صراع «القاعدة» و«داعش» ينتقل للإصدارات المرئية

«حديث العائدين» يُكذب «البادئ أظلم» ووكالة «أعماق»

«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)
«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)
TT

صراع «القاعدة» و«داعش» ينتقل للإصدارات المرئية

«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)
«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)

انتقل الصراع بين تنظيمي «داعش» و«القاعدة» من الأرض إلى الإصدارات المرئية؛ إذ بث «القاعدة» إصداراً صوتياً لـ«منشقين» عن «داعش» تحدثوا عن خداع التنظيم، في حين يواصل «داعش» بث إصدارات ومقاطع لتأكيد أنه «باق» رغم الهزائم، وأنه الأقوى بين التنظيمات الإرهابية. يقول خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، إن «حرب الإصدارات إفلاس، ومحاولة لإثبات الوجود في ظل فشل كبير».
صدر أخيراً إصدار مرئي بعنوان «حديث العائدين» مدته 12 دقيقة، ضم رواية لأحد عناصر «داعش»، ضمن 3 عناصر ظهروا في الإصدار. قالت عنهم «القاعدة» إنهم «انشقوا عن (داعش)، وتحدثوا عن الإعلام الكاذب للتنظيم»، أصدرته مؤسسة «هداية» للإنتاج الإعلامي التابعة لـ«القاعدة». وبدأ الإصدار المرئي الذي حمل أسماء حركية هي «قربان، وحارث، وأسامة» بنشيد احتوى على كلمات، تُذكر بالموت، وضرورة التوبة إلى الله، في تقليد لإصدارات «داعش» التي اعتاد عليها.
يأتي هذا في وقت لا تزال مشكلة «العائدين» من «داعش» تمثل إشكالية كبيرة، وتنشر القلق في أوروبا بعد انحسار التنظيم وفرار معظمه من العراق وسوريا. وقال مراقبون إن «مشكلة الدول تكمن في وجود تخوفات من إقدام الفارين من (داعش) على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدودها، وبخاصة مع عدم وجود بيانات تفصيلية لهؤلاء (العائدين)».
وأكد المراقبون «عادة ما تبدأ شهادة (العائدين) من التنظيمات الإرهابية في أي إصدار صوتي بتسجيل موقف الندم، والحسرة على الاختيارات التي دفعتهم إلى ذاك الطريق، وأحياناً يتهمون أنفسهم بالسذاجة والسطحية».

- أكاذيب «داعش»
بدأ الحركي «قربان» حديثه، بأن «(داعش) تلاعب بالإعلام خلال حربه مع (القاعدة) في قيفة بالقريشية، إحدى مديريات محافظة البيضاء اليمنية، واستخدموا سلاح (بي كي) وهو سلاح رشاش متوسط يجمع صفات كل من الكلاشينكوف والغرينوجوف، وقتلوا عناصر (القاعدة) وأسروهم»، مستشهداً بإصدار «داعش» «البادئ أظلم» الذي كشف كذب التنظيم؛ إذ خطف 13 من «القاعدة»، وعندما ردت «القاعدة» اشتكى التنظيم بأنه مظلوم، مؤكداً أن «(داعش) يدعي زيفاً بأن التنظيم لا يزال ثابتاً في مواقعه للزج بعناصره في حرب لا يعرف أحد مداها، وقد انسحب من أكثر المواقع التي كان فيها، ويدعي أنه يسطر الملاحم... والحقيقة أنه يقتل الأطفال، ويقوم بإطلاق النار على عامة الناس، فقد قام التنظيم بقنص طفلة في قيفة لا تتجاوز العاشرة من عمرها في رأسها».
وواصل الحركي «قربان» حديثه قائلاً: «حتى نعلم مدى تلاعب الدواعش بالإعلام وكذبهم، لا بد من مشاهدة مقطع لوكالة (أعماق) التابعة للتنظيم، والذي ظهر فيه شخص يقال عنه أن اسمه الحركي أبو مسلم الهاشمي، وأظهرت الوكالة أنه منشق عن (القاعدة)»، مضيفاً: «أبو مسلم هذا حينما حضر إلى (داعش) كنت معهم وقتها، وعقب وصوله بأيام قليلة نشروا بيننا المقطع، وحاولوا ترسيخ أنه قاعدي منشق... وعندما هربت إلى (القاعدة) بدأت أبحث عن حقيقة ما قاله أبو مسلم، فلم أجد شيئاً، وعندما سألت عن أبو مسلم، علمت أنه لم يبقَ في قيفة سوى 48 ساعة، وأنه لم يمكث مع (القاعدة) أكثر من 10 أيام وهرب إلى (داعش)، فكيف أنه مكث 12 يوماً ويحكي ما يقوم به (القاعدة) بين الناس؟».
ودعا الحركي «قربان» في نهاية حديثه عناصر «داعش» أن يفيقوا بعدما غيبوهم عن الواقع، وأن يعلموا أن ما يقوم به القادة ظُلم. ودعاهم للمغادرة؛ حتى لا يندموا. كما دعا المناصرين المتعصبين مثله أن «يسمعوا من كل الأطراف».

- إصدارات قديمة
سبق إصدار «القاعدة»، إصدارات مرئية كثيرة لـ«داعش» لتأكيد البقاء، وأنه ما زال الأقوى على الأرض من «القاعدة» وتنظيمات الإرهاب الأخرى، إذ بث تنظيم «ولاية سيناء» الفرع المصري لـ«داعش» إصداراً مرئياً، عرض فيه لقطات مصورة، قال عنها: «إنها حديثة لاستهداف عربات ومدرعات وكمائن أمنية في شمال سيناء»... كما بث الفرع اليمني لـ«داعش» إصداراً مرئياً بعنوان «اثاقلتم إلى الأرض»، ضم عدداً من اللقطات القديمة، التي نشرتها المكاتب الإعلامية للتنظيم في سوريا والعراق، لما أسمته تطبيق الأحكام الشرعية داخل معاقل التنظيم... وسبق ذلك إصدار مرئي حمل اسم «صولات الموحدين 2» عن ما يسمى بالمكتب الإعلامي للبركة التابع لـ«داعش» كشف عن سعى التنظيم لتصدير صورة مشاركة عناصر نسائية مكشوفة الوجه في القتال ضد عناصر الجيش السوري؛ وذلك في محاولة من التنظيم لكسب وتجنيد عناصر جديدة من المتعاطفات معه.
تعليقاً، قال عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية: إن «(حرب الإصدارات) ما هي إلا إعلان حالة إفلاس بشكل كامل من كلا التنظيمين». بينما أكد رسمي عجلان، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، أن «(داعش) و(القاعدة) يحاولان إثبات وجودهما في ظل فشل كبير، والتنظيمان يحاولان تعويض ما فقداه من الشباب في العراق وسوريا وغيرهما من الدول».
وما زال «القاعدة» يُقدم نفسه على أنه في طليعة «القتال» ضد أميركا وروسيا وبريطانيا، وأصحاب منهج صحيح، على خلاف «داعش» الذي يصفه بـ«الغلاة».
ويرى مراقبون أن «كثيراً من الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تلقت تدريبات على يد عناصر (القاعدة)، انفصلت عن التنظيم خلال السنوات الماضية وانضمت إلى تنظيمات أخرى مثل (داعش)... ويسعى (القاعدة) لضم هؤلاء (الدواعش) عقب الهزائم التي لحقت بهم في سوريا والعراق خلال الأشهر الأخيرة.

- ما بين البغدادي والظواهري
الصراع بين «داعش» و«القاعدة» ليس فقط في الإصدارات؛ بل تلاسن غير ظاهر من وقت إلى آخر بين قيادات التنظيمين، ففي أغسطس (آب) الماضي، بث زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي إصداراً مرئياً عبر «أعماق» حث فيه أتباعه على العنف والقتل... وبعده ظهر أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» في إصدار مرئي آخر محاولاً إثبات وجود تنظيمه على الساحة، بدعوته المسلمين بالتوحد معه لمواجهة الإرهاب – على حد زعمه.
كما ظهر الظواهري في أبريل (نيسان) 2018 في إصدار «بُشرى النصر لأهلنا في مصر»، حاول من خلاله استمالة شباب تنظيم «الإخوان»، والأحزاب الإسلامية للانضمام إلى التنظيم... وسبقه إصدار بثه «داعش» حمل اسم «حماة الشريعة» شن هجوماً على الأحزاب الإسلامية في مصر؛ لكنه داعب حينها شباب «الإخوان».
وقال عجلان: إن «طبيعة التيارات والجماعات المتشددة حدوث تشظٍ وصراعات داخلية بينها تحت لافتات التكفير المُتبادل؛ فـ(داعش) كان تطوراً طبيعياً لـ(القاعدة)».
وأكد المراقبون، أن «مصطلح (العائدين) من (داعش) شهد تغيراً كبيراً بعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق؛ فقد كان يُطلق في البداية - قبل هزيمة التنظيم - على بعض المنضمين إليه ممن خُدعوا بدعايته، ثم سرعان ما اكتشفوا - بعد انضمامهم إليه - أن الأوضاع على أرض الواقع تختلف اختلافاً جذرياً عما يروجه التنظيم؛ لذا قرروا تركه والعودة إلى بلادهم... وبعد هزيمة التنظيم أصبح المصطلح يحمل معنى مغايرا تماماً؛ إذ لا يمكن الجزم بما إذا كان هؤلاء (العائدون) لا يزالون يحملون الفكر الداعشي أم لا؟، وقد أعربت الكثير من حكومات الدول الغربية عن خوفها الشديد من هؤلاء».

- مواقع التواصل
من جهته، قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، مدير مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الافتاء المصرية: إن «هناك تخوُفاً آخر يظهر في الأفق، وهو احتمالية الانتقال لهؤلاء (العائدين) بين التنظيمات التكفيرية والإرهابية، كما هو الحال بين (القاعدة) و(داعش)، وبخاصة مع أفول نجم (داعش)، وبروز تنظيم (القاعدة) وإعادة لملمة صفوفه وتنظيم قوته».
ويستغل «داعش» و«القاعدة» شبكات الإنترنت لبث ونشر الإصدارات المختلفة على نطاق أوسع. وفي دراسة لدار الافتاء المصرية أشارت إلى أن «التنظيمات المتطرفة توسعت في استخدام شبكات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي باعتبارها ملاذاً آمناً، لبث أفكارهم المتطرفة ولتنفيذ مشروعها الآيديولوجي».
الدراسة، التي جاءت بعنوان «استراتيجيات وآيديولوجيات الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب عبر الإنترنت»، أعدها مرصد الفتاوى، أكدت أن «شبكات ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي تمثل جامعة إلكترونية لإعداد وتجنيد (الذئاب المنفردة) أو (الانفراديين)، وأداة خصبة لنشر أفكارهم المتطرفة، حيث تقوم تلك التيارات بتصنيف مواقع التواصل وفق استخدامه المناسب».
وصنفت دراسة الإفتاء مواقع التواصل وفق استغلال «داعش»، حيث أكدت أن «(فيسبوك) يساعد التنظيم في تجنيد (الذئاب المنفردة) بسهولة عبر استدراج الشباب وتجنيدهم بطريقة غير مباشرة... أما (تويتر) فيستخدم لنشر الأخبار الترويجية للأفكار المتطرفة... و(تليغرام) للمساهمة في نشر أدبيات التنظيم وكتاباته وروابط تقاريره المصورة والمرئية لترويج نجاحه المزيف في ساحات القتال... في حين يستغل التنظيم قنوات (يوتيوب) لتمكين مشاركيه من تحميل الفيديوهات قبل الحذف».


مقالات ذات صلة

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

المشرق العربي حديث جانبي بين وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر وزراء خارجية دول مجموعة الاتصال العربية حول سوريا في العاصمة الأردنية عمان السبت (رويترز)

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

أكدت تركيا أن «وحدات حماية الشعب الكردية» لن يكون لها مكان في سوريا في ظل إدارتها الجديدة... وتحولت التطورات في سوريا إلى مادة للسجال بين إردوغان والمعارضة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.