتقول الحكومة إنها ملتزمة بسداد جميع استحقاقات الديون ومدفوعات الفائدة في المواعيد المحددة.
وقال جاربيس إيراديان كبير اقتصاديي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي: «استحقاقات السندات الدولية هذا العام سَتُلبى عن طريق إصدار مزيد من السندات الدولية... عليهم أولاً إرسال إشارة قوية إلى السوق بالموافقة على إجراءات مالية صارمة».
وقال نسيب غبريال، كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس اللبناني، إن لبنان لا يواجه مخاطر على صعيد تمويلات العملة الصعبة هذا العام لأن البنك المركزي ملتزم بتغطية تلك المتطلبات. لكن التحديات الاقتصادية للبنان تظل ضخمة. فقد اتسع عجزه المالي إلى 11.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي مقارنة مع 6.1 في المائة في العام السابق وتراجعت احتياطياته الدولية إلى 39.7 مليار دولار، أي ما يكفي لتغطية واردات 13 شهرا.
وقال وزير المالية اللبناني علي حسن خليل إن مجلس الوزراء أحرز تقدماً «مهماً» أمس الأحد في مناقشاته لمشروع ميزانية 2019 وإن العجز سيكون 8.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أو أقل.
لكن إعادة التوازن قد تكون صعبة في ظل نمو اقتصادي هزيل، إذ خفض جيه.بي مورغان في الآونة الأخيرة توقعاته لنمو اقتصاد لبنان إلى 1.3 في المائة في 2019، محذرا من «مخاطر كبيرة» تحيط بالإصلاحات المالية.
وكتب جياس جوكينت من جيه.بي مورغان للأوراق المالية في مذكرة: «في حين أن تشكيل الحكومة دعم المعنويات، فإن التأخر في تنفيذ إصلاحات تشتد الحاجة إليها قد ينال من الثقة على خلفية مستويات عجز مالي وخارجي ضخمة ودين مرتفع».
وبحسب معهد التمويل الدولي، فإن إصلاحات مالية عميقة، تشمل تحسين مناخ الأعمال ومحاربة الفساد، قد تساعد على تسريع النمو والإفراج عن 11 مليار دولار تعهد بها المجتمع الدولي خلال مؤتمر خاص في أبريل (نيسان) 2018، وتتوقف تلك الأموال على مثل تلك الإصلاحات.
وفي يناير الماضي، قالت قطر إنها ستستثمر 500 مليون دولار في السندات الدولارية للحكومة اللبنانية. ومن غير الواضح إن كان ذلك الدعم قد تحقق بالفعل. ورغم ذلك فإن بعض المستثمرين المحتملين ما زالوا غير مقتنعين.
ويقول سيرجي ديرجاتشيف، مدير المحفظة لدى يونيون إنفستمنت في ألمانيا: «نخفض الوزن النسبي للبنان... هناك القليل جداً الذي يجعلنا نشعر بالثقة حيال زيادة مركزنا لأن المشاكل لم تجد طريقها إلى الحل على أرض الواقع وخطة الأجل الطويل تظل ضعيفة تماماً». وقال ديرجاتشيف إنه سيكون من الصعب على لبنان أن يصدر سندات في الوقت الراهن نظراً لعدم التيقن الذي يغلف النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين.



«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)
صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)
TT

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)
صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية شملت الحد من تدهور الأراضي والجفاف، والهجرة، والعواصف الترابية والرملية، وتعزيز دور العلوم والبحث والابتكار، وتفعيل دور المرأة والشباب والمجتمع المدني، والسكان الأصليين لمواجهة التحديات البيئية، بالإضافة إلى الموافقة على مواضيع جديدة ستدرج ضمن نشاطات الاتفاقية مثل المراعي، ونظم الأغذية الزراعية المستدامة.

هذا ما أعلنه وزير البيئة والمياه والزراعة رئيس الدورة الـ16 لمؤتمر الأطراف، المهندس عبد الرحمن الفضلي، في كلمة بختام أعمال المؤتمر، مؤكداً التزام المملكة بمواصلة جهودها للمحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف، خلال فترة رئاستها للدورة الحالية للمؤتمر.

وكان مؤتمر «كوب 16» الذي استضافته المملكة بين 2 و13 ديسمبر (كانون الأول)، هو الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يؤكد دور المملكة الريادي في حماية البيئة على المستويين الإقليمي والدولي.

أعلام الدول المشارِكة في «كوب 16» (واس)

وشهد المؤتمر الإعلان عن مجموعة من الشراكات الدولية الكبرى لتعزيز جهود استعادة الأراضي والقدرة على الصمود في مواجهة الجفاف، مع تضخيم الوعي الدولي بالأزمات العالمية الناجمة عن استمرار تدهور الأراضي. ونجح في تأمين أكثر من 12 مليار دولار من تعهدات التمويل من المنظمات الدولية الكبرى، مما أدى إلى تعزيز دور المؤسسات المالية ودور القطاع الخاص في مكافحة تدهور الأراضي والتصحر والجفاف.

ورفع الفضلي الشكر لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده على دعمهما غير المحدود لاستضافة المملكة لهذا المؤتمر الدولي المهم، الذي يأتي امتداداً لاهتمامهما بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، والعمل على مواجهة التحديات البيئية، خصوصاً التصحر، وتدهور الأراضي، والجفاف، مشيراً إلى النجاح الكبير الذي حققته المملكة في استضافة هذه الدورة، حيث شهدت مشاركة فاعلة لأكثر من 85 ألف مشارك، من ممثلي المنظمات الدولية، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، ومراكز الأبحاث، والشعوب الأصلية، وقد نظم خلال المؤتمر أكثر من 900 فعالية في المنطقتين الزرقاء، والخضراء؛ مما يجعل من هذه الدورة للمؤتمر، نقطة تحول تاريخية في حشد الزخم الدولي لتعزيز تحقيق مستهدفات الاتفاقية على أرض الواقع، للحد من تدهور الأراضي وآثار الجفاف.

خارج مقر انعقاد المؤتمر في الرياض (واس)

وأوضح الفضلي أن المملكة أطلقت خلال أعمال المؤتمر، 3 مبادرات بيئية مهمة، شملت: مبادرة الإنذار المبكر من العواصف الغبارية والرملية، ومبادرة شراكة الرياض العالمية لتعزيز الصمود في مواجهة الجفاف، والموجهة لدعم 80 دولة من الدول الأكثر عُرضة لأخطار الجفاف، بالإضافة إلى مبادرة قطاع الأعمال من أجل الأرض، التي تهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص في جميع أنحاء العالم للمشاركة في جهود المحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وتبني مفاهيم الإدارة المستدامة. كما أطلق عدد من الحكومات، وجهات القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، وغيرها من الجهات المشاركة في المؤتمر، كثيراً من المبادرات الأخرى.

وثمّن الفضلي إعلان المانحين الإقليميين تخصيص 12 مليار دولار لدعم مشروعات الحد من تدهور الأراضي وآثار الجفاف؛ داعياً القطاع الخاص، ومؤسسات التمويل الدولية، لاتخاذ خطوات مماثلة؛ «حتى نتمكن جميعاً من مواجهة التحديات العالمية، التي تؤثر في البيئة، والأمن المائي والغذائي، للمجتمعات في مختلف القارات».

وأعرب عن تطلُّع المملكة في أن تُسهم مخرجات هذه الدورة لمؤتمر الأطراف السادس عشر، في إحداث نقلة نوعية تعزّز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي، والحد من تدهورها، إضافةً إلى بناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات بمختلف أنحاء العالم، مؤكداً التزام المملكة بالعمل الدولي المشترك مع جميع الأطراف المعنية؛ لمواجهة التحديات البيئية، وإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة لتدهور الأراضي والتصحر والجفاف، والاستثمار في زيادة الرقعة الخضراء، إلى جانب التعاون على نقل التجارب والتقنيات الحديثة، وتبني مبادرات وبرامج لتعزيز الشراكات بين الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمعات المحلية، ومؤسسات التمويل، والمنظمات غير الحكومية، والتوافق حول آليات تعزز العمل الدولي المشترك.