السودان ورمضان بنكهة الثورة

«الحلو مر» المشروب المفضل لإطفاء ظمأ الصائمين

سودانيون أمام القيادة في انتظار مدفع الإفطار (أ.ف.ب)
سودانيون أمام القيادة في انتظار مدفع الإفطار (أ.ف.ب)
TT

السودان ورمضان بنكهة الثورة

سودانيون أمام القيادة في انتظار مدفع الإفطار (أ.ف.ب)
سودانيون أمام القيادة في انتظار مدفع الإفطار (أ.ف.ب)

في السودان لا حديث غير الثورة، حتى الشهر الفضيل هذا العام يصومه السودانيون بـ«نكهة الثورة»، وفيما يرفع المعتصمون أمام مقر قيادة الجيش شعار «رمضان أحلى مع الاعتصام»، تتابع الجاليات السودانية بالخارج أخبارهم متحسرة على غيابها.
وكانت الساحة أمام القيادة بالعاصمة الخرطوم، حيث مقر الرئيس ورئاسة الجيش، قد تحولت إلى مقر للثورة لإجبار البشير على التنازل ثم تواصل الاعتصام، معلنين أنه لن يرفع ما لم يتم تكوين حكومة انتقالية مدنية تقتلع النظام السابق، وتعيد الروح للخدمة المدنية، وتمهد الأجواء لإجراء انتخابات حزبية نزيهة.
وفيما ما يزال «تجمع المهنيين» و«قوى الحرية والتغيير» أو «قادة الثورة» يتفاوضون مع المجلس العسكري الذي يمثل القوات المسلحة التي انحازت للثورة بحثاً عن اتفاق على حكومة مدنية، يظل الاعتصام قائماً وقوياً وحيوياً رغم دخول شهر رمضان، ولا يزال الآلاف من الثوار لا يبارحون ساحته ليل نهار والأعداد والوفود في زيادة يومياً، سيما وقت الإفطار وصلاة التراويح. قبل دخول شهر الصيام بدأت الاستعدادات للفطور والسحور بالساحة، ولم تكن استعدادات بسيطة، بل حرص الثوار حتى على إعداد «عواسة» و(مشروب الحلو مر) الذي يعتبر مشروب السودانيين الأول طيلة شهر رمضان.
يصنع «الحلو مر» أساساً من الذرة المسحون بعد تزريعه، ويحتاج لطرق إعداد مميزة وبهارات معينة ظلت النساء تتداولها من جيل إلى جيل، وبدوره تداولها هذا العام جيل الثورة و«الكنداكات» الذين يشمرون ويرتبون كل يوم للإفطار الجماعي لآلاف معتصمة وتلك التي أمست تفضل الإفطار بمقر الاعتصام الذي تغير وتبدل حتى يتناسب وظروف الشهر الكريم الذي دخل سجلات التاريخ السياسي السوداني كأول رمضان يصام بالخرطوم، ومختلف مدن السودان داخل ساحات تؤمنها العزيمة والروح الثورية وتحرسها متاريس حجرية خشية محاولات فضه بالقوة.
ومع دخول رمضان توالت تبرعات سخية بخيام بلاستيكية واسعة ومكيفة تم نصبها، خاصة أن درجات الحرارة تقارب الخمسين درجة مئوية، والمعتصمون صيام في أرض أسفلتية مفتوحة.
إلى ذلك، لم تنقطع التبرعات المتنوعة بما فيها أطعمة ومشروبات منذ اللحظات الأولى للاعتصام وإن تغيرت الأصناف مع حلول الشهر الكريم، إذ يفضل السودانيون أكثر ما يفضلون عادة وطيلة الشهر أنواعاً معينة من الأطباق أهمها «العصيدة» و«الملاح» (صوص من خضراوات ولحم)، بالإضافة لسلطتي الخضراوات المشكلة والخيار أو «العجور» مع الزبادي. وبالطبع يتوسط المائدة مشروب «الحلو مر» المثلج ومشروبات تقليدية أخرى منها الكركدي والتبلدي ثم القهوة والشاي.
لسرعة العمل وتجويده تم تكوين لجان تشرف على الإفطار بمساعدة متبرعين نشطاء، منهم من يقوم بالإعداد والطبخ داخل ساحة الاعتصام نفسها وبكميات ضخمة، كما تصلهم كميات وافرة بعضها يصل كوجبات كاملة ومغلفة تحملها شاحنات ضخمة «دفارات»، ترسلها أحياء تتشارك في تحميلها بما لذ وطاب، فرحة بزوال الطغمة التي جسمت على أنفاس السودان طيلة ثلاثة عقود.
بدورها، ترسل مؤسسات وشركات خاصة وجاليات احتياجات الصيام كافة، وفي هذا السياق، كانت الجالية السودانية القبطية سباقة للتبرع.
من جانبها، تحرص أسر على إعداد ما يتيسر لها ونقله لمشاركة المعتصمين حلاوة الإفطار بنكهة الثورة، حيث يكون الشباب وقت العصر قد نظفوا الأرض وفرشوها بـ«البروش»، التي هي نوع من الفرشات الأرضية التقليدية للجلوس عليها في صفوف متقابلة، وما بينها يوضع الطعام في أريحية وتكافل رائعين. كما تفرش بروش أخرى للصلاة.
ورغم مشقة الصيام دون شك، يتوزع الثوار حراسة الساحة ومهام التفتيش، خشية أن يدخلها أي نوع من السلاح، حفاظاً على سلمية الثورة التي ظلت سلمية، حتى عندما كان الثوار يواجهون الرصاص وأفظع أنواع البطش والإرهاب.
ورغم انتشار الأمن حالياً، فإن الحرص لا يزال مطلوباً، سيما وأن بقايا النظام لا تزال طليقة لم تقتلع من جذورها بعد، ولا تزال الثورة تجابه مؤامرات ومطامع، وما يزال السودان دون حكومة محمياً بوعي الشعب وجيشه حتى الوصول إلى بر الأمان.
كذلك يعمل الثوار على ترتيب الأدوار ليل نهار للحفاظ على نظافة الموقع وتنظيم برامج، بما يتناسب ومتطلبات الشهر الكريم وروح الثورة وبرامجها الثقافية والترفيهية، كما تنتظم برامج تعليمية وتثقيفية، وتموج الساحة بأجواء مفعمة بالإيمان والروحانيات، ممزوجة بروح المقاومة والصمود والإحساس بالنصر وبسودان جديد يسع الجميع.
في معرض رد ساخر على سؤال عن كيفية الصيام بمقر الاعتصام بعيداً عن البيوت وتلك الأجواء غير المعهودة؟ أجاب أحدهم: «يقين رمضان ما منه خوف، اليوم يمر سريع زي ابن عوف». وابن عوف، هو وزير الدفاع الأسبق الذي شغل منصب رئيس المجلس العسكري ليوم واحد فقط، ثم استقال، إذ لم يقبله الثوار لكونه جزءاً أصيلاً من النظام الذي خلعوه.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

فعاليات ثقافية وتراثية تستقبل العيد في السعودية

تجمع ساحة قصر المصمك أهالي الرياض للاحتفالات في كل المناسبات (واس)
تجمع ساحة قصر المصمك أهالي الرياض للاحتفالات في كل المناسبات (واس)
TT

فعاليات ثقافية وتراثية تستقبل العيد في السعودية

تجمع ساحة قصر المصمك أهالي الرياض للاحتفالات في كل المناسبات (واس)
تجمع ساحة قصر المصمك أهالي الرياض للاحتفالات في كل المناسبات (واس)

احتفالات تحيي الموروث وتسترجع التاريخ وتعزز من الثقافة المحلية تقيمها وزارة الثقافة في عدد من المدن السعودية بمناسبة عيد الفطر، لإبراز ثقافة المجتمع السعودي، والعادات الاحتفالية الأصيلة المرتبطة به، وتجسيدها في قوالب إبداعية تستهدف جميع شرائح المجتمع.
«حي العيد» أحد هذا الاحتفالات التي تقيمها «الثقافة» في الرياض بدعمٍ من برنامج جودة الحياة - أحد برامج تحقيق «رؤية السعودية 2030» - حيث تقام في 3 مواقع بالمدينة، هي: ساحة المصمك، وسوق الزل، وشارع السويلم، وهي مناطق اعتاد سكان الرياض على التردد عليها؛ كونها تمثل جزءاً مهماً من تاريخ مدينتهم.
وأعدت الوزارة المهرجان بأسلوبٍ مميز يأخذ الزائر في رحلة ثقافية إبداعية تعكس عادات المجتمع السعودي بهذه المناسبة، تبدأ بمنطقة «عيدنا في البيت الكبير» التي تقدم طابع البيوت السعودية المفعمة بالحب والمودة، وممرات العيد التي تشهد «مسيرة العيد» لتُدخِل البهجة على قلوب الزوار، وتنشر الفرحة بينهم بأجوائها العائلية.

يهتم أهالي الطائف بوردهم بشكل كبير ويقيمون له مهرجاناً كل عام للاحتفال به  (واس)

لتنتقل الرحلة بعدها إلى منطقة «عيدنا في جمعتنا»، وهي عبارة عن ساحة خارجية تحتوي على جلسات مميزة بطابع المهرجان متضمنة عدة أنشطة، وهي حوامة العيد التي تقام في شارع السويلم 3 مرات باليوم وتوزع خلالها الحلوى؛ لتُحاكي في مشهدٍ تمثيلي عادة الحوامة القديمة في نجد، بحيث كان الأطفال يحومون انطلاقاً من مسجد الحي، ومروراً بالبيوت، منشدين خلالها أهازيج مختلفة مرتبطة بهذه المناسبة السعيدة.
وفي شمال السعودية، تقيم الوزارة مهرجان «أرض الخزامى» في نسخته الأولى بالتزامن مع العيد ولمدة 15 يوماً في مدينتي سكاكا، ودومة الجندل في منطقة الجوف، لإبراز التاريخ العريق للمنطقة والاحتفاء بعادات وتقاليد سكانها.
وسيتم إحياء المناطق المفتوحة حول قلعة زعبل بمعارض فنية مفتوحة بمشاركة فنانين من المنطقة ومن مختلف مناطق المملكة، إلى جانب إحياء شوارع القلعة بالألعاب الشعبية التي تُقدَّم بمشاركة أطفال المنطقة، كما ستوضع منصات لكبار السن لرواية قصص عن قلعة زعبل على المستوى الاجتماعي والنهضة التي تمت خلال المائة عام السابقة، التي أثرت بشكل عام على المنطقة.
كما سيوفر المهرجان فرصة التخييم للزوار ضمن أنشطة ثقافية مختلفة تتضمن السرد القصصي، والفنون الأدائية، والطهي الحي، في الوقت الذي سيقدم فيه شارع الفنون الشعبية كرنفالاً من الخزامى، يحوي مناطق لصناعة الزيتون وصناعات السدو.
وتحتضن بحيرة دومة الجندل عدة فعاليات، تشمل مقهى حديقة اللافندر، ومنطقة نزهة الخزامى، وسوق الخزامى لبيع مختلف المنتجات المستخلصة من نبتة الخزامى، وكذلك منطقة مخصصة لورش العمل التي تتناول صناعة مختلف منتجات الخزامى، والتعريف بها، وكيفية زراعتها.
كما يستضيف المسرح في مناطق المهرجان عروضاً موسيقية وأدائية لاستعراض تراث الخزامى في منطقة الجوف، والمعزوفات المختلفة باستخدام الناي والطبول والدفوف، إضافة إلى العديد من الأمسيات الشعرية التي ستستضيف نخبة من الشعراء.
وتسعى وزارة الثقافة إلى جعل مهرجان «أرض الخزامى» واحداً من أهم 10 مهرجانات ثقافية، عبر تقديم فعاليات بقوالب مبتكرة ومستوى عالمي، مع تأصيل التراث المادي وغير المادي، بما يضمن تغطية جميع الجوانب الثقافية، والتراثية، والإبداعية للمنطقة، مع إشراك الأهالي من ممارسين، ومثقفين، ومهتمين، في أنشطة المهرجان الرامية إلى إبراز نبتة الخزامى بوصفها هوية حضارية تمتاز بها المنطقة.
وفي غرب السعودية، تبدأ الوزارة بمهرجان «طائف الورد» الذي يهدف إلى تعزيز الهوية الثقافية للمدينة وإبراز مكتسباتها الطبيعية والتاريخية ونشر ثقافة أهاليها وتسليط الضوء على الورد الطائفي وأهميته.
ويصاحب المهرجان مسيرة استعراضية للورد، تضم مؤدِّين، ومركبات مزينة بالورود، ومجسمات ضخمة تعكس هوية المهرجان بالورود تجوب شوارع مدينة الطائف، وصولاً إلى متنزه الردف حيث تقام هناك فعاليات «جبل الورد»، ومعرض «ترانيم الورد»، و«سوق الورد».
وسيكون رواد الأعمال، والشركات المحلية والعالمية، والمنتجون المحليون والمزارعون، على موعد مع ملتقى «مهرجان طائف الورد» الذي يمثل منصة تجمع المزارعين مع رواد العلامات التجارية العالمية، مما يوجِد فرصاً استثمارية، واتفاقيات تعاون كُبرى مع العلامات التجارية العالمية؛ ليكون ورد الطائف ضمن أعمالهم المعتمدة.
وتأتي في مقدمة أنشطة متنزه الردف فعالية جبل الورد التي تعكس قصة ساحرة عبر عرض ضوئي على الجبل وممر الانطباعية الذي يعيد إحياء أعمال فنية بمشاركة فنانين محليين، كما يضم متنزه الردف، سوق الورد المتضمنة مجموعة من الأكشاك المصممة بطريقة عصرية تتلاءم مع طبيعة المهرجان؛ دعماً للعلامات التجارية المحلية والأسر المنتجة التي تحوي منتجاتهم مواد مصنوعة من الورد الطائفي، فيما يستضيف المسرح مجموعة من الفنانين، محليين وعالميين، وتقام عليه عدة عروض فنية وموسيقية ومسرحية تستهدف الأطفال والعائلات وأيضاً الشباب.
وعلى جانب آخر من متنزه الردف، تقام فعالية «الطعام والورد»، بمشاركة نخبة من الطهاة المحليين في أنشطة متخصصة للطهي، بهدف تعزيز المنتجات المستخلصة من الورد الطائفي في الطبخ وتعريفها للعالم، كما خصص مهرجان «ورد الطائف» منطقة للأطفال في متنزه الردف، صُمّمت بناءً على مبادئ التعليم بالترفيه، حيث يشارك المعهد الملكي للفنون التقليدية بمتنزه الردف بورشتي عمل، من خلال حفر نقوش الورد على الجبس، وتشكيل الورد بالخوص في الوقت الذي يقدم «شارع النور» رحلة ثقافية وعروضاً فنية حية تقام على امتداد الشارع بمشاركة فنانين محليين.
وتسعى وزارة الثقافة من خلال تنظيم مهرجان «طائف الورد» إلى إبراز مقومات الطائف الثقافية، والترويج لمنتجاتها الزراعية، وأبرزها الورد الطائفي، والاحتفاء بتاريخها وتراثها بشكلٍ عام، مما يعزز من قيمتها بوصفها وجهة ثقافية جاذبة.