ولي العهد السعودي يدعم ترميم 56 مبنى في «جدة التاريخية»

بعضها يحمل معالم تعود إلى أكثر من 500 عام

بنايات قديمة في «جدة التاريخية» وجّه ولي العهد بترميمها (الشرق الأوسط)
بنايات قديمة في «جدة التاريخية» وجّه ولي العهد بترميمها (الشرق الأوسط)
TT

ولي العهد السعودي يدعم ترميم 56 مبنى في «جدة التاريخية»

بنايات قديمة في «جدة التاريخية» وجّه ولي العهد بترميمها (الشرق الأوسط)
بنايات قديمة في «جدة التاريخية» وجّه ولي العهد بترميمها (الشرق الأوسط)

وجّه الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، بدعم مشروع ترميم 56 مبنى من المباني الآيلة للسقوط في «جدة التاريخية»، بمبلغ 50 مليون ريال (13.3 مليون دولار).
وتحمل مباني «جدة التاريخية» عناصر معمارية ثرية بأحد المواقع السعودية المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي الإنساني بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو). ويشكل الدعم إحدى المبادرات التي من شأنها المحافظة على المكتسبات التاريخية والحضارية للسعودية.
وقدم الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي، الشكر لولي العهد على دعمه مشروع ترميم 56 مبنى من المباني الآيلة للسقوط في «جدة التاريخية»، مضيفاً أن «هذا الدعم يأتي امتداداً لما يحظى به قطاع الثقافة السعودي بشكل عام والمكتسبات التاريخية والموروث العمراني بشكل خاص، من اهتمام وعناية كبيرين».
وأكد الأمير بدر بن فرحان أن «الوزارة تعمل جاهدة بطواقمها وقطاعاتها كافة لتطوير الثقافة السعودية بكل أبعادها المادية والمعنوية، ومن ذلك البعد التاريخي»، مشيراً إلى أن «المباني التاريخية في المملكة ستحظى بعناية خاصة من وزارة الثقافة لضمان استمرارها في حالة ممتازة وبقائها شواهد راسخة على العمق الحضاري للبلاد».
وجاء في توجيه ولي العهد أن «يكون مشروع الترميم بسواعد وطنية، وتوجيه وزارة الثقافة لتكوين فرق لأعمال الترميم من الشباب السعوديين، بإشراف فنيين ذوي خبرة بالمباني التاريخية، على أن يتم التنفيذ وفق تصميم التراث العمراني المميز لجدة التاريخية وعناصره المعمارية الفريدة»، خصوصاً أن بعض البيوت يحمل معالم أثرية يزيد عمرها على 500 عام.
ويأتي الدعم، بحسب بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية، «للحفاظ على مباني (جدة التاريخية) وإحيائها وتأهيلها ومنع انهيارها؛ حسب متطلبات منظمة (يونيسكو) لتسجيل جدة في سجل التراث العالمي، المتوافقة مع (رؤية 2030)، وذلك ضمن مشروع شامل لإنقاذ المواقع ذات القيمة الثقافية من أي مهددات قد تؤدي إلى زوالها».


مقالات ذات صلة

محمد بن سلمان والسوداني يبحثان مستجدات المنطقة

الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء العراقي محمد السوداني (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان والسوداني يبحثان مستجدات المنطقة

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي، مستجدات الأحداث في المنطقة، وتطورات الأوضاع الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة سعودية أطفال يحتفلون بالإعلان التاريخي في كورنيش جدة (تصوير: علي خمج) play-circle 00:53

السعودية مونديالية في 2034... «أهلاً بالعالم»

بعد 6 أعوام من الترقب والانتظار، عاش المواطنون المحتشدون في الساحات والميادين العامة في السعودية، وكذلك من هم خلف الشاشات، تفاصيل اللحظة الفارقة والأهم.

فهد العيسى ( الرياض)
رياضة سعودية القطاع الرياضي السعودي يلقى دعماً غير مسبوق من القيادة (واس)

السعودية: هيئة عُليا لاستضافة كأس العالم 2034

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تأسيس الهيئة العليا لاستضافة كأس العالم 2034 برئاسته.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان (واس) play-circle 01:22

ولي العهد يهنئ خادم الحرمين بفوز السعودية باستضافة كأس العالم 2034

هنأ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بمناسبة فوز السعودية رسمياً باستضافة بطولة كأس العالم 2034.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (واس)

محمد بن سلمان وترودو يبحثان تطورات فلسطين وسوريا

أكد ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الكندي ضرورة دعم الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)