«الناجون»... مجموعات روسية تتدرب على البقاء في قلب الكارثة

بدأت في أميركا خلال الحرب الباردة استعداداً لانعدام شروط الحياة

يتعلم المتدربون توفير كل ما هو ضروري لضمان البقاء
يتعلم المتدربون توفير كل ما هو ضروري لضمان البقاء
TT

«الناجون»... مجموعات روسية تتدرب على البقاء في قلب الكارثة

يتعلم المتدربون توفير كل ما هو ضروري لضمان البقاء
يتعلم المتدربون توفير كل ما هو ضروري لضمان البقاء

تحركت ظاهرة جماعات «المقاومون من أجل البقاء»، أو «الناجون» كما يطلقون على أنفسهم عبر التاريخ، ووصلت إلى روسيا في أيامنا هذه، قادمة من الولايات المتحدة في حقبة الحرب الباردة. ويركز «الناجون» في حياتهم على توفير كل ما هو ضروري لضمان البقاء في ظل ظروف تتعرض فيها الأرض لكارثة مدمرة، بغض النظر عن طبيعتها ومصدرها.
برزت هذه الظاهرة لأول مرة في الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. حينها وتحت تأثير الخوف من ضربة نووية قد يوجهها الاتحاد السوفياتي للأراضي الأميركية، شرع كثيرون في حفر الملاجئ، وتخزين الأغذية الجافة والمعلبة، فضلاً عن أدوات ومعدات وأسلحة، على أمل أن يساهم هذا في نجاتهم، ويضمن لهم البقاء والاستمرار في حال وقعت «الكارثة النووية». ورفع هؤلاء عبارة: «عندما بنى نوح الفلك لم تكن هناك أي أمطار» شعاراً لهم، في إشارة إلى ضرورة الاستعداد لكارثة، واقعة لا محال، رغم أنها غير متوقعة بالنسبة لكثيرين.
في تلك الحقبة، لم تظهر جماعات كهذه في الاتحاد السوفياتي، ذلك أن «الدولة» قامت هي بحفر الملاجئ، استعداداً لحرب نووية. إلا إن الأمر تغير وأخذت جماعات كهذه تظهر في روسيا، بعد سقوط الدولة السوفياتية، وتحت تأثير الكم الهائل من المعلومات التي تُضخ عبر وسائل الإعلام والإنترنت، حول المخاطر المحدقة بالأرض والحياة عليها. واليوم هناك عشرات المجموعات التي تعمل على توفير القدرة الضرورية لدى كل إنسان، وكل ما يلزمه من مواد رئيسية للبقاء والاستمرار في حال تعرضت الأرض لأي كارثة طبيعية مثل الفيضانات أو البراكين، أو سقوط نيزك على الأرض، وغيرها من كوارث طبيعية أو تقنية المنشأ، تنعدم معها الظروف المتوفر للإنسان حالياً.
«الناجون» الروس لا يشيدون الملاجئ، وإنما يتدربون على تأمين المأوى والطعام من المواد المتوفرة في الطبيعة، ويتدربون على العيش دون أي «عناصر مساعدة» في الطبيعة القاسية. وأسست بعض تلك الجماعات صفحات ومواقع لها على الإنترنت، تنشر فيها معلومات حول طبيعة الكوارث المحتملة، وكيفية البقاء إن وقعت أي منها. تحت اسم «عش المرتاب»، أسست واحدة من تلك المجموعات صفحة على الإنترنت، تقول فيها إن «هذا المشروع مخصص لأولئك الذين يفكرون بأمنهم الخاص في أي موقف ممكن. لأولئك الذين يفكرون بكيفية التأقلم والتعايش في أي موقف، حتى لو كان خارج المألوف».
ويقول القائمون على ذلك الموقع إن «عقيدة البقاء الأساسية هي أن تكون مستعداً لمغادرة مكان إقامتك الحالي في أي لحظة، إلى مكان آمن مُعد مسبقاً، تنتظر فيه ريثما يستقر الوضع». وإذ تشدد هذه الجماعة على أن هذا لا يعني العيش دائماً بانتظار الكارثة، تشير في الوقت ذاته إلى سقوط مئات الضحايا يومياً في كوارث طبيعية أو تقنية، وفي النزاعات المسلحة، وتقول: «من الحماقة تجاهل حقيقة أن ظروفاً كهذه قد تصل إلى منطقتكم». لذلك تستعد تلك الجماعات لما تسميه ظرفاً كارثياً طارئاً غير متوقع، وتتدرب مثلاً على تصنيع الحبال من زجاجات البلاستيك، والحصول على الكهرباء من الشجر، وتشييد مواقع لتخزين ما قد يحتاجونه من مواد وأغذية في الغابات، فضلاً عن مأوى مستقل ذاتياً، تتوفر فيه المياه والطعام، وأي وسيلة مناسبة لإشعال النار. ويجري بعضهم تدريبات عملية، بأن يخرج شخص أو أكثر إلى الغابة لأيام أو أسابيع عدة، دون أن يأخذوا معهم أي مواد، باستثناء سكين، و«فلينت» (قطعة معدنية لإشعال النار)، ويختبرون مهاراتهم وقدرتهم على البقاء في ظروف قاسية.
ويعرض الموقع معلومات حول كيفية تصنيع أدوات ضرورية من مواد بدائية، مثل تصنيع فأس أو مثقاب من الحجارة، وتوليد الكهرباء من ألواح خشبية، وغير ذلك كثير.
ويروي بعض أعضاء جماعات «الناجون» تجاربهم، ويقول أحدهم إنه كان يتعمد الخروج إلى الغابة لفترات طويلة، دون أي شيء، ومن ثم يعمل على العثور على ما يأكله، وكان أحياناً يصطاد السمك بيديه ويأكله نيئاً، أو مشوياً على النار إن توفرت. ويقول آخر: «اعتدت أن أحمل معي دوماً السكين متعددة الاستخدامات. لا أضع سماعات الأذنين مطلقاً، لا تمكّن من سماع كل الأصوات حولي. لا أستخدم الأكياس، وأحمل حقيبة ظهر خفيفة، بما لا يقيد حرية حركة اليدين، وفي المنزل هناك دوماً (حقيبة القلق) جاهزة، وهي عبارة عن حقيبة ظهر، فيها كل ما هو ضروري للبقاء 3 أيام؛ فيها طعام وماء وألبسة دافئة، وغيرها من مواد وأدوات ضرورية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».