«جنون هادئ» في اختتام «ربيع الموسيقى الكلاسيكية» بالصويرة المغربية

الدورة الـ19 تابعها جمهور غفير... وسط ارتياح تنظيمي

جانب من فقرات «ربيع الموسيقى الكلاسيكية» بالصويرة في المغرب
جانب من فقرات «ربيع الموسيقى الكلاسيكية» بالصويرة في المغرب
TT

«جنون هادئ» في اختتام «ربيع الموسيقى الكلاسيكية» بالصويرة المغربية

جانب من فقرات «ربيع الموسيقى الكلاسيكية» بالصويرة في المغرب
جانب من فقرات «ربيع الموسيقى الكلاسيكية» بالصويرة في المغرب

على مفترق الطّرق بين الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الجاز وموسيقى العالم اختتمت أمس، في مدينة الصويرة المغربية، بـفضاء «دار الصويري»، فعاليات الدورة الـ19 من مهرجان «ربيع الموسيقى الكلاسيكية»، بفقرة موسيقية تحت عنوان «الجنون الهادئ لساتي»، مع غزافييه سارازان على آلة الباتري ومحمد المنجرة على آلة الكونترابص وغيوم ديبوا على آلة البيانو وحمزة بناني سميرس على التي البوق والبَوْجَل.
ولم يخفِ المنظمون ارتياحهم للبرمجة التي جاءت «وفية لروح الصويرة» وللأجواء التي ميزت دورة هذه السنة، مشدّدين على أنّ صداها والجمهور الغفير الذي تابعها، أكدا مرة أخرى، أنّ المهرجان موعد مهم بالنسبة للمدينة التي جعلت من الفن والثّقافة رافعة للتّنمية، حيث تشهد على مدار العام تنظيم مظاهرات متنوعة في أشكالها الموسيقية، متكاملة في توجهها العام، أبرزها، فضلا عن «ربيع الموسيقى الكلاسيكية»، «مهرجان الأندلسيات الأطلسية» و«مهرجان كناوة وموسيقى العالم» و«مهرجان جاز تحت الأركان».
وأكد المنظمون خيار «التعريف بالموسيقى الكلاسيكية»، من خلال التظاهرة مشيرين في هذا الصدد، إلى قيمة الموسيقيين المشاركين، ممن لهم سمعة دولية، احتفوا بأعمال رموز الموسيقى الكلاسيكية.
وتواصلت تظاهرة «ربيع الصويرة» على مدى أربعة أيام، بفضاءات «دار الصويري» و«بيت الذاكرة» و«كنيسة الصويرة»، ببرنامج غني ومتنوع، اختار المنظمون التركيز فيه على «القرب والعاطفة والتقاسم الذي يوفره فقط، الاستماع الصوتي الخالص والحميمي، الذي يمنح كل نبله وعمقه لموسيقى الغرف والفن الغنائي».
واستمتع الجمهور الغفير والنّوعي الذي تابع فعاليات هذه التظاهرة التي تنظمها «جمعية الصويرة موغادور»، ببرمجة فنية اشتملت على 12 حفلا موسيقيا، بشكل لبى انتظارات عشاق هذا اللون الموسيقي الراقي، سواء في حفل الافتتاح مع «بيتهوفن المندفع»، بمشاركة غيوم فانسنت الحائز على جائزة مارغريت لونغ تهيبوت المرموقة على البيانو، وعازف التشيلو برونو فيليب الفائز بمسابقة تشايكوفسكي، ورفائيل سيفير عازف الكلارينيت المتوج بجائزة فيكتوار للموسيقى، وديفيد إلياس مونكادو عازف الكمان الفائز في مسابقة الموسيقى الدولية للأوركسترا الفيلارمونيكية بالمغرب؛ أو في الأيام الثلاثة التالية مع «فيفالدي الممجد» من أداء «فرقة الآلة من روما» مع جيورجيو ساسو على آلة الكمان وباولو بيروني على آلة الكمان وفلافيا تروبا على آلة الالتو وأندريا فاسو على آلة التشيلو ولوكا كولا على آلة الكونترباص وماركو سيلفي على آلة الهاربسكورد والسوبرانو مع ميني ديوداتي وماسيمو دي ستيفانو على آلة الباريتون؛ أو «مندلسون المحموم» مع «ثلاثي ميترال» المكون من فكتور ميترال على آلة البيانو وجوزيف ميترال على آلة الكمان وجوستين ميترال على آلة التشيلو؛ أو «برامز الإنساني» مع ماري لور غارنيي (سوبرانو) وتريستان رايييس (البيانو)؛ أو «شوبير الشاعر» من أداء أنطون هاندون وجيل ديساب وغابرييل لافايت وسيمون دوشامبر وبرونو فيليب؛ أو «متخيل روبير شومان» مع فيكتور ميترال وغيوم فانسون.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».