حماية المتنزهات الأفريقية من الصيد الجائر مهمة معقدة وشاقة

حلم السياح القيام برحلة «سفاري»
حلم السياح القيام برحلة «سفاري»
TT

حماية المتنزهات الأفريقية من الصيد الجائر مهمة معقدة وشاقة

حلم السياح القيام برحلة «سفاري»
حلم السياح القيام برحلة «سفاري»

وسط الأدغال الأفريقية يراود الكثيرين من السياح حلم بالقيام برحلة «سافاري»، ولكن إذا ابتعدنا عن الأكواخ الفاخرة التي ينزل بها الزوار في رحلاتهم، والأماكن المعدة جيداً لمشاهدة الحيوانات والطيور على الطبيعة والطرق الممهدة بعناية والتي تسير عليها عربات الجيب المكدسة بالركاب، سرعان ما نرى الوجه الحقيقي والمختلف على أرض الواقع للحياة البرية في هذه المناطق.
فغالباً ما تتحول هذه المناطق الحافلة بالمناظر الطبيعية الساحرة إلى ميدان للمعارك، بين حراس المحميات الطبيعية وبين صائدي الحيوانات بشكل غير قانوني، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
وتمتد العديد من المتنزهات ومحميات الحياة البرية في أفريقيا لمساحات شاسعة، وعلى سبيل المثال تفوق مساحة محمية «سيلوس جيم» الكائنة في تنزانيا المساحة الإجمالية لسويسرا، وهذه المساحات الشاسعة للمتنزهات تجعل تأمين حدودها عملية مستحيلة، خاصة مع اعتبار أنها تضم تضاريس صعبة تشمل مجموعة من الأنهار والبراكين والصحاري ومعظمها يصعب ارتياده.
كما أن المتنزهات تقع في الغالب داخل مناطق ليس لأجهزة الدول سلطات تذكر عليها، مما يجعلها عرضة لمشكلات ناجمة عن الأوضاع السياسية غير المستقرة أو النزاعات المسلحة مثل تلك التي تقع في شرقي الكونغو. ويقول إيكي فالا المتحدث باسم المتنزهات الوطنية في دولة جنوب أفريقيا: «ظل حراس المتنزهات لفترة طويلة يحتفظون بأسلحة يستخدمونها فقط لحماية أنفسهم من هجمات الحيوانات البرية، أما الآن فأصبح بحوزتهم أسلحة لحماية أنفسهم من البشر».
وفي «متنزه كروجر الوطني» الشهير بجنوب أفريقيا صار الصيد الجائر لحيوان وحيد القرن يمثل مشكلة كبيرة بوجه خاص، ويبلغ طول حدود المتنزه مع دولة موزمبيق المجاورة 350 كيلومتراً تقريباً، وهي المكان الذي يأتي منه معظم صائدي الحيوانات بشكل غير قانوني، وذلك وفقاً لما يقوله فالا، ويعرف هؤلاء الصيادون جيداً خبايا تضاريس ومعالم الطرق المؤدية إلى المتنزه،
وبات لديهم خبرة واسعة باستخدام الأسلحة، نظراً للتدريب العسكري الذي حصلوا عليه أثناء الحرب الأهلية التي دارت في موزمبيق على مدى 16عاماً.
ويضيف فالا إنهم أيضاً مسلحون جيداً ويستخدمون بنادق هجومية «لإطلاق الرصاص على حراس المحميات»، ومن هنا فإنه يتعين على الحراس أن يكونوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم، وعندما يشنون عمليات على الصائدين اللصوص فبوسعهم أن يستدعوا الطائرات الهليكوبتر وكلاب الشرطة لمساعدتهم على محاصرة لصوص الحيوانات.
غير أن جهود الحراس لا تكاد تكفي لمنع الصيد الجائر بسبب الأرباح الكبيرة التي تدرها عملية التجارة في هذه الحيوانات، فتشير التقارير إلى أنه في السوق السوداء يدفع الزبائن ما يصل إلى 33500 دولار مقابل شراء كيلوغرام واحد من قرن الخرتيت.
ويأتي معظم الزبائن من الصين وفيتنام، حيث يعتقد المواطنون هناك أن قرن الخرتيت يتمتع بقدرات علاجية ومثيرة للرغبة الجنسية، غير أن هذه الأرباح الكبيرة نادراً ما تصل إلى أيدي الصيادين، ومعظمهم يعاني من الفقر ويأتون من تجمعات سكانية مجاورة للمتنزهات. ويعد الصيد الجائر المصدر الوحيد للدخل بالنسبة لهم، أما النشاط الحقيقي للتجارة غير المشروعة في الحيوانات البرية فتقوم به شبكات إجرامية دولية.
ومما زاد الطين بلة، أشار تقرير نشره موقع «بازفيد نيوز» الإخباري إلى أن وحدات مكافحة الصيد الجائر، والتي يمولها «الصندوق العالمي للطبيعة» تتجاوز الصلاحيات المخولة لها، حيث تقوم بتعذيب وقتل وإساءة معاملة عشرات الأشخاص في ست دول على الأقل. ويحذر بيركهارد فيلكه رئيس قسم الأبحاث بالمعهد المركزي الألماني للقضايا الاجتماعية من أن المنظمات المانحة للمعونات، ليس لديها الحق في خرق القانون أو انتهاك الحقوق في معركتها ضد الصيد الجائر.
ويقول: «بالطبع تكون الأوضاع القانونية المتعددة والمتباينة للغاية لكل دولة، متوافقة مع منظمة تعمل على الصعيد الدولي»، غير أنه يجب على الدوام احترام حقوق الإنسان الأساسية. ولكن ما هو التصرف مع الأوضاع التي لا يتضح فيها كيف يطبق القانون؟ في هذه الحالة يوضح فيلكه أن أهم شيء هو الشفافية، ويقول إنه «كلما كان العمل معقداً وصعباً كان من الأكثر أهمية إيضاح المصاعب بكل شفافية، حتى يكون الناس على بينة مما يحدث».


مقالات ذات صلة

دلفين وحيد ببحر البلطيق يتكلَّم مع نفسه!

يوميات الشرق يشكو وحدة الحال (أدوب ستوك)

دلفين وحيد ببحر البلطيق يتكلَّم مع نفسه!

قال العلماء إنّ الأصوات التي يصدرها الدلفين «ديل» قد تكون «إشارات عاطفية» أو أصوات تؤدّي وظائف لا علاقة لها بالتواصل.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
يوميات الشرق بإمكان الجميع بدء حياة أخرى (أ.ب)

شبل الأسد «سارة» أُجليت من لبنان إلى جنوب أفريقيا لحياة أفضل

بعد قضاء شهرين في شقّة صغيرة ببيروت مع جمعية للدفاع عن حقوق الحيوان، وصلت أنثى شبل الأسد إلى محمية للحيوانات البرّية بجنوب أفريقيا... هذه قصتها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق «مو دينغ» يُكثّف نجوميته (أ.ب)

أغنية رسمية بـ4 لغات لفرس النهر التايلاندي القزم «مو دينغ» (فيديو)

إذا لم تستطع رؤية فرس النهر التايلاندي القزم، «مو دينغ»، من كثب، فثمة الآن أغنية رسمية مميّزة له بعدما بات الحيوان المفضَّل لكثيرين على الإنترنت.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
يوميات الشرق عدد الفيلة في النوعين مجتمعين بلغ ما بين 415 ألف و540 ألف فيل حتى عام 2016 (رويترز)

انخفاض كبير في أعداد الأفيال الأفريقية خلال نصف قرن

واختفت الأفيال من بعض المواقع بينما زادت أعدادها في أماكن أخرى بفضل جهود الحفاظ عليها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مهارة مذهلة (إكس)

فِيلة تُذهل العلماء... «ملكة الاستحمام» عن جدارة! (فيديو)

أذهلت فِيلةٌ آسيويةٌ العلماءَ لاستحمامها بنفسها، مُستخدمةً خرطوماً مرناً في حديقة حيوان ألمانية، مما يدلّ على «مهارة رائعة».

«الشرق الأوسط» (برلين)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».