الموت يغيّب محسنة توفيق «بهية» الفن المصري

مشوارها السينمائي حافل بالأدوار البارزة

محسنة توفيق
محسنة توفيق
TT

الموت يغيّب محسنة توفيق «بهية» الفن المصري

محسنة توفيق
محسنة توفيق

ودّعت مصر، أمس، الفنانة الكبيرة محسنة توفيق، التي غيّبها الموت، مساء الأحد، عن عمر ناهز 80 سنة، بعد مشوار فني حافل بالأدوار المميزة والمهمة في تاريخ السينما والمسرح والتلفزيون في مصر. ونعى الفنانة الراحلة الكثير من زملائها وتلاميذها ومتابعيها الذين عبروا عن حزنهم الشديد لوفاتها. وشيعت جنازتها أمس من مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة، وسط حضور أفراد أسرتها وعدد من نجوم الوسط الفني.
نالت محسنة توفيق المولودة في عام 1939، شهرتها السينمائية عبر دور «بهية» في فيلم «العصفور» الذي أخرجه يوسف شاهين عام 1974، وأصبح هذا الدور رمزاً للوطنية، حيث جسدت في نهاية الفيلم بصرختها «لأ، ح نحارب لأ، ح نحارب» رغبة الشعب المصري في النضال عقب تنحي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن الحكم.
ونعى المجلس القومي المصري للمرأة الفنانة الراحلة، في بيان صحافي: قال فيه «فقدت مصر فنانة عظيمة أثرت السينما والمسرح والدراما المصرية بأدوار كثيرة متنوعة، ذات رسائل هادفة وتركت بصمة واضحة عند جميع متابعيها داخل مصر وخارجها، وستظل أدوارها علامة في تاريخ الإذاعة والمسرح والسينما والدراما المصرية».
كما نعى الفنان إسماعيل مختار، رئيس البيت الفني للمسرح، الفنانة الكبيرة محسنة توفيق. وقال مختار إن «الفنانة الراحلة حفرت في ذاكرة الشعب المصري والشعوب العربية بتاريخها الفني جزءاً من ذاكرة الدراما في العالم العربي، أسكنها الله فسيح جناته، وألهم أهلها ومحبيها الصبر والسلوان». بينما نعاها الكاتب المصري مدحت العدل على صفحته الشخصية على موقع «تويتر» بقوله: «مصر يا أمة يا بهية يا أم طرحة وجلابية... الزمن شاب وانتي شابة هو رايح وانتي جاية... جاية فوق الصعب... رحم الله بهية (محسنة توفيق) النادرون يرحلون».
وحصلت توفيق على درجة البكالوريوس في كلية الزراعة عام 1968، وعرفت بتعاونها الفني مع المخرج الراحل يوسف شاهين في مجموعة من أبرز أعماله، هي: «العصفور، وإسكندرية ليه، والوداع يا بونابرت».
وقدمت محسنة توفيق، شقيقة الإذاعية الكبيرة «أبلة فضيلة»، دوراً رائعاً في مسلسل «الشوارع الخلفية» رواية عبد الرحمن الشرقاوي الشهيرة، ودور «أنيسة» في «ليالي الحلمية»، كما لعبت دور «الملكة» في مسلسل «محمد رسول الله»، وشخصية الأم في مسلسل «الوسية»، ودور «صفية زغلول» في مسلسل «أم كلثوم». كما قدمت دور «هدى» في فيلم «قلب الليل». وفي المسرح قدمت أدواراً جيدة في مسرحيات مهمة مثل «عفاريت مصر الجديدة»، و«منين أجيب ناس».
وقال الناقد الفني محمود عبد الشكور، عبر صفحته الشخصية على موقع «فيسبوك»: «محسنة توفيق إحدى أهم ممثلات السينما والمسرح المصري... وجهٌ طيب ومشاعر دافئة وقدرات عظيمة، تخرجت مثل كثيرين من الموهوبين في كلية الزراعة، منهم على سبيل المثال لا الحصر (عادل إمام، وسمير غانم، ومحمود عبد العزيز، ومحمد فاضل، وصلاح السعدني)». وأضاف: «محسنة التي حصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 2013، لها حضور مكتسح سواء على المسرح أو أمام الكاميرا، تغيب ثم تعود بدور قوي ومميز، ورغم أنها ممثلة مسرحية بالأساس، فإنها من الممثلات النادرات اللاتي قدمن أداءً تعبيرياً منضبطاً أمام كاميرا السينما والتلفزيون، لا ترفع صوتها إلا إذا استدعى الموقف، ولا تحرك يديها باستمرار كما يفعل ممثلو المسرح، يكفيها أن تنظر بعينيها المتصلة بوجدان يقظ وشديد الحساسية، يكفيها أن تقول وتعبر بصوتها ووجهها».
وتابع عبد الشكور: «قدمت الفنانة الكبيرة أعمالاً مهمة، لكني أعتقد أنهم لم يستغلوا كل إمكاناتها كممثلة خطيرة ومن طراز فريد».
وكان آخر تكريم لها في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة في فبراير (شباط) الماضي. وقالت خلال ندوة تكريمها: «أنا من المؤمنين بأن الشعوب هي صانعة التاريخ وليس الأفراد، فهم صناع نجاح أي شخصية شهيرة ظهرت في مصر». وأضافت: «الشهرة التي حصلت عليها في شبابي لم تأخذني لمرحلة الغرور وخشيت منها وأنا كنت فتاة من طبقة وسطى، وشاهدت تغير النظرة للحياة بين المحيطين بي وتغير الأفراد والمجتمع معه».
وأوضحت أن يوسف شاهين، لم يقم يوماً بالسيطرة عليها في العمل، فقد كان شخصاً متعاوناً يوجه الممثل ناحية إحساسه وإيقاع العمل، وأنا أرى أنه من أكثر الناس الذين عرفوا شعب مصر والبسطاء وأحبهم وأحبوه. ولفتت خلال الندوة إلى أنها تحب فيلم «إسكندرية ليه» أكثر من فيلم «العصفور». مشيرة إلى أن دورها في فيلم «وداعاً بونابرت» كان الأصعب.
وعن ابتعادها عن الساحة الفنية قالت: «أنا لست منتجة أو مخرجة ولو عُرض عليّ أعمال مناسبة سأقبلها، وأنا لم أكن أفكر في احتراف الفن والتمثيل، لكنني وجدت نفسي ممثلة وعندما عرضت علي شخصية (هند) في (مأساة جميلة) لم أكن عضواً في النقابة وكنت وقتها أريد دخول كلية الطب أو الزراعة لأكون مع الفلاحين لمعالجتهم أو مساعدتهم في تطوير الأراضي الزراعية».
وعن المخرجين الذين أثروا في حياتها بشكل كبير غير يوسف شاهين، قالت: «عاطف الطيب وخيري بشارة». وأشارت إلى أن «أجمل الأعمال التي رغبت أن يراها الجمهور لم تُعرض، ولم يقدر لها أن تخرج للنور».


مقالات ذات صلة

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

يوميات الشرق الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده، «إذا أراده السوريون»، ردوداً متباينة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من البرومو الترويجي لمسلسل «ساعته وتاريخه» الذي يعرَض حالياً (برومو المسلسل)

مسلسلات مستوحاة من جرائم حقيقية تفرض نفسها على الشاشة المصرية       

في توقيتات متقاربة، أعلن عدد من صُنَّاع الدراما بمصر تقديم مسلسلات درامية مستوحاة من جرائم حقيقية للعرض على الشاشة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق من وجهة نظر العلاج بالفنّ (غيتي)

علاج القلق والكآبة... بالمسلسلات الكورية الجنوبية

رأى خبراء أنّ المسلسلات الكورية الجنوبية الزاخرة بالمشاعر والتجارب الحياتية، قد تكون «مفيدة» للصحة النفسية؛ إذ يمكنها أن تقدّم «حلولاً للمشاهدين».

«الشرق الأوسط» (سيول)
يوميات الشرق الفنانة مايان السيد في لقطة من البرومو الترويجي للمسلسل (الشركة المنتجة)

«ساعته وتاريخه»... مسلسل ينكأ جراح أسرة مصرية فقدت ابنتها

أثار مسلسل «ساعته وتاريخه» التي عرضت أولى حلقاته، الخميس، جدلاً واسعاً وتصدر ترند موقع «غوغل» في مصر، خصوصاً أن محتوى الحلقة تناول قضية تذكّر بحادث واقعي.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق سهر الصايغ خلال تسلمها إحدى الجوائز (حسابها على إنستغرام)

سهر الصايغ: تمردت على دور «الفتاة البريئة»

قالت الفنانة المصرية سهر الصايغ إنها تشارك في مسلسل «أسود باهت» بدور «شغف» التي تتورط في جريمة قتل وتحاول أن تكشف من القاتل الحقيقي.

مصطفى ياسين (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».