محاولة لدمج الواقع الافتراضي بعروض مسرحيات شكسبير

في إطار شراكة مع «ماجيك ليب»

دشّنت شركة «رويال شكسبير» أحدث مشروعاتها، وهو إعادة تقديم لخطاب «سبعة أعمار للإنسان» من مسرحية «كما تشاء» للشاعر الإنجليزي المشهور
دشّنت شركة «رويال شكسبير» أحدث مشروعاتها، وهو إعادة تقديم لخطاب «سبعة أعمار للإنسان» من مسرحية «كما تشاء» للشاعر الإنجليزي المشهور
TT

محاولة لدمج الواقع الافتراضي بعروض مسرحيات شكسبير

دشّنت شركة «رويال شكسبير» أحدث مشروعاتها، وهو إعادة تقديم لخطاب «سبعة أعمار للإنسان» من مسرحية «كما تشاء» للشاعر الإنجليزي المشهور
دشّنت شركة «رويال شكسبير» أحدث مشروعاتها، وهو إعادة تقديم لخطاب «سبعة أعمار للإنسان» من مسرحية «كما تشاء» للشاعر الإنجليزي المشهور

تتولى سارة إيليس في شركة «رويال شكسبير» في ستراتفورد، مهمة صعبة، وهي اكتشاف كيفية ملائمة مسرح القرن السادس عشر للقرن الواحد والعشرين. وتمثل إيليس، بصفتها مديرة التطوير الرّقمي، وهو مسمّى وظيفي ربما يبدو غير ملائم في صناعة يحكمها أداء البشر المباشر، تغيراً حديثاً في عالم الشركة. إنّها تعمل على دمج تكنولوجيا افتراضية جديدة مع عمل كاتب مسرحي تفصلنا عنه قرون.
دشّنت شركة «رويال شكسبير» خلال الرّبيع الحالي أحدث مشروعاتها، التي تمت في إطار شراكة مع شركة «ماجيك ليب» للتكنولوجيا، وهو إعادة تقديم لخطاب «سبعة أعمار للإنسان» لشكسبير من مسرحيته «كما تشاء»، وهو مناجاة للنفس، وكانت عبارة «ما الدنيا إلا مسرح كبير» هي أشهر جزء فيها، وتوجز تلك العبارة مقاصد الشّركة من هذا المشروع. وتشير الشركة إلى المشروع باسم «مسرح سطح الطّاولة» وهو تقديم أعمال صغيرة جداً يمكن تمثيلها على أي سطح.
تقول إيليس: «لقد أردنا البدء بمشهد من أعمال شكسبير، واستخدامه كعبارة بيانية توضح الاتجاه نحو طموح أكبر في هذا المجال، إنّه التنوع». وتضيف قائلة: «إنها نقطة البداية بالنسبة لنا لاستكشاف كيفية تقديم مسرح باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة التي نجدها في الألعاب وغيرها من المجالات، مثل التقاط الصور المتحركة، والتصوير المساحي، والالتقاط الحجمي».
تبدأ مناجاة الذّات بعد وضع سماعة الواقع المعزز «ماجيك ليب وان» لتراها على منصة صغيرة في حجم قاعدة تمثال أمامك. أدّى هذه المناجاة، ومدتها 3 دقائق، ممثل مسرحيات شكسبير روبرت غيلبرت، وعُدّلت لتناسب ذلك الوسيط ذي الحجم الصغير، بحيث تكون لها قوة تأثير العرض الحي. تم تسجيل أداء غيلبرت في البداية باستخدام تقنية الالتقاط الحجمي، وهي عملية تتضمّن العمل على مقطع مصور لإخراج مساحة رقمية ثلاثية الأبعاد منه، ما يتيح ترجمة الأداء الحي على خشبة المسرح إلى واقع معزّز يمكن تقديمه في أي مكان. توجد وراء الممثل شجرة ضخمة، يتقدّم عمرها مع استمرار العرض؛ حيث تتحوّل من اللون الأخضر، الذي نراه في الربيع، إلى اللون الأحمر الذي نراه في الخريف. وتبدأ الأوراق بالتساقط من الفروع، ما يجعل الشّجرة عارية مع وصول المناجاة إلى نهايتها.
وتوضح إيليس: «لطالما كانت هناك علاقة بين المسرح والتكنولوجيا. لذا فإنّ هذه التكنولوجيا تضيف إلى ما لدينا من أدوات للمسرح، وتوسع نطاق خيارات الأداء من خلال ما نمتلكه من أدوات اليوم. لطالما كانت تجربة الحكي والقصّ تتم باستخدام أفضل وسائل التكنولوجيا المتاحة وهو الممثل الحي. المهم بالنسبة إلينا هو كيف تساعدنا الوسائل التكنولوجية الجديدة في تعزيز ذلك الأداء، وتطوير تجربة الحكي ورواية القصص، وتقديم خيارات جديدة أمام المخرجين والمصممين، وتمكيننا من تشكيل وتنقيح وإعادة تعريف التجارب لجمهورنا». وتابعت: «ما وجدناه في الواقع المختلط هو قدرته على تقديم تجربة متشاركة مع وجود عالم رقمي متاح لنا من خلال التكنولوجيا. كذلك يتيح لنا ذلك التفكير في العالم الحقيقي والعالم الرّقمي بشكل متزامن، وجمعهما معاً. لقد وجدنا أنّ الجمهور يركّز على الأداء، لكنّهم ينظر بعضهم إلى بعض من خلال تلك الوسيلة، ويستمتعون بهذه التجربة الجماعية القائمة على التواصل».
وبدأت شركة «رويال شكسبير» استكشاف هذه المساحة بالتعاون مع «إنتل» لإنتاج مسرحية «العاصفة» لعام 2017، التي تضمنت أداء كاملاً بتقنية الاستشعار لالتقاط الحركة، يقدمه آريل الخادم من الجن في المسرحية. بعد ذلك بعامين يصبح الترفيه باستخدام الواقع المختلط أكثر انتشاراً مع تزايد انتشار التكنولوجيا.
وتستطرد إيليس: «شهدنا خلال العقود الماضية صناعات لحكي القصص تسعى وراء الغاية نفسها من دون تشارك المعلومات»، متحدثة عن مجالات الإبداع مثل السينما والتلفزيون والمسرح والموسيقى والإنترنت. وتضيف: «يعبر الجمهور بمرور الوقت تلك الحواجز، ويحدّد معاييرها الخاصة بالمحتوى مع دخول قنوات رواية القصص الخاصة بهم، مثل موقع (يوتيوب)، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمنصّات المتوفرة على الإنترنت مثل (نتفليكس) و(أي بلاير)، لمجال الترفيه بأحدث أداء للمارشميلو. هذه هي المساحات التي يجتمع من خلالها الجمهور، وهذه هي الطريقة التي نوظّف المسرح من خلالها».
يتصور غريغ رينالدي، مدير بارز لعلاقات التطوير والإبداع في «ماجيك ليب» مستقبلاً يتم الاستمتاع فيه بجميع أشكال الترفيه من خلال الواقع المختلط؛ حيث لا توجد شاشات أو وسائل تحكم أو وسيط سوى السماعة. ويوضح قائلاً: «أنا من أشد محبي الخيال العلمي. أعتقد أنّ هذا هو سبب عملي في الشّركة».
الجدير بالذكر أنّ رينالدي كان يعمل في مجال ألعاب الفيديو في «إلكترونيك أرتس» قبل عمله في شركة «ماجيك ليب»، وكان يبتكر ألعاباً يشارك فيها عدة أفراد، ويقدم عوالم هائلة عبر الإنترنت ليشارك فيها آلاف اللاعبين. مع ذلك بعد 15 عاماً من العمل في مجال تسيطر عليه أدوات التحكم والشّاشات، يرى حالياً أنّها معوقات في مجال الترفيه الافتراضي. كذلك يقول: «يعيش أكثرنا التجارب في العالم من خلال التحديق في الهواتف المحمولة، وأنا لا أريد أن أفعل ذلك خلال العشرين سنة المقبلة. لا يجب أن تكون تلك هي طريقة تفاعلي مع العالم الرّقمي. نأمل أن تتطوّر التكنولوجيا، بحيث تصبح أصغر وأقوى، وبحيث يصبح من الطبيعي ارتداء نظارة للتّفاعل مع ابتكار وسيط مرئي جديد. ما نحاول التوصل إليه هنا هو كيفية جعل التفاعل يسير بشكل طبيعي من دون مشقة في التعلم».
وينبغي القول إنّ الواقع المختلط ليس مثل الواقع الافتراضي تماماً؛ حيث توجد فروق واختلافات فنية بين الاثنين. على عكس الواقع الافتراضي، الذي يوظف الصّور الرّقمية ثلاثية الأبعاد لتكوين عوالمه الافتراضية، تسيطر «ماجيك ليب وان» على «حقول الضوء الرقمية»، وهي طريقة تقدم لمرتدي السّماعة إشارات وأصواتاً مماثلة لتلك الصّادرة عن أشياء في العالم الحقيقي. مع ذلك ربما يكون الفارق الأهم ذا طابع فلسفي؛ حيث يلّفك الواقع الافتراضي ويدخلك إليه. يقول غريغ رينالدي، رئيس «ماجيك ليب»: «أعتقد أنّ الواقع الافتراضي تكنولوجيا مذهلة، لكنّه مختلف كثيراً، فهو يقوم على الهروب. يمكنك تكوين عوالم ثرية حقاً في العالم الافتراضي. ويمكنك تكوين المساحة في العالم الافتراضي؛ حيث تمتلك القدرة الكاملة على خلق هذا العالم الآخر. على الجانب الآخر في الواقع المختلط عليك احترام المساحة التي توجد بها، وعليك فهم كيفية تفاعل المحتوى الرقمي مع المساحة، وتفاعل المشاهدين مع تلك المساحة». وأضاف قائلاً: «أعتقد أنّ سبب تحمّسنا للواقع المختلط هو عدم اضطرار المرء إلى إبعاد البشر عنه. مع ذلك لا أعتبرهما وسيلتين متنافستين، بل فقط مجرد وسيطي معايشة مختلفين، مثل الفيلم والإذاعة».
وتقول إيليس: «ستعتمد الحكي ورواية القصص خلال العشرة أو العشرين عاماً المقبلة على أحداث اليوم، وسوف تظل مسرحيات شكسبير جزءاً أصيلاً من خطاب المجتمع اليوم». وتضيف: «خلال الأعوام العشرة المقبلة، سنتفاعل كصناعات وقطاعات وأنواع مع الجمهور ومع مساحات تجمعه الجديدة. كذلك سنرى التقاء تلك المنصات، وسيكون مستقبل الترفيه أكثر انفتاحاً، أو ستقل هيمنة المنصة أو التجربة الواحدة عليه».
أعلنت شركة «رويال شكسبير كومباني» في يناير (كانون الثاني) عن برنامج «جمهور المستقبل» الذي يستكشف مستقبل الأداء الحي المباشر، بالتعاون مع «مارشملو ليزر فيست» و«ماجيك ليب» و«إنتل» و«إيبيك غيمز» وغيرها. وسيكون مجال استكشافها المقبل هو المسرح والحاسوب المكاني مع توفير 6 منح زمالة لدى جامعة «بورتسموث»، وجامعة «غولدسميثز» و«آي تو ميديا ريسيرش».
وتوضح إيليس: «أعتقد أنّ إمكانات جهاز (ماجيك ليب) المتعلّقة بتقديم المسرح كثيرة، ونحن نستكشف تلك الطّرق حالياً. يمنحنا العمل على ذلك بشكل جماعي فرصة لتصوّر شكل إنتاج أو أداء مستقبلي ما، مع التفكير في الطّرق الكثيرة التي يطلّع الجمهور من خلالها على المحتوى ورواية القصص. كيف يمكن للمسرح أن يوجد في تلك المساحات، وكذلك كيف يمكنه أن يوظّف بعضاً من تلك الابتكارات في هذه المجالات».

- خدمة «كوارتز ميديا»


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».