الإرهاب في الساحل الأفريقي

قسوة الطبيعة... ووحشية التنظيمات المتطرفة

أفراد من القوات الخاصة الفرنسية يشاركون في مراسم تشييع زميلين لهما  قُتلا في غارة لإطلاق سراح الرهائن في بوركينا فاسو منتصف الشهر (أ.ف.ب)
أفراد من القوات الخاصة الفرنسية يشاركون في مراسم تشييع زميلين لهما قُتلا في غارة لإطلاق سراح الرهائن في بوركينا فاسو منتصف الشهر (أ.ف.ب)
TT

الإرهاب في الساحل الأفريقي

أفراد من القوات الخاصة الفرنسية يشاركون في مراسم تشييع زميلين لهما  قُتلا في غارة لإطلاق سراح الرهائن في بوركينا فاسو منتصف الشهر (أ.ف.ب)
أفراد من القوات الخاصة الفرنسية يشاركون في مراسم تشييع زميلين لهما قُتلا في غارة لإطلاق سراح الرهائن في بوركينا فاسو منتصف الشهر (أ.ف.ب)

قُتل 28 جندياً في النيجر، منتصف الشهر الحالي، واعتُبر 11 آخرون مفقودين، بعد هجوم على تونغو تونغو في منطقة تيلابيري، قرب الحدود المالية، ونقل كثير من الجرحى إلى مستشفيات العاصمة نيامي للعلاج.
وقد عرفت هذه المنطقة بالهجوم الذي قتل فيه أربعة جنود أميركيين وخمسة جنود من النيجر في 2017، وتبنى تنظيم «داعش في الصحراء الكبرى»، العملية، في تسجيل مصور بثه بعد الحادث.

على أثر هذه العملية الإرهابية، طالبت بوركينا فاسو يوم 16 مايو (أيار) الحالي الأمم المتحدة، وأعضاء مجلس الأمن بتأسيس «تحالف دولي» ضد الإرهاب لمنطقة الساحل، شبيه بالتحالف الدولي ضد الإرهاب بالعراق وسوريا. وقال مسؤول أمني لوسائل الإعلام، بخصوص الهجوم في منطقة تيلابيري، غرب النيجر، قرب الحدود المالية، إن «الكمين» كان عملاً مدبراً من «مجموعة إرهابية تضم مئات الرجال المدججين بالسلاح من الشمال». ويأتي هذا الهجوم الوحشي بالتزامن مع اجتماع لدول الساحل مع دول الاتحاد الأوروبي ببروكسل للتداول حول تصاعد الإرهاب بالساحل والصحراء.
وقد اعترفت الممثلة السامية الأوروبية فيديريكا موغيريني، بأن الوضع الحالي المتسم بتوسع وتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية بالساحل، يضع الاتحاد الأوروبي ودول الساحل في «حالة من التناقض»، حيث «تتزايد جهود الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لصالح بلدان الساحل الخمسة الكبرى، لكن مستوى الأمن يتدهور». ومن جهته، يرى تيبيل درامي، وزير خارجية مالي، أن «ما نحتاج إليه هو تسريع الإجراءات، وتعبئة دولية ملموسة، وتحالف دولي ضد التهديد الإرهابي، ومزيد من الجهود». أما وزير الشؤون الخارجية والدفاع البلجيكي ديدييه رايندرز، فإنه يرى أن «الأمر متروك أيضاً للبلدان المعنية للسيطرة على حدودها ووقف حركة المرور المكثفة هناك. كما يدعو الأوروبيون الشركاء إلى نزع سلاح الميليشيات وإصلاح قوات الأمن وإنهاء الإفلات من العقاب، وإعادة نشر الخدمات العامة في المناطق الحدودية».
قال ثلاثة من كبار المسؤولين في المجال الإنساني لدى الأمم المتحدة، في الأسبوع الثاني من مايو 2019، إن الهجمات المسلحة المتكررة والمتطورة في منطقة الساحل ونقص الغذاء المرتبط بالجفاف الشديد في العام الماضي قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، مما عرّض مستقبل «جيل كامل» للخطر. وقد سجلت سنة 2018، تزايداً لحوادث العنف في المنطقة إلى مستويات أعلى، أي إلى أربعة أضعاف مما كانت عليه في ذروة أزمة مالي في عام 2013. كما عرفت هذه السنة نشاطاً مكثفاً للجماعات المتطرفة عبر الحدود في مناطق شاسعة، معظمها فقيرة وذات كثافة سكانية منخفضة. ويأتي هذا مع تزايد التوترات في المجتمعات المحلية المقهورة، وتتفاقم بفعل ديناميات الصراع وجداول أعمال الجماعات المسلحة. وهذا بدوره رفع من حدة العنف بين المدنيين مباشرة، في بوركينا فاسو، حيث تنتشر الهجمات المسلحة في المناطق الحدودية الشرقية والجنوبية، وتمس الدول الساحلية المجاورة. ولخطورة هذه الموجة الجديدة من الإرهاب، حذر المنسقون المقيمون والإنسانيون التابعون للأمم المتحدة، في نداء لزيادة التمويل لدعم ملايين الأشخاص المتضررين من انتشار العنف في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، من أن عدم الاستقرار يهدد بالانتشار إلى بلدان غرب أفريقيا الأخرى.
ذلك أن تشابك نشاط الجماعات الإرهابية، وقسوة الطبيعة، أديا إلى تزايد الاحتياجات، وتصاعدت موجات النزوح خمسة أضعاف في عام واحد. مسجلة أكثر من 330 ألف نازح، بالإضافة إلى 100 ألف لاجئ.
وقال مبيرانجا جاسارابوي، منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في مالي إن هذا يؤدي «لدمار مزدوج». ففي مالي «أغلقت أكثر من 1800 مدرسة وأكثر من 80 مركزاً صحياً، أو عملت بشكل جزئي فقط»، وهذا ما يمنح الفرص للمتطرفين لتقديم هذه الخدمات للسكان المحليين. وبالنسبة لبينتو جيبو المنسق المقيم للشؤون الإنسانية في النيجر، على الأمم المتحدة أن تتحرك بسرعة لمحاصرة العنف في هذه المنطقة على مستوى الإغاثة المستمرة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعلى مستوى التقليص من الشعور بالتهميش والحرمان من الحقوق. وفي هذا السياق، كشفت الأمم المتحدة، أن نحو 5.1 مليون شخص يحتاجون للمساعدة الإنسانية في مناطق، تاهوا وتيلابيري في بوركينا فاسو ومالي والنيجر. كما ناشدت منظمات الإغاثة تقديم 600 مليون دولار لمساعدة 3.7 مليون من أشد الناس احتياجاً في البلدان الثلاثة، غير أن التمويل المتوفر حالياً هو نحو 19 في المائة فقط. وهذا الضعف في الإمكانيات يجعل مستقبل جيل كامل على المحك. ذلك أن هذا الوضع المتأزم شجع المجتمعات الإثنية على التحارب والعنف المتبادل، مع بروز مؤشرات تدل على تطور الأجهزة والأسلحة وطرق القتال التي تمارسها الجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل. وقالت متسي ماكيثا، منسقة الأمم المتحدة المقيمة في بوركينا فاسو: «إننا بحاجة إلى جهد متضافر حتى نتمكن من تهيئة الظروف التي تمكّن المجتمعات من تعزيز روابطها المجتمعية التقليدية».
ففي جميع أنحاء المنطقة المشتعلة، زاد عدد النازحين بشكل مخيف مع غياب لحماية المدنيين. وعلى سبيل المثال، زاد عدد النازحين داخلياً، في مالي بأكثر من الضعف خلال 2018م، ليصل إلى نحو 100 ألف شخص. ومن جهتها، تواجه بوركينا فاسو نزوحاً غير مسبوق، حيث غادر أكثر من 100 ألف شخص منازلهم في النصف الأول من 2019. أما النيجر، فقد شهدت منطقتا تيلابيري وتاهوا فيها ترك أكثر من 70000 شخص منازلهم، بسبب أعمال العنف.
وتزداد معاناة السكان والحاجة إلى مساعدات غذائية، وسط موجهة قاتلة من الجفاف، حيث يواجه نحو 1.8 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي. كما أن سوء التغذية الحاد يهدد حياة نحو 400 ألف طفل. ومما يزيد قتامة الوضع أن نشاط الجماعات الإرهابية وانتشار العنف والجريمة، وانعدام الأمن، فرضت قيوداً على الحركة، وأزمت وضعية المجتمعات الرعوية والمزارعين. ولا يبدو أن جهود 248 مؤسسة إغاثية تعمل في المناطق المتأثرة، مع الشركاء المحليين، كافية للتخفيف بشكل عاجل من الأزمة المزدوجة التي تضرب منطقة الساحل.
ولتحقيق التقدم في العمل الإغاثي، والتقليل من موجة العنف الحالية، يلزم تضافر عمل مختلف الفاعلين المحليين والعالميين، وتكثيف صنوف الشراكات بين المجتمعات المحلية والحكومات والجهات الفاعلة الإنسانية والإنمائية والشركاء الدوليين، ذلك أن التنسيق الشامل بين هذه الأطراف، هو الذي سيدعم الاتجاه الحالي، الرامي للتدخل العاجل والفعال، لتحسن معيشة حياة ملايين من الأشخاص في منطقة الساحل.
من الناحية التاريخية، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تتميز منطقة الساحل بتغيرات مناخية قوية وسقوط أمطار غير منتظمة تشكل اثنتين من أكبر العقبات أمام الأمن الغذائي والحد من الفقر في المنطقة. ويقول الخبراء إن الأمور ازدادت سوءاً في العقود الأولى، من القرن 21، حيث زاد تواتر وشدة الجفاف والفيضانات خلال هذه الفترة، مما أربك النشاط الاقتصادي للمنطقة، وغير طبيعة العلاقة السائدة بين الجماعات السكانية، خصوصاً الرعوية. وتفيد منظمة الأغذية والزراعة بأن أكثر من 80 في المائة من أراضي المنطقة متدهورة. فيما يرى مالكولم بوتس من جامعة كاليفورنيا، أنه بحلول عام 2050، ستشهد منطقة الساحل ارتفاعاً لانبعاث غازات دفيئة، مما سيوثر بدوره على درجات الحرارة، التي ستكون أكثر دفئاً بمقدار 3 إلى 5 درجات مئوية، وبالتالي ستصبح الأحداث المناخية القاسية أكثر شيوعاً وانتشاراً بالمنطقة.
ويفسر برنامج الأمم المتحدة للبيئة، هذه الإشكالية المستفحلة، بناء على عوامل مختلفة تفسر الأزمة البيئية لمنطقة الساحل، حيث يرى البرنامج الأممي أن نمو السكان المتزايد، والمصاحب لتدهور الأراضي الزراعية، وإزالة الغابات والمحاصيل المستمرة والرعي الجائر، وهطول الأمطار غير المنتظم، وعدم الاستفادة من مياه الأمطار، وافتقار الحكومات إلى سياسات بيئية متماسكة، وغياب أولويات التنمية المركزية والمحلية، كل هذا أدى إلى تحويل نسبة كبيرة من جغرافية الساحل إلى أراضٍ قاحلة، مما أدى إلى تدهور والموارد المائية، والماشية.
رغم الجهود الكبيرة التي بذلها الاتحاد الأوروبي، وكل من السعودية والإمارات العربية المتحدة، بقصد تقوية جبهة مكافحة الإرهاب بالساحل، فإن عمليات القوة المشتركة، تواجه صعوبات جمة. فقد اضطرت بعد الهجوم على مقرها في سيفاري في 29 يونيو (حزيران) 2018 للتوقف، ولم تستأنف إلا في يناير (كانون الثاني) 2019. ورغم الدعم العسكري الكبير لقوة «برخان» الفرنسية، لا يزال جيش الساحل لمكافحة الإرهاب لا يعمل بشكل كامل، بعد خمس سنوات من التعبئة والدعم، وبالتالي لم يصل إلى نسبة 80 في المائة من الإمكانية والنشاط الذي كانت مرسوماً له في أفق 2019.
على أي حال، لا يزال هناك الكثير من الأسئلة حول دور القوة المشتركة (جي 5)، التي ساهم فيها الاتحاد الأوروبي بمبلغ 147 مليون يورو، التي لا يمكن أن تغطي سوى بعض الجوانب اللوجيستيكية غير الفعالة، أمام تصاعد قوة الجماعات الإرهابية. وللعمل في المناطق الحدودية، أنشأت الدول الخمس (مالي، والنيجر، وتشاد، وموريتانيا، وبوركينا فاسو)، قوات أمن إقليمية خاصة بها، مكونة من نحو 5000 رجل تحت «القيادة المركزية»، غير أن هذه القوة تعاني من الضعف المزمن، ومن قلة الإمكانيات، مما يسمح للجماعات الإرهابية بحرية أكبر في النشاط داخل جغرافية شاسعة ومأزومة، إثنياً، ودينياً، ومناخياً.

* أستاذ زائر للعلوم السياسية
- جامعة محمد الخامس


مقالات ذات صلة

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا القاتل النرويجي أندرس بيرينغ بريفيك (إ.ب.أ)

«سفاح النرويج» يطلب الإفراج المشروط للمرة الثانية

مَثُل القاتل النرويجي، أندرس بيرينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصاً في حادث تفجير وإطلاق نار عشوائي عام 2011، أمام المحكمة، الثلاثاء، لحضور جلسة استماع بشأن إطلاق

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التقى حليفه دولت بهشلي الخميس الماضي وسط تأكيدات عن خلافات بينهما (الرئاسة التركية)

حليف إردوغان استبعد الخلاف معه... وهاجم مَن يخدمون «أولاد بايدن» بالتبني

أشعل رئيس حزب «الحركة القومية»، شريك حزب «العدالة والتنمية» في «تحالف الشعب»، جدلاً جديداً حول حلّ المشكلة الكردية في تركيا، ونفى وجود أي خلاف مع الرئيس إردوغان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.