في منتصف الثمانينات، وعلى إثر ظروف استثنائية عاشها نادي برشلونة الإسباني، انتهت بخروجه من أغلب البطولات التي نافس عليها فريقه، واعتزال نجومه التاريخيين، أطلق رئيس النادي خوسيه نونيز، في الفترة من 1978 وحتى عام 2001، مع بداية توليه المنصب، خطة إنقاذ جديدة لناديه، الذي أصبح لأبناء إقليم كاتالونيا رمزاً للصمود، وذاكرة حية لأمجاده أمام حكومات العاصمة الإسبانية، التي مثلت غريمه التاريخي ريال مدريد.
كان مُهندس تلك الخطة هو الأسطورة الهولندية يوهان كرويف، الذي استعان به نونيز، لتدعيم الفريق بمواهب واعدة، ونقل مفهوم الكرة الشاملة الذي ابتكره مع نادي أياكس الهولندي إلى ملاعب «البارسا»؛ مانحاً إياه سلطات واسعة وصلاحيات استثنائية في هذه المهمة.
في عامه الأول مدرباً لبرشلونة؛ اقترح كرويف على نونيز نقل تجربته في تأسيس مدرسة «تويكوموست» للناشئين مع أياكس الهولندي إلى النادي الإسباني؛ لتجد الفكرة قبولاً عند رئيس النادي الذي رحب بها ودعمها، مستفيداً من أحد المباني التاريخية التي تبعد أمتاراً معدودة عن استاد «كامب نو»، والمعروفة بـ«لاماسيا» (المزرعة)، لتكون مقراً لإعادة تأسيس الأكاديمية، التي سيكون خريجوها بعد سنوات معدودة الجيل الذهبي للنادي.
ظهرت بصمة كرويف سريعاً، على كل لاعبيه الصغار، عبر مجموعة قواعد أرساها على الجميع. كان على رأس تلك الأسس هو خلق ثقافة الانتماء للناشئ الصغير، وربطه نفسياً ووجدانياً بالنادي؛ مؤسساً بذلك علاقة متجاوزة لمفهوم العقود كوسيلة وحيدة تربط اللاعبين بأنديتهم.
إلى جانب ذلك؛ ابتكر طريقة لعب قائمة على تعريفه للكرة الشاملة، بحيث يتحرك اللاعب دون كرة، متمرداً في ذلك على قوانين كرة القدم السائدة آنذاك، وتدريب هؤلاء الناشئين على طريقة الفريق الأول؛ بحيث تكون فلسفة لعب واحدة بعقلية واحدة في النادي، من الناشئين وحتى الفريق الأول.
ظهرت نتائج خطة كرويف، والأكاديمية، سريعاً على الفريق الأول لبرشلونة ومنتخب إسبانيا، بعدما شارك 7 لاعبين من أبناء «لاماسيا» مع المنتخب الإسباني في المباراة النهائية لكأس العالم 2010 أمام هولندا، وهم: «بويول – بيكيه – فابريغاس – شافي – إنيستا – بوسكيتس – بدرو».
ظلت تلك الطريقة السائدة في اللعب قائمة من بعد رحيل كرويف، لتظل فلسفة اللعب، وثقافة الانتماء بالنادي، الركيزتين الأساسيتين اللتين قدمتا أجيالاً واعدة لـ«البارسا».
شرح كرويف هذه الطريقة، وفلسفتها، في مقابلة إعلامية: «لعب كرة القدم أمر في غاية السهولة؛ لكن لعب الكرة البسيطة أصعب ما في الأمر».
بعد سنوات، سيظهر أحد خريجي «لاماسيا»، وأحد اكتشافات كرويف، لتطوير تلك الطريقة، هو بيب غوارديولا، حين يتولى تدريب برشلونة، ويعتمد على أسلوب «تيكي تاكا»، أو ما يعرف بطريقة اللعب التي تعتمد على التمريرات القصيرة.
من بين خريجي «لاماسيا» الذين تحولوا بعد ذلك لأساطير للنادي، ليونيل ميسي، الذي نجحت عيون مدربي الأكاديمية في اكتشاف موهبته المُبكرة في مباراة له مع ناديه الأرجنتيني، نيويلز أولد بويز، لينضم إلى الأكاديمية، وهو في الـ13 من عمره. انتقل بعدها بثلاث سنوات للفريق الأول تحت قيادة الهولندي ريكارد، الذي استمر في تقديم طريقة الكُرة الشاملة، التي وضع أسسها كرويف.
تحدث ميسي عن أثر تلك الطريقة على مستواه، في حديث تلفزيوني، قائلاً: «هناك شيء واحد مشترك بيننا، هو ما تعلمناه في أكاديمية برشلونة، فهي تعمل بشكل مختلف تماماً عن بقية العالم، في الاحتفاظ بالكرة، والتمرير، وكذلك في تطبيق الرسم التكتيكي. لقد جئت من الأرجنتين حيث تعلمت ما أردت أن أتعلمه، وهنا تعلمت كيفية اللعب كفريق واحد».
ومنذ انضمام ميسي لصفوف الفريق الكاتالوني، وصلت أهدافه مع النادي إلى 600 هدف في كل البطولات، كان آخرها الهدفين اللذين أحرزهما في مرمي ليفربول الإنجليزي في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، أحدهما من ضربة حرة رائعة من مسافة 25 ياردة.
ولا يُفوت ميسي مُناسبة كروية إلا ويستدعي سيرة الأكاديمية، ناسباً لها ما وصل له في عالم كرة القدم. وأوضح: «برشلونة قدم لي كل شيء. لقد تعلمت القيم من مدرسة (لاماسيا) وأنا ما أنا عليه بسبب القيم من تلك المدرسة».
بعد وفاة يوهان كرويف عن عُمر يناهز 68 عاماً في مارس (آذار) عام 2016، كان ميسي أحد هؤلاء اللاعبين الذين استقبلوا الخبر بأسى كبير، وبشكلٍ مسه شخصياً، ناعياً كرويف بكلمات جسدت هذا التأثير الكبير على شخصيته أو طريقة لعبه، قائلاً: «أسطورة جديدة تغادرنا اليوم». كما أشاد بدوره الكبير في عالم كرة القدم، مؤكداً على دوره في إحداث تغييرات جذرية فيها، إضافة إلى دوره الكبير مع نادي برشلونة، سواء كان لاعباً أو مدرباً.
مدرسة «لاماسيا»... من هنا خرج ليونيل ميسي بفلسفة يوهان كرويف
مدرسة «لاماسيا»... من هنا خرج ليونيل ميسي بفلسفة يوهان كرويف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة