موسكو تصعّد الضغط على أنقرة وتفتح مواجهة مع الأمم المتحدة

TT

موسكو تصعّد الضغط على أنقرة وتفتح مواجهة مع الأمم المتحدة

عكست المواقف الروسية المتلاحقة بعد انتهاء جولة المناقشات الأخيرة في إطار «مسار آستانة» اتساع هوة التباين مع أنقرة حول آليات التعامل مع الوضع في إدلب، واتجاه موسكو إلى تشديد الضغوط على الجانب التركي، في محاولة فرض واقع جديد من خلال تنشيط العمليات العسكرية ومساعي تهيئة ظروف جديدة لحسم الموقف في المدينة.
ورغم أن موسكو سعت إلى عدم توسيع هوة الخلاف مع تركيا حول الملف، وهو أمر برز في صياغة البيان الختامي لاجتماعات مسار آستانة الذي خلا من إشارة إلى «الفشل التركي في إدلب»، بل تحدث عن «تفاهم على تدابير مشتركة لضمان تنفيذ الاتفاقات السابقة حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح هناك»، فإن متابعة تصريحات المسؤولين الروس التي أعقبت ذلك مباشرة، دلت على أن اللهجة الروسية آخذة في التصاعد بالتزامن مع التصعيد الجاري على الأرض لجهة توسيع نطاق وعدد الهجمات التي تشنها قوات النظام والطائرات الروسية في محيط إدلب.
ومع أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث عن أنه «لا يمكن إطلاق عملية عسكرية واسعة بسبب الظروف الإنسانية ووجود ملايين المدنيين في المدينة»، فإنه على الجانب الآخر برزت تصريحات المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف عن «فشل تركيا» وعن ضرورة العمل لتسوية هذا الملف في أسرع وقت، مع إشارات الوزير سيرغي لافروف المتعاقبة خلال اليومين الماضيين إلى أن «روسيا لن تتسامح مع وجود الإرهابيين في إدلب ومناطق أخرى في سوريا» لتضيف مزيداً من الضغوط على الجانب التركي، خصوصاً مع الإشارة إلى أن «من حق دمشق ضمان سلامة مواطنيها وأمنها»، وهي إشارة كررها لافروف، بعدما كان بوتين ركز عليها من خلال عبارته عن أن «من يكافح الإرهابيين في المنطقة هي القوات الحكومية السورية، ونحن نوفر لهم الغطاء الجوي والدعم المناسب».
من جهتها، قالت أوساط روسية لـ«الشرق الأوسط» إن «تصعيد اللهجة الروسية لا يعني انقلاباً على الموقف مع تركيا، وروسيا تبقى حريصة على تنسيق مواقفها مع أنقرة وحريصة على تماسك محور آستانة». وأوضحت أنه فضلاً عن الموقف الروسي المعلن سابقاً أنه «لا يمكن أن يبقى الوضع الحالي في إدلب إلى الأبد»، فإن الأهم كما يبدو في الأسابيع الأخيرة هو بروز «استياء روسي من الاتصالات الأخيرة الجارية بين أنقرة وواشنطن حول الوضع في منطقة الشمال السوري».
وكان البيان الختامي لاجتماعات محور آستانة حمل إشارة واضحة إلى ضرورة رحيل القوات الأميركية عن المنطقة، لكنه لم يتطرق إلى الاتصالات التركية - الأميركية حول تسيير دوريات مشتركة في منطقة آمنة بعرض 30 كيلومتراً، وهي نقطة خلافية بين روسيا وتركيا. ولا يخفي مسؤولون روس استياء بسبب تجاهل أنقرة الاقتراحات الروسية بالعمل على تسوية المشكلة الأمنية في الشمال عبر الانطلاق من اتفاقية أضنة الموقعة عام 1998 مع دمشق التي تسمح للأتراك بالتوغل 5 كيلومترات لملاحقة الإرهابيين.
ووفقاً للافرنتييف، فإن تطبيق أنقرة ودمشق اتفاقية أضنة في ظل غياب اتصالات مباشرة، أمر «معقد للغاية، سنقدم لهم هنا دعمنا ولسنا نحن فقط، بل والإيرانيون أيضاً». وهنا برزت إشارة إلى جهود للوساطة بين دمشق وأنقرة تقوم بها موسكو وطهران، لكن ما زاد من استياء موسكو ظهور تصريحات لمسؤولين أتراك أكدت عدم القبول بفتح أي قنوات اتصال مع الحكومة السورية حالياً.
وتعمدت موسكو أخيراً تذكير الجانب التركي بأن انضمام الأتراك إلى الحوارات حول التسوية في سوريا أمر لا مفر منه. وقال لافرنتييف إن «الحوار بين الأكراد ودمشق عامل أساسي في إخراج الأميركيين من سوريا»، و«خصوصاً أن الأكراد لا ينضوون في أي تنظيمات راديكالية، لذلك لا توجد خلافات كبيرة عندهم مع الحكومة السورية».
من جانب آخر، بدا أن موسكو بدأت خوض معركة مبكرة مع المبعوث الدولي الجديد إلى سوريا غير بيدرسون، إذ أظهرت نتائج جولة آستانة التي حضرها بيدرسون بصفة مراقب، فشل الرهان الروسي على إنجاز ملف تشكيل اللجنة الدستورية سريعاً، ما اضطر موسكو إلى الموافقة على إعادة الملف إلى جنيف برغم تحفظات النظام وطهران. لكن الأهم وفقاً لوجهات نظر محللين روس هو بروز الاختلاف في الرؤية حول دور ومكانة الأمم المتحدة في ملف التسوية السورية من خلال مسائل كثيرة أخرى طرحت للنقاش خلال جولة مفاوضات آستانة، بينها مراوحة ملف «إجراءات بناء الثقة» وعدم التقدم في مسألة الإفراج عن الأسرة والسجناء. ورغم أن موسكو رأت في خطوة الإفراج عن 12 سجيناً أخيراً خطوة مهمة، فإن هذا المحصول بعد 12 جولة مفاوضات في آستانة بدا هزيلاً. ومعلوم أن الأمم المتحدة تحضر الجولات بصفة مراقب، وبدا في التعليقات التي صدرت أخيراً، أن موسكو لا ترغب في توسيع أو تعميق هذا الحضور.
وكان هذا واضحاً حتى قبل جولة آستانة، عندما أشار الوزير لافروف إلى أن دور الأمم المتحدة في تشكيل «الدستورية» مجرد وسيط، وعزا موقفه إلى مخرجات مؤتمر سوتشي للحوار، الذي حضرته الأمم المتحدة أيضاً بصفة مراقب.
وأكد لافرنتييف في حصر لنتائج الجولة أن حضور المبعوث الأممي الخاص إلى الشأن السوري، غير بيدرسون، جولة المفاوضات «أفاد سياسياً بشكل كبير»، لكنه أعاد التشديد على أن «وظيفة المبعوث الأممي تيسير التسوية السورية بقيادة سوريا وليس قيادة التسوية أممياً»، وأضاف: «نعول على أن بيدرسون سيقوم بما عليه في هذا السياق».
وبدا أن هذا المدخل يفتح على مواجهة جديدة مع الأمم المتحدة، قد يظهر أول ملامحها مع بدء المناقشات المقررة في جنيف حول تشكيل الدستورية التي ينتظر أن تنعقد بعد انقضاء شهر رمضان المبارك.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي فلسطينيون يجمعون الطعام المتبرع به في مركز توزيع أغذية في دير البلح وسط قطاع غزة، 2 يناير 2025 (أ.ب)

برنامج الأغذية العالمي يندد بهجوم إسرائيلي على قافلة له في غزة

قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، اليوم (الاثنين)، إن قوات إسرائيلية فتحت النار على قافلة تابعة له في غزة أمس الأحد في واقعة وصفها بأنها «مروعة».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي الحرب في السودان والقيود المفروضة على توصيل المساعدات تسببتا في مجاعة في شمال دارفور (رويترز)

الأمم المتحدة: أكثر من 30 مليون شخص في السودان بحاجة إلى المساعدة

قالت الأمم المتحدة الاثنين إن أكثر من 30 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، يحتاجون إلى المساعدة في السودان بعد عشرين شهرا من الحرب المدمرة.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
شمال افريقيا لاجئون سودانيون في تشاد يوم 6 أكتوبر 2024 (أ.ب)

الأمم المتحدة تطلب 4.2 مليار دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان

أطلقت الأمم المتحدة خطة لمواجهة الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً في السودان، خلال العام الجديد، تتطلب توفير 4.2 مليار دولار، لتلبية طلبات 21 مليون سوداني.

أحمد يونس (كمبالا)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون الأضرار بعد قصف إسرائيلي على مستشفى الوفاء وسط الحرب بقطاع غزة (رويترز)

الأمم المتحدة: الهجمات الإسرائيلية على مستشفيات غزة قد تشكل جرائم حرب

كشفت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان اليوم (الثلاثاء) أن الهجمات الإسرائيلية على المستشفيات في قطاع غزة قد تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (غزة)

البابا فرنسيس يعيّن أول امرأة لرئاسة دائرة كبيرة في الفاتيكان

الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)
الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)
TT

البابا فرنسيس يعيّن أول امرأة لرئاسة دائرة كبيرة في الفاتيكان

الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)
الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)

عيّن البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، اليوم (الاثنين)، أول امرأة لقيادة إحدى الدوائر الرئيسية في الفاتيكان، وهي راهبة إيطالية ستتولى مسؤولية المكتب الذي يشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم.

وستتولّى الأخت سيمونا برامبيلا (59 عاماً) رئاسة مجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية في الفاتيكان. وستحل محل الكاردينال جواو براز دي أفيز، وهو برازيلي تولّى المنصب منذ عام 2011، حسب وكالة «رويترز» للأنباء.

البابا فرنسيس يترأس صلاة التبشير الملائكي في يوم عيد الغطاس من نافذة مكتبه المطل على كاتدرائية القديس بطرس في دولة الفاتيكان 6 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ورفع البابا فرنسيس النساء إلى أدوار قيادية بالفاتيكان خلال بابويته المستمرة منذ 11 عاماً؛ إذ عيّن مجموعة من النساء في المناصب الثانية في تسلسل القيادة بدوائر مختلفة.

وتم تعيين برامبيلا «عميدة» لمجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية، وهو الكيان السيادي المعترف به دولياً الذي يُشرف على الكنيسة الكاثوليكية العالمية.