إنستغرام تبحث الاستفادة من الحسابات القابلة للتسويق

يتم اختبارها عبر 55 حساباً تعمل مع 23 علامة تجارية وتستخدم خدمة «المغادرة ـ تشيك آوت»

جيجي حديد من مشاهير انستغرام (أ.ف.ب)
جيجي حديد من مشاهير انستغرام (أ.ف.ب)
TT

إنستغرام تبحث الاستفادة من الحسابات القابلة للتسويق

جيجي حديد من مشاهير انستغرام (أ.ف.ب)
جيجي حديد من مشاهير انستغرام (أ.ف.ب)

بالنسبة إلى نيغين ميرصالحي، خبيرة التجميل ذات الثلاثين ربيعا، فإن الحياة والعمل وإنستغرام لا تكاد تنفصل عن بعضها البعض أبدا. وتعتبر ميرصالحي، الفتاة الهولندية ذات الأصول الإيرانية، التي أطلقت علامة تجارية جديدة لأحد مستحضرات العناية بالشعر التي تستمد خلاصتها من خلايا النحل التي تشرف عائلتها على تربيتها في إحدى المزارع الهولندية الخضراء خارج ضواحي العاصمة أمستردام، من رائدات الأعمال من تلك النوعية التي تتقاسم مع الجميع أنباء مظهرها وأنشطتها وأعمالها الروتينية بصفة يومية عبر صفحتها على إنستغرام، التي تحظى فيها بنحو 3.5 مليون متابع، ما يجعل من ميرصالحي إحدى أبرز الشخصيات المؤثرة في عالم الموضة والجمال.
وتقر منصة إنستغرام بأهمية الشخصيات المتنفذة - والمتنفذين الفائقين منهم، تماما كما تقول إيفا تشين، مديرة قسم شراكات الموضة، في وصفها لنجوم عالم الموضة والجمال مثل ميرصالحي (برغم من إقرارها أنه ليس هناك معيار دقيق يخضع له هذا التوصيف).
وقد أقرت منصة إنستغرام، مع الإيرادات التي لا تزال تتوالى تباعا وإلى حد كبير من وراء الإعلانات، بالفرصة التي يوفرها التسوق عبر التطبيق. وفي مارس (آذار) الماضي، أعلنت المنصة أنها سوف تبدأ اختبار خدمة التسوق من داخل-عبر التطبيق من خلال 20 شريكا للبيع بالتجزئة، بما في ذلك منتجات زارا، وإتش آند إم، وديور، وأوسكار ديلا رينتا، ونايكي. وتسمح المنصة الآن لهذه العلامات التجارية بالشراكة مع ما تسميه المنصة «منشئي المحتوى» (أمثال الشخصيات المؤثرة، مثل ميرصالحي، ولكن مع الشركات الإعلامية الكبيرة مثل فوغ، وإيل، وجي كيو) بهدف توسيع نطاق خدمة التسوق عبر التطبيق - أو ما تسميه منصة إنستغرام «المغادرة، تشيك - آوت» - من موجزات العلامة التجارية الخاصة إلى موجزات الشخصيات المتنفذة المختارة.
وبالنسبة إلى ميرصالحي، والتي تتشارك مع «أوسكار ديلا رينتا» من أجل إنشاء الموجزات القابلة للتسويق على صفحتها، فإن الوظيفة أو الخدمة الجديدة سوف تساعدها في جلب مجتمع المتابعين بدرجة أكبر إلى صفحتها. وسوف تطرح أسئلة المتابعين بشأن المنتجات التي تنشرها بصفة يومية في المحادثات الخاصة، والتعليقات أسفل الصور، و«في أي مكان أتمكن من رؤية هذه الأسئلة فيه»، كما قالت في مقابلة مصورة مؤخرا من أمستردام.
بالنسبة إلى «أوسكار ديلا رينتا»، سوف تدعم حقيبة «نولو»، وهي نمط جديد من أنماط حقائب اليد النسائية. وقال أليكس بولين، المدير التنفيذي لعلامة «أوسكار ديلا رينتا»: «ليس هذا بالأمر الذي نتوقع أن يؤثر ماديا على مبيعات المنتج، برغم أن الأمل لا ينقطع في ذلك، بل إننا نتطلع إلى مزيد من التعلم ونقل ما نتعلمه إلى التطبيق في مشروعات أكبر».
وكان «أوسكار ديلا رينتا» أسبق من أي علامة تجارية فاخرة أخرى في تجربة واختبار التسويق عبر منصة إنستغرام، وقال بولين إن هذه التجارب قد مكنت العلامة التجارية الكبيرة من المنافسة بصورة أفضل في مواجهة اللاعبين الكبار في تلك الصناعة. ومن شأن ميرصالحي أن تكون الأولى بين الشخصيات المتنفذة وبعض الحسابات البارزة في عقد الشراكة من خلال هذا البرنامج، وذلك بالإضافة إلى كريسيل ليم، ومجلة إيل، ولورا كيم مديرة الإبداع لدى «أوسكار ديلا رينتا»، من بين آخرين.
ويقول بولين: «الجزء المهم للغاية من هذا هي البيانات في واقع الأمر. إننا نحصل على الكثير من المعلومات الجديدة. وما سوف نفعله بهذه المعلومات هو نفسه ما نحاول معرفته في الآونة الراهنة بكل صراحة».
بالنسبة إلى العمل التمهيدي، هناك 55 حسابا على إنستغرام تعمل مع 23 علامة تجارية وتستخدم خدمة «المغادرة – تشيك آوت» في اختبار المدونات القابلة للتسويق. وتشمل تلك الحسابات بعض المشاهير الذين يحظون بأعلى أعداد من المتابعين على المنصة، مثل كيم كارداشيان ويست، وكايلي جينر، وجيجي حديد، إلى جانب الشخصيات المتنفذة الذين يؤثرون في أعداد هائلة من الجماهير بأكثر مما تفعل المجلات، مثل نيغين ميرصالحي، وكيارا فيراغني، ومبدعي البوتيكات الجديدة مثل كيمبرلي دريو، وكاتي ستورينو.
ويؤكد التطور الجديد على الوعي المتزايد لدى مستخدمي تطبيق إنستغرام في تطوير ليس فقط العلامات التجارية القائمة بذاتها، مثل خط العناية بالشعر الخاص بميرصالحي، وإنما العلامات التجارية الشخصية التي يمكن الاستفادة منها عبر عقد صفقات الرعاية والإشراف لأجل المتعة والأرباح كذلك. (وفي حالة ميرصالحي، فهي قد أبرمت بالفعل علاقة عمل مع «أوسكار ديلا رينتا»، ومع ديور، ومع ريفولف، من أجل المحتوى المقدم). والخطوة التالية تتعلق بإنشاء المحتوى القابل بكل سلاسة وسرعة للتسويق الإلكتروني عبر المنصة، أي الانتقال من محطة المتحدث باسم المنتج إلى بائع المنتج المباشر.
وتقول تشين، التي أضافت أن منصة إنستغرام لم تكن ضمن المفاوضات المالية بين العلامات التجارية والشخصيات المتنفذة: «كانت الكثير من هذه المحادثات تدور خارج نطاق الإنترنت بين منشئي المحتويات والعلامات التجارية بالفعل، ولسوف نستمر في ذلك بالطبع».
وفي الوقت الحاضر، لا تتلقى منصة إنستغرام أي عمولات من المبيعات التي تتم عبر خدمة «المغادرة، تشيك - آوت»، وتعمل المنصة حاليا على تقدير الرسوم المطلوبة من العلامات التجارية التي تستخدم تلك الخدمة (في وجود أو غياب الشخصيات المتنفذة)، والتي قالت تشين إن تلك الرسوم سوف تذهب إلى تغطية تكاليف معاملات بطاقات الائتمان.
الاعتبارات التجارية الحقيقية ذات التأثير قد دفعت أعدادا هائلة من المستخدمين الذين تدور حساباتهم الشخصية حول المرح والمتعة إلى التحول إلى التسوق الاستهلاكي.

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

أستراليا تتجه لحظر «السوشيال ميديا» لمن دون 16 عاماً

العالم الانشغال الزائد بالتكنولوجيا يُبعد الأطفال عن بناء صداقات حقيقية (جامعة كوينزلاند) play-circle 00:32

أستراليا تتجه لحظر «السوشيال ميديا» لمن دون 16 عاماً

تعتزم الحكومة الأسترالية اتخاذ خطوات نحو تقييد وصول الأطفال والمراهقين إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
يوميات الشرق للحبّ أشكال عدّة (أ.ب)

سنجاب مشهور على «إنستغرام» في قبضة شرطة نيويورك

شكاوى مجهولة عدّة حول «بينوت» جلبت ما لا يقل عن 6 ضباط من «وكالة حماية البيئة» إلى منزل لونغو بالقرب من حدود بنسلفانيا في مدينة باين الريفية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم «قانون السلامة عبر الإنترنت» من شأنه أن ينهي عصر التنظيم الذاتي لوسائل التواصل الاجتماعي (أ.ف.ب)

قوانين أوروبية جديدة لمواجهة المحتوى الضار عبر الشبكات الاجتماعية

نشرت آيرلندا، الاثنين، قواعد ملزمة تهدف لحماية مستخدمي منصات مشاركة الفيديو بالاتحاد الأوروبي؛ بما فيها «إكس» و«فيسبوك» و«إنستغرام» و«تيك توك» من المحتوى الضار.

يوميات الشرق لقطة من فيديو تُظهر الأمير هاري يمارس رياضة ركوب الأمواج (إنستغرام)

الأمير هاري يمارس رياضة ركوب الأمواج في كاليفورنيا (فيديو)

أظهر مقطع فيديو جديد قيام الأمير البريطاني هاري بممارسة رياضة ركوب الأمواج في كاليفورنيا بالولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا شعار شركة «ميتا» (رويترز)

«ميتا» تطرد موظفين استخدموا قسائم الوجبات المجانية لشراء سلع منزلية

ذكرت تقارير أن شركة «ميتا»، مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام»، طردت نحو 24 موظفاً في مكاتبها في لوس أنجليس لاستخدامهم رصيد وجبات بقيمة 25 دولاراً لشراء سلع أخرى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)