«ذا أفنجرز» الجديد يلعب بالزمن ويبحث عن نصرٍ أخير

نجاح تجاري باهر كسر أرقاماً كبيرة

مواجهة: روبرت داوني جونور وكريس إيفانز
مواجهة: روبرت داوني جونور وكريس إيفانز
TT

«ذا أفنجرز» الجديد يلعب بالزمن ويبحث عن نصرٍ أخير

مواجهة: روبرت داوني جونور وكريس إيفانز
مواجهة: روبرت داوني جونور وكريس إيفانز

في الوقت الذي يحق التساؤل فيما إذا كانت السينما قادرة على الاستمرار في ظلّ مؤسسات الاشتراك المنزلي المباشر، يأتي الجزء الجديد من Avengers‪:‬ Endgame ليؤكد ما يتعارض وتلك التساؤلات وليبدّد الكثير من الشكوك.
في أسبوعه الأول من العروض التجارية التي بدأت يوم الأربعاء في 22 أبريل (نيسان)، أنجز هذا الجزء الرابع من مسلسل «ذا أفنجرز» أرقاماً كوكبية قلّما تحقّق مثيلها من قبل، بل كسرت تلك الأرقام عدة ثوابت سابقة بما فيها سرعة استحواذه على بليون دولار حول العالم.
- أفنجرز ضد أفاتار
ففي غضون هذه المدة الزمنية الوجيزة جمع الفيلم ملياراً و209 ملايين دولار. وإحدى الوثبات الواسعة التي خطاها أنّه حطم رقمه القياسي السابق، فالجزء الثالث من هذا المسلسل أنجز في العام الماضي نحو 640 مليون دولار في المدة ذاتها.
الأرقام القياسية الأخرى التي حققها هي استيلاؤه على 350 مليون دولار في غضون هذه الفترة من السوق الأميركية الشّمالية وحدها (كندا، والمكسيك والولايات المتحدة)، هذه الدّول عرضت الفيلم فيما مجموعه 4662 صالة.
هذا يعني أنّ ما حصده الفيلم من باقي أنحاء العالم بلغ نحو 859 مليون دولار من بينها 330 مليون دولار من السوق الصينية وحدها. الأسواق الأخرى التي تربّع فيها هذا الفيلم على أعلى الإيرادات هي بريطانيا وأستراليا وكوريا والبرازيل والأرجنتين وفرنسا.
في السوق الأميركية الدّاخلية حصد الفيلم 156 مليونا و700 ألف دولار يوم الجمعة الماضي و109 ملايين دولار يوم السبت.
في تعداد الأفلام التي افتتحت عروضها بأرقام ضخمة نجد «أفنجرز: إندغيم» يأتي في المرتبة الأولى يليه «أفنجرز: حرب أبدية» ثم «ستار وورز: القوة تستيقظ» وبعدهما «ستار وورز: آخر جيداي» وخامساً «جوراسيك وورلد».
إذا ما استمر الفيلم في ضرب المنافسات وجذب الجمهور في الأسبوع الثاني، فإن هناك احتمالاً مقبولاً بأن يستولي على عرش الفيلم الذي حقق أعلى إيراد في التاريخ وهو «أفاتار» (2009) الذي ما يزال يحتفظ بحصيلة تتجاوز الملياري دولار حول العالم.
الظاهرة ليست في حدود أنه فيلم آخر من شركتي مارفل وديزني ينجز أرقاماً خيالية ويضع ديزني أمام عام آخر لها كأنجح شركة سينمائية حول العالم إنتاجاً وتوزيعاً، بل الأهم أنّه يبرهن أنّ السينما المباشرة إلى المنازل تستطيع أن تضع الأفلام التي تريد مشاهدتها على الموبايل في جيبك، لكنّها لن تمدك بسحر السينما على شاشات بحجم ملعب كرة.
المنافسة التي تفرضها أمازون ونتفلكس وهولو وسواها من شركات العروض المنزلية لقاء اشتراك شهري، تضرّ بالأفلام ذات الميزانيات الصغيرة والمتوسطة، لكنّ هوليوود تجابه تلك الشركات بأفلام لا تستطيع أن تنتجها وإن فعلت فإنّ صغر شاشات المنازل (مهما كبرت)، واختلاف قدر ولو بسيط من «الرزوليوشن» الرقمي لتلك الشاشات يخفق في جعل إنتاج فيلم ضخم لعرض منزلي ضرورة تجارية رابحة.
ومن السّمات المهمة التي تنجزها أفلام مثل سلسلة «ذا أفنجرز» وقبلها «ستار وورز» ومعها فيلم «أفاتار» وأفلام ضخمة كثيرة أخرى، هي أنّ المشاهد الفرد لا يذهب عادة لوحده لمشاهدة مثل هذه الأفلام في صالات السينما. وبينما يشاهد المرء فيلما لنتفلكس في منزله (غالباً بمفرده أو ربما مع بعض أفراد العائلة)، فإنّ الذهاب إلى قاعات السينما يترك ذكريات مديدة في البال.
- جديد وقديم
على ذلك، فإنّ مخاوف بعض السينمائيين والنقاد في محلها حتى وإن انتعشت صالات السينما بأفلام ضخمة الإنتاج على نحو متواصل في كل فصول السنة. وستيفن سبيلبرغ، في خطابه المرسل إلى أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قبل أكثر من شهر، كان على حق حين ذكر أنّ الخوف هو أن تصبح صالات السينما حكراً على الأفلام الكبيرة وحدها بينما تجد الأفلام الأصغر حجماً نفسها غير قادرة على مجاراة الوضع فتتوجه لشركات العروض المنزلية قبل فوات الأوان.
هذه الخشية تؤكدها أرقام العام الماضي، فالأفلام العشرة الأولى الأكثر إيراداً في عام 2018 حصدت 35 في المائة من كل إيرادات الأفلام التي وُزّعت في صالات السينما خلال السنة الماضية. والحال لن يتغير السنة الحالية. فحتى الآن، وحسب إحصائية مؤسسة «كووان وشركاه» فإنّ نسبة الإيرادات التي سجلتها الأفلام الكبيرة منذ بدء العام الحالي وحتى ما قبل «أفنجرز: إندغيم» تصل إلى 27 في المائة من مجمل الإيرادات.
«أفنجرز» الجديد مبني على ما سبقه، ليس بالنسبة للنّجاحات الكبيرة وحدها، بل كذلك بالنّسبة للحكاية التي يتولاها الفيلم. فمع نهاية الجزء السابق من «أفنجرز» (عنوانه الكامل Avengers‪:‬ Infinity War) خرج تانوس (جوش برولِن) وقد ربح المواجهة مع أبطال فريق «أفنجرز». قدرات آيرون مان (روبرت داوني) وكابتن أميركا (كريس إيفنز) وهلك (مارك روفالو) وهوكآي (جيريمي رَنر) وثور (كريس همسوورث) وبلاك ويدو (سكارلت جوهانسن) وآلة الحرب (دون شيدل) ودكتور سترانج (بندكت كمبرباتش) وكابتن مارفل (بري لارسن) وبلاك بانثير (شادويك بوزمن) وسبايدر مان (توم هولاند) لم تستطع إيقاف الطاغي تانوس عن تحقيق أهدافه الشريرة، فلقد نجح في الحصول على الجواهر الستة التي تخوّل له السيطرة على مقادير الحكم الكوني. وبما أنّه مخلوق على حب السيطرة والدّمار فإنّ نجاحه ذاك يعني نهاية العالم.
لقد تغلب تانوس على كل أولئك الأبطال المتميزين بقوى غير طبيعية وقضى على نصف أهل الأرض وتركنا، كمشاهدين، لاهثين وراء ترقب سبيل ما، لاستعادة ميزان القوى لدى أولئك الأبطال.
هذا الجزء هو عن هذا السبيل. في الأساس كادت ديزني أن تطلقه تحت عنوان «أفنجرز: حرب أبدية - 2» لكنّها اعتمدت على «أفنجرز: إندغيم» لكي تعزز انفصال الفيلم قدر المستطاع عن سابقه وتجسيد حضوره كفيلم أخير في السلسلة.
- خداع كبير
لكن لا بد للسيناريو الذي شارك مخرجا الفيلم أنطوني وجو روسو في توقيعه، أن يبدأ حيث انتهى الجزء السابق. الدّمار شامل والنّفوس ملتاعة والشّخصيات الرئيسية تبحث فيما بينها كيف يمكن لها أن تمسك مجدداً بزمام الأمور وتواجه القوة الطاغية التي باتت مقاديرها جميعاً بيدي تانوس.
لا يؤدي الاجتماع الذي حضره من بقي حياً من الفريق، إلى نتيجة إيجابية. على العكس تواجه كل من كابتن أميركا وآيرون مان في جدال شديد (ليس للمرّة الأولى في فيلم مشترك)، بعدما قرّر الثاني أنّه لا فائدة من العمل المشترك وربما لا فائدة من المواجهة أساساً.
كانت السلسلة المعروفة نشأت علاقة صداقة قوية بين آيرون مان وسبايدر مان والثاني سقط في المواجهة كما سقط فيها بلاك بانر وستار لورد (كريس برات). الآن هو متأثر لفقدانه أترابه ولا يود أن يرى المزيد منهم يخسرون أرواحهم في مواجهة أخرى مع تانوس.
على هذا المحور، يبني الشقيقان روسو فيلمهما الجديد. إنه محور عاطفي يمشي بموازاة محور المشاهد القتالية المرتقبة والمؤثرات الضخمة المستخدمة (بلغت ميزانية الفيلم 365 مليون دولار) ولحين يبدو كما لو أنّ هذا المحور قادر على امتصاص كل تلك المشاعر الكامنة في أنفس أبطاله وبالتأكيد لديه الوقت لذلك فمدة الفيلم تبلغ ثلاث ساعات تتيح للمخرجين التوجه بالعمل صوب كل المرافئ التي في البال وتوظيف ما يشعر به الجمهور من ترقب لمعرفة كيف سينتقم «المنتقمون» من عدوّهم.
آيرون مان ليس الوحيد الذي يشعر بفداحة الخسارة. في الواقع يبدأ الفيلم بهوك آي (جيريمي رَنر) وهو تحت وطأة الحزن البالغ فقد خسر زوجته وولديه. بعد تلك المشاهد التأسيسية التي لا بد منها لإظهار وضع بعض شخصيات الفيلم الأولى في مطلع الفيلم، وبعد السباحة في جو ذلك اللقاء المنذر بانقسام تلك الشخصيات يصير لزاماً على هذه الشخصيات أن تستعيد المبادرة وتنتقل من مشاعر اليأس والحزن ومن الجدال الذي لا طائل منه إلى الفعل.
- العودة إلى المستقبل
تمر خمس سنوات من الزمن الحالي قبل أن يقترح آنت - مان (يلعب دوره بول رَد). هذا يمنح الشخصيات الخيرة بعض الأمل ولو أن رأي آيرون مان لن يتغير سريعاً. لقد نبذ حياة الحروب وقرر البقاء مع زوجته ببر (غوينيث بولترو) وابنتهما الصغيرة.
بعودته إلى المجموعة بات ممكناً العودة إلى الماضي بعربة زمنية ابتكرها ذات مرّة الروائي هـ. ج. وَلز (وقدمتها السينما سنة 1960 في فيلم من إخراج جورج بال وبطولة رود تايلور). هي هنا، وفي كل الأفلام التي تستند إلى حيلة أنّه من الممكن الرجوع إلى الأمس لإصلاح عطل في الحياة، تختلف عن ابتكار وَلز كتقنيات، لكنّها الفكرة ذاتها في الأساس. والشقيقان يستخدمانها ضمن براعة المؤثرات الخاصة المتوفرة اليوم بكل اندفاع ممكن. لا شيء يجب أن يعلو عن منح الفيلم تلك القوّة التكنولوجية وحلول الديجيتال الخاصة التي ستستر الثقوب التي إذا ما التحمت مع بعضها البعض تعرض الفيلم إلى السقوط.
مهارة السيناريو والتنفيذ وصولاً إلى الكيفية الكلية لمعالجة هذا الوضع هي في أن العودة إلى الأمس في هذا الفيلم لا تكتفي بإعادة رصف الأحداث كما كان يجب أن تقع. هذه الحيلة تتجاوز مجرد المواجهة مع تانوس إلى مواجهة كل واحد من المجموعة مع ذاته السابقة. هذا الإثراء غير المتوقع لا يسود طويلاً، لكنّه يسود جيداً خصوصاً أن شرط الخروج من المواجهات الاعتماد على كيفية دخول ما حفظته الذاكرة وتغيير بعض ما فيها من عوامل ضرورية لبناء موقف شخصي صلب.
هنا يبدو الفيلم كما لو كان دعوة عامة للناس في أن تبحث عن مشاكلها مع الذات ومشاعر الذنب التي تحتويها والجانب المظلم من الذكريات وتعيد ابتكار ذواتها بحيث تستطيع أن تتغلب على الشرور المنتشرة والمتمثلة هنا بين شخصية تانوس الطاغية وبين الشخصيات الكوميكية التي ستستعيد قواها الخارقة لتدخل الصراع من جديد.
اللعب بالأزمنة يخفّف من عبء المتوقع، ويضع الاحتمالات المختلفة أمام خط سير واحد على أحدها أن يتقدم ويمنح الفيلم النهاية المناسبة.
هذا لم يكن في المقدور إتمامه من دون عودة كل الشخصيات معاً. وبذلك سيعود الأموات منها إلى الحياة وقد منحهم الفيلم حياة أخرى. ونصف الساعة الأخيرة ما هي إلّا مزيج ناجح من المشاعر الإنسانية المجبولة بالقدر الطاغي من المؤثرات بحيث لا يمكن التفريق بين ما هو إنساني المنبع وما هو تقني الوسيلة.
القيمة الإجمالية لهذا المسلسل لا تنفصل عن المنحى العريض الذي عرفته السينما منذ أن بدأت شركة الكوميكس مارفل تعاونها مع وولت ديزني لإنجاب كل شخصياتها البطولية في أفلام متلاحقة.
حتى الآن هناك 22 فيلما من شخصيات السوبر هيرو ومعظمها يظهر في سلسلة «ذا أفنجرز». بدءاً من عام 2008 بدأ هطول هذا المطر بفيلم «آيرون مان» واستمر منتقلاً من جزء لآخر ومن شخصية لشخصية. تبعه جزء ثان من ثمّ جاء دور «ثور» و«كابتن أميركا» و«أفنجرز» وبدأ الجمع بين الشخصيات في أفلام مشتركة. هو أمر صعب أن يعاود الناقد مشاهدة هذا الكم من الأفلام على نحو متواصل لملاحظة كل تلك العلامات الفارقة التي حملتها معها منفرداً أو على نحو جمعي. كيف تعاملت كل شخصية مع الزمن وكيف تعامل كل فيلم مع القراءات المستترة تحت سطور مشاهده؟ كيف استفادت كل سلسلة من عملية الجمع بين هذه الشّخصيات وبأي ذكاء اصطناعي وطبيعي تم إدماجنا في منوال من الأفلام التي حققت بلايين الدولارات من مشاهدين اعتادوا التحلق حول كل فيلم وكل شخصية.
وحين يكتب التاريخ عن هذه الفترة التي اكتظّت فيها أفلام المسلسلات الحديثة من جيمس بوند وهاري بوتر ومسلسلات السوبر هيرو المختلفة فإنّه سيلاحظ أنّها جميعاً تلاعبت بالخيال بدرجات متفاوتة. أدنى درجات اللعب هو الذي اقترب من الواقع مترجماً إلى احتمالات، وأبعدها تلك الفانتازيات التي تدور كما في مسلسلي «لورد أوف ذا رينغز» و«ذا هوبيت»، في أقصى الزمن وأقصى المكان من دون أن تخسر إيحاءاتها للواقع بصرف النّظر عمّا هو هذا الواقع.


مقالات ذات صلة

«بادينغتون في البيرو»... الدب الأشهر يحفّز البشر على مغادرة منطقة الراحة

يوميات الشرق في فيلمه السينمائي الثالث ينتقل الدب بادينغتون من لندن إلى البيرو (استوديو كانال)

«بادينغتون في البيرو»... الدب الأشهر يحفّز البشر على مغادرة منطقة الراحة

الدب البريطاني المحبوب «بادينغتون» يعود إلى صالات السينما ويأخذ المشاهدين، صغاراً وكباراً، في مغامرة بصريّة ممتعة لا تخلو من الرسائل الإنسانية.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق المخرج العالمي ديفيد لينش (أ.ف.ب)

رحيل ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة

هل مات ديڤيد لينش حسرة على ما احترق في منزله من أرشيفات وأفلام ولوحات ونوتات موسيقية كتبها؟ أم أن جسمه لم يتحمّل معاناة الحياة بسبب تعرضه لـ«كورونا» قبل سنوات؟

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))
يوميات الشرق أحمد مالك وآية سماحة خلال العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

«6 أيام»... رهان سينمائي متجدد على الرومانسية

يجدد فيلم «6 أيام» الرهان على السينما الرومانسية، ويقتصر على بطلين فقط، مع مشاركة ممثلين كضيوف شرف في بعض المشاهد، مستعرضاً قصة حب في 6 أيام فقط.

انتصار دردير (القاهرة)
سينما النجم الهندي سيف علي خان (رويترز)

سيف علي خان يصاب بست طعنات في منزله

تعرض نجم بوليوود الهندي سيف علي خان للطعن من متسلل في منزله في مومباي، اليوم الخميس، ثم خضع لعملية جراحية في المستشفى، وفقاً لتقارير إعلامية.

«الشرق الأوسط» (مومباي)
سينما لقطة لبطلي «زوبعة» (وورنر)

أفلام الكوارث جواً وبحراً وبرّاً

مع استمرار حرائق لوس أنجليس الكارثية يتناهى إلى هواة السينما عشرات الأفلام التي تداولت موضوع الكوارث المختلفة.

محمد رُضا (بالم سبرينغز)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».